انطلقتْ في بيروت، أمس محاولة جديدة لوضع مسار تأليف الحكومة الجديدة على السكة بعدما «انحرف» بقوة في الأيام الأخيرة مع عودة «قطار» العلاقة بين «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) وحزب «القوات اللبنانية» إلى ما قبل محطة «تفاهم معراب» الذي جمعهما في يناير 2016 بسبب الخلاف المستحكم على حجم تمثيل «القوات» وزارياً، واستمرار عقدة التمثيل الدرزي على حالها وصولاً إلى تمادي أطراف في 8 آذار بالتلويح مباشرة أو مداورةً بالرغبة في تقييد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة بمهلةٍ لا ينصّ عليها الدستور تارةً عبر الدعوة إلى سحب التفويض النيابي منه وطوراً بالتهديد بالدعوة إلى جلسة عامة للبرلمان لمناقشة التأخير في ولادة الحكومة.
ورغم الدينامية المتجددة التي عبّرت عن نفسها بغداء العمل الذي جمع رئيس البرلمان نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري في «عين التينة» (حيث مقر بري) كما بالزيارة التي قام بها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي للرئيس عون على وهج الانتكاسة الكبرى في العلاقة بين «التيار الحر» و«القوات»، فإن أوساطاً مطلعة كانت مشدودة أكثر إلى الأحداث الكبرى في المنطقة والعالم ولا سيما في ضوء ارتباط لبنان بجانب أساسي منها عبر «حزب الله» الذي تزداد الإشارات الخليجية والأميركية إلى انه في رأس «لائحة mostwanted» في سياق المواجهة الكبرى مع إيران ونفوذها في المنطقة.
واستوقف هذه الأوساط أن بيروت أشاحتْ بنظرها عن إعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن أنّ منظومة الاتصالات العسكرية التي دمرت في صعدة مطلع الأسبوع مصدرها «حزب الله» اللبناني، كما عن كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن «أننا نعمل على تحجيم الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان وسورية»، هو الذي كان أجرى قبل أيام اتصالاً «صامتاً» بالرئيس الحريري بدا ذات صلة بالتحضيرات لقمة الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في 16 الجاري.
ولم يكن ممكناً في رأي الأوساط نفسها فصْل مسار تأليف الحكومة عن «المسْرح الخارجي» لهذا الملف الذي يخضع لمعاينة عربية ودولية رصْداً لما ستعبّر عنه الحكومة الجديدة من توازناتٍ سيُبنى عليها إما للتعاطي مع لبنان «الدولة» على أنها باتت متماهية مع «حزب الله» وإما لاستمرار الفصْل بين الشرعية اللبنانية والحزب، وهو ما يفسّر التأنّي البالغ للحريري في إدارة عملية تشكيل حكومةٍ يريدها بمقاييس لا ترتّب تداعيات خارجية على البلاد وتمنع تظهير غَلَبة «حزب الله» داخلياً، وهو ما يفترض تمثيلاً وازناً لكل من «القوات اللبنانية» وكتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط اللذين لن يشكّل الرئيس المكلف حكومته من دونهما.
وفي حركته المستعادة، أمس، أعلن الحريري بعد زيارته بري «أننا على الموجة ذاتها لجهة ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة»، داعياً إلى «الترفع عن الخلافات وعلى الجميع أن يضحوا لمصلحة الاقتصاد والبلد».
(الراي)