حازم الامين:
لا يبدو أن حرباً إسرائيلية أميركية على النفوذ الإيراني في كل من سورية ولبنان ستسبق الاستحقاقات السياسية والعسكرية في كل من البلدين، أي قضم النظام السوري وحلفائه مزيداً من المناطق من يد الفصائل التي تقاتله في ريف دمشق، والانتخابات النيابية اللبنانية المقررة في السادس من أيار (مايو) المقبل.
في الآونة الأخيرة كثرت التكهنات حول احتمال حصول هذه الحرب، ولاحت مؤشرات ترجحها. الإسرائيليون يراقبون الوقائع في ريف دمشق ويقولون إن إيران تقترب. الإدارة الأميركية تضم إلى صفوفها مزيداً من الصقور الذين يعتقدون أن المواجهة مع إيران ضرورة، وآخر هؤلاء جون بولتون طبعاً. عمّان تسرب أخباراً عن مخاوفها من وقوع مواجهة إقليمية كبرى بالقرب من حدودها، أي في جنوب سورية.
لكن، في مقابل كل هذه المؤشرات، ثمة مؤشرات أخرى تقول إن المواجهة ليست وشيكة على رغم أنها واقعة لا محالة. إذ لا يبدو أن حال الـ «ستاتيكو» على جبهات المواجهة المحتملة، أي جنوب سورية وجنوب لبنان، قد حان موعد إطاحته. إيران ترقص في سورية على حدود ما يسمح به هذا الـ «ستاتيكو»، وهي، إذ تتجاوزه أحياناً، تتلقى الصفعة الإسرائيلية راضية بما تتيحه هذه اللعبة من احتمالات يمكن استيعابها. وفي جنوب لبنان ليس من مصلحة أحد حتى الآن إطاحة الهدنة المنعقدة هناك منذ 12 عاماً.
الحماسة الأميركية لضرب إيران في سورية لا تكفي، خصوصاً أن ليس لدى واشنطن أذرع عسكرية مباشرة. الحرب ستكون إسرائيلية إيرانية بالدرجة الأولى، وتل أبيب ليست خادماً لغير مصالحها. فهي قد تستثمر في رغبة واشنطن في الحد من نفوذ طهران الإقليمي، إلا أنها حين تقرر الانخراط في حرب بحجم المواجهة مع طهران، تقدم حساباتها على كل الحسابات.
للمرء أن يعتقد أن المواجهة حاصلة لا محالة. طهران تتوسع في سورية وتقترب من الحدود مع إسرائيل، وتل أبيب لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تقبل بمزيد من النفوذ الإيراني على حدودها. لكن شرط المواجهة هو استنفاد ما قبلها من مراحل. ففي جنوب سورية توازنات لم يطحها أحد حتى الآن على رغم أن طهران ترقص على ضفافها. وصفقة الحرب لا تقتصر حساباتها على جغرافيا المنطقة. الثمن الذي تريده تل أبيب يشمل القدس أيضاً، ذاك أن توجيه ضربة لطهران سواء في سورية أم في لبنان سيخدم أطرافاً غير موجودة على مسرح المواجهة المباشرة هذه، وتل أبيب لا تعمل مجاناً، ولا تفوت فرصة طلب أثمان.
الـ «ستاتيكو» اليوم قائم على معادلة الضربات الصامتة، وهي ضربات مؤلمة لطهران وحلفائها، إلا أنها توفر للضارب والمضروب سبلاً لتصريف المصالح والحاجات. إسرائيل تحد عبر هذه الضربات من أخطار بناء ترسانة إيرانية بالقرب من حدودها، وإيران تمتص الضربات وتواصل وظيفتها المتمثلة في إعلان نفسها لاعباً في معادلة حدود، هي ليست حدودها. حتى الآن لا تبدو الرغبة الأميركية في هذه الحرب كافية لكي تشتعل الجبهات. واشنطن ابتعدت كثيراً في السنوات الفائتة، وتحولت إلى لاعب من خارج الجغرافيا. حضورها العسكري المباشر في سورية رمزي، ومعظمه في الشمال وفي الغرب، وهي إذ اقتربت أخيراً من الصحراء غير البعيدة عن الجبهة الجنوبية، وتحديداً في منطقة الركبان، بقيت خطوتها رمزية ولا دلالات ميدانية كبرى لها.
الحروب تحتاج إلى أكثر من رسائل رمزية، وتل أبيب لن تقبل بخوض الحرب وحدها. جاهزية واشنطن سياسية وليست ميدانية حتى الآن، وثمة لاعب لا يجب الاستخفاف بموقعه هو موسكو. ووفق هذا المشهد، لا يبدو أن المواجهة وشيكة، على رغم أن لا أفق غيرها في المدى المتوسط.