يتعاظم «حَبْسُ الأنفاسِ» في لبنان الذي بدا أنه دَخَل في مدار «الردّ» الذي بات بمثابة «قرارٍ مع وقْفِ التنفيذ» اتّخذه «حزب الله» انتقاماً من إسرائيل بعد عمليّتها المزدوجة ليل السبت – الأحد ضدّ موقعيْن له، واحدٌ في عقربا السورية سَقَطَ فيه اثنان من عناصره والثاني في عقر داره في الضاحية الجنوبية لبيروت أصاب «هدفاً مهماً».
وعلى وقع قرْع طبول «الخيارات الحربية» بين «حزب الله» وإسرائيل، استهدف الجيش اللبناني، طائرة مسيرة إسرائيلية في جنوب لبنان.
وأوضحت وسائل إعلام، أن الطائرة المسيرة حلقت في أجواء قرية العديسة، مشيرة إلى أن عملية إطلاق النار على «الدرون» جاءت «على خلفية قرار سابق للجيش اللبناني باستهداف الطائرات المسيرة فور رؤيتها بالعين المجردة، نظرا لأنه لا يمتلك رادارات ترصد هذه الطائرات».
وإذا كان «حزبُ الله» حَسَم خيارَ الردّ «المتناسِب والمتناسِق» الذي يَعتبر أنه «سيردع» إسرائيل عن مسارٍ متدحْرجٍ من الضربات الموْضعية التي تُلْحِقُه عملياً بـ«جبهة الاستهداف» في سورية والعراق، فإن لبنان الرسمي، يسعى إلى حضّ المجتمعيْن العربي والدولي على ضمان عدم انفلات الوضع بعد حصول «الضربة العسكرية» التي لم تعد إلا مسألة وقت، وسط خشية من ألا تكون رغبة تل أبيب والحزب بعدم الانجرار إلى «الصِدام الأخير» كافية لتفادي وقوع حربٍ يمكن أن تحصل إما بقرارٍ كبير أو… خطأ كبير.
وبحسب هذه الأوساط فإن تَحَوُّلَ لبنان الرسمي أشبه بـ«ذراعٍ ديبلوماسية» لـ«حزب الله» تتحرّك تحت سقف «قراره بالردّ»، بدأ ينذر بانعكاساتٍ بالغة السلبية ولا سيما في ظلّ المَخاطر التي يمكن أن تترتّب على ارتسام أول تسليم رسمي لبناني منذ 2006 بحق الحزب في امتلاك قرار الحرب والسلم.
وبمعزل عن دقة ما نُقل عن أن اجتماع «المجلس الأعلى للدفاع» (الثلاثاء) أَخَذَ علماً بقرار «حزب الله» الردّ على إسرائيل وهو ما نفتْه مصادر حكومية، فإنّ الأوساط نفسها رأت أن بيان المجلس وتأكيده «حق اللبنانيين في الدفاع عن النفس بكل الوسائل» يشكّل في ذاته اعترافاً رسمياً بأحقية «حزب الله» في «ممارسة» خياراته العسكرية بمعزل عن الدولة بما يفرّغ عملياً كل المسار الرامي إلى وضْع الاستراتيجية الوطنية للدفاع (سلاح حزب الله) على الطاولة بوصْفها مطلباً دولياً ارتكزت عليه مظلة الدعم لمسار النهوض المالي والاقتصادي.
وفيما كانت صحيفة «نداء الوطن» تختصر الأداء الرسمي بإزاء الردّ المُنْتَظَر لـ«حزب الله» بعنوان «الأعلى للدفاع: لبّيك نصرالله»، لاحتْ مؤشراتُ نقزة دولية من هذا المسار الذي كاد أن يحرف الأنظار عن الأبعاد العسكرية الخطرة لما يجري، وهو ما عبّر عن نفسه بما نُقل عن المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش بعد زيارته رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل لجهة الخشية «من تراخي الدولة تجاه إمساكها بسيادتها»، كما بإشارة الاتحاد الأوروبي في معرض تأكيده أنه «تقع على عاتق جميع الأطراف في المنطقة مسؤولية ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والامتثال للقانون الدولي»، إلى «أن الاتحاد يتوقع أن يلتزم جميع الأطراف التزاماً تاماً بقرارات مجلس الأمن خصوصاً 1701 و1559 (حلّ كل الميليشيات ونزع سلاحها)»، في ما بدا مؤشراً إلى ملامح معادلةٍ دولية تُرسي تَلازُماً بين هذين القراريْن في موازاة رفْع لبنان عنوان حضّ إسرائيل على احترام الـ1701 ووقف انتهاكها له.
ولم يتأخّر في البروز عنصرٌ آخر من «جبل التعقيدات» التي يمكن أن تدهم لبنان بحال أي «خطوة غير محسوبة» فوق «رقعة النار»، وتتصل بطبيعة مهمة قوة «اليونيفيل» في جنوب لبنان والتي عادت الى الواجهة رغبةُ الولايات المتحدة في تعديلها على مشارف التمديد لها. وكان لافتاً ما نقلتْه القائمة بأعمال السفارة الفرنسية سالينا غرونيه كاتالانو الى وزير الدولة لشؤون الرئاسة اللبنانية سليم جريصاتي لجهة ضرورة «ضبْط النفس لا سيما ان لبنان على مشارف التمديد لليونيفيل، خصوصاً أن فرنسا ساهمت مع دول أخرى في اعتماد» قرار ملائم «من شأنه التمديد لها سنة إضافية».
وعلى وهج هذه التعقيدات، مضى رئيس الحكومة سعد الحريري في لقاءاته التي لا تهدأ. وغداة اتصاله بمفوضة الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني طالباً منها دعم «الاتحاد» لمساعي التهدئة، استقبل أمس سفراء الدول العربية الذين تحدث باسمهم بعد اللقاء عميد السلك الديبلوماسي العربي سفير الكويت عبدالعال القناعي الذي قال: «استمعنا للرئيس الحريري حيث قدّم عرضاً لرؤية لبنان حول الأحداث التي جرت في بيروت والضاحية الجنوبية، وأكدنا كدول عربية وقوفنا وتأييدنا وحرصنا على أمن واستقرار لبنان وما يتخذه من إجراءات او سياسات كفيلة بالحفاظ على أمنه واستقراره وسلامة أراضيه، فالاستقرار في هذا البلد مطلبٌ وحرصٌ عربي بأن يكون لبنان بمنأى عن كل ما يهدد أمنه واستقراره».
وفي موازاة ذلك، لم تسترح «الحرب النفسية» بين «حزب الله» وإسرائيل حول التوقيت المحتمل للردّ. فبعد ما نُقل عن مصدر من الحزب من أنه يجهّز لرد مدروس «لا يؤدي الى حرب»، سُرّب كلام لأمينه العام السيد حسن نصرالله خلال لقاء داخلي (الثلاثاء) إذ قال: «فيكن تناموا مرتاحين، الردّ مش اليوم»، مذكّراً بأنه «وقت ضربة القنيطرة (2015) كان الجو حاميا وكان هناك 6 شهداء وانتظرنا 10 أيام، لسنا مستعجلين وليبق الإسرائيلي مستنفراً»، لافتاً في ما خص الطائرات المُسَيَّرة الى أن «حزب الله لم يلتزم بأن يُسْقِط كل الطائرات. والمقاومة تقدّر متى وأين تضرب، يمكن أن تُسْقِط بعض الطائرات ليس أكثر (…) وإذا كان لدينا سلاح نوعي فلن نستهلكه بالطائرات المسيّرة».
الراي