أحمد الغز:
شهد لبنان في الايام الماضية محاولات لبلورة شارع وخطاب وطني بعد انكشاف عمق ازمة مكونات الطبقة السياسية الطائفية مع اللبنانيين وعجزهم عن استخدام التعبئة الطائفية والمذهبية، لان الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية والمؤسساتية اصبحت أزمات وطنية عابرة للطوائف، فالفقر وطني والبطالة وطنية والتلوث وطني والكهرباء وطنية، في حين ان الفساد طائفي والهدر طائفي والتسيب الأمني طائفي وتعطيل الدولة طائفي، وكل زعماء الطوائف هذه الايام يخافون من اي عملية كشف حساب مع ابناء طوائفهم الذين ادركوا بان الهوية الطائفية مانعة للمواطنية والدولة المدنية.
المحاولة الاولى كانت بنزول المتقاعدين العسكريين الى الشارع وتقديم انفسهم بما هم متعددي الطوائف والمناطق وعلى اساس القواعد البديهية في دولة المواطنة التي تعتبر فيها الخدمة العسكرية اساس الانصهار الوطني والتماسك الاجتماعي، وقدامى العسكريين امام تحد يتمثل في قدرتهم على تجاوز انتماءاتهم الطائفية والتمييز بين اعادة تكوين السلطة وبناء الدولة وتشكيل شارع وطني مدني وغير طائفي، والمحاولة الثانية كانت بمناسبة عيد العمال واعادة انتاج خطاب وطني على اساس طبقي واستحضار ايام الحركات العمالية المميزة للأحزاب اليسارية، قبل الانخراط بالعنف الطائفي والمذهبي المسلح وهذه المحاولة اليسارية ايضا تحتاج الى مراجعات عميقة ودقيقة وضرورة تنقيتها من الموروثات والإرتكابات الشبيهة بالطائفية من اجل الشروع بمحاولة تجديد المواطنية الطبقية في الدولة المدنية.
لا اعرف مدى قدرة قدامى العسكر وقدامى اليسار على انتاج شارع وطني جديد محرر من السموم الطائفية والمذهبية والمناطقية والتبعية المليشياوية السلطوية، ومدى قدرتهم على تقديم مشروع وطني إنقاذي تغييري توحيدي يعيد صناعة التماسك المجتمعي اللبناني ويكون قادرا على استمالة الجيش لمطالبه وحمايته كما يحدث بالسودان والجزائر، لبنان الان بحاجة الى نخبة وطنية قادرة على بلورة مشروع وطني يعيد التماسك المجتمعي وقادرة على إلغاء الطائفية السياسية الظالمة للطوائف واعادة الاعتبار للكفاءة والخبرة في الادارة العامة بعيدا عن اهل الثقة الاغبياء.
لا بد للبنانيين من التعمق في صلابة التماسك المجتمعي في الدولة المصرية والتعديل الدستوري الاخير الذي يقول ان الجيش المصري حامي الدولة المدنية اي حافظ للوحدة المجتمعية، ولا بد ايضا من التأمل في التماسك المجتمعي الجزائري والإصرار على الشروع في بناء الدولة المدنية وتحميل الجيش الجزائري مسؤولية حماية المرحلة الانتقالية، بالإضافة الى الحراك الشعبي السوداني الذي استعاد تماسكه المجتمعي ووحدته وتجاوز مرحلة النزاعات الداخلية والانفصالية والسلطة الاستبدادية وإنتاج مسودة اعلان دستوري يؤكد على الدولة المدنية غير العسكرية وغير الدينية ويحدد مسؤولية الجيش في حماية السلطة المدنية في مرحلة العملية الانتقالية.
إن محاولات اللبنانيين الإسراع بتشكيل شارع وطني عابر للطوائف واعتماد الأسلوب المدني في المطالبة والتظاهر لم تأت من الفراغ، وخصوصا ان اللبنانيين هم رواد الانخراط في النزاعات واسرع من عمل على تفكيك المجتمع والدولة وتشريع العنف المسلح وارتكاب المجازر الطائفية والمذهبية واستقدام كل النزاعات العربية والاقليمية والدولية الى لبنان الذي اصبح النموذج الأمثل لمجتمعات النزاع العربية، اعتقد بأن اللبنانيين يشعرون الان بانتهاء زمن الاستثمارات الخارجية في النزاعات وإقفال حنفية التمويلات، ويدركون ايضا ان المنطقة دخلت في مرحلة إعادة الانتظام، وان دفتر الشروط الخارجية يحتّم على الجيوش الوطنية حماية الدولة المدنية.
ahmadghoz@hotmail.com