د.مازن ع.خطاب:
«جمهورية الموز» مصطلح ساخر صاغه الكاتب الأميركي وليام سيدني بورتر عام ١٩٠٤ في كتابه «الملفوف والملوك» أثناء إقامته في الهندوراس هارباً من تهمة اختلاس بالولايات المتحدة، لكنه أصبح قيد الاستخدام الفعلي في ثلاثينيات القرن الماضي.
والمصطلح ينسحب على أي بلد حيث تكون الدولة غير مستقرة سياسياً، وليس لها ثقل سياسي واقتصادي بين دول العالم، وتكون الانتخابات فيها مزوّرة، ويكون قادتها مرتهنين لمصالح خارجية، وتكون محكومة بمجموعة صغيرة ثرية وفاسدة، ويعتمد اقتصادها على عدد قليل من المنتجات والكثير من الواردات.
المتابع للشأن اللبناني يلحظ مدى تطابق الملامح الأساسية التي يشير إليها مفهوم «جمهورية الموز» مع الواقع المرير الذي يعيشه اللبناني في «جمهورية الملفوف»، حيث هناك انعدام لرؤية مستقبلية ادّت الى فشل الدولة في الوفاء بالتزاماتها وواجباتها ومهماتها الأساسية تجاه مواطنيها، الذين يدفعون ثمناً باهظاً بعد ان ابتلوا بحكام أنانيين وفاسدين، ولكنّهم بالمقابل تنازلوا طوعياً عن حقوقهم الطبيعية كافة أو بعضها، ويمارسون التبعية العمياء للمرجعيات السياسية والطائفية التي تسيّر شؤون الدولة تبعاً لمبدأ «الجزرة والعصا».
لبنان يسأل متى يُصبِحُ وطناً يشبهُ كلَّ أوطانِ العالم؟ وطنٌ ينمو ويزدهر بسبب مقدّراته لا عبر الاستدانة العشوائية، وفيهِ ما يَكفي المواطن لحياةٍ كريمةٍ مستقرّةٍ لا التذلل على أبواب الزعماء؛ ويولد فيه الأطفال ليلعبوا ويتعلّموا ويحلموا دون ان يخافوا على مستقبلهم؛ وفيه شبابٌ طامحٌ يريدُ بناء الوطن لا ان يتسوّل مستقبله على أبوابِ السفارات. وطنٌ لا يكون الشعب فيه رهينة زُعماء الطوائف والطائفية والمذهبيّة المقيتة، ولا يموت فيه أحدٌ على أبواب المستشفيات، ولا يغتالُ فيه أحدٌ من جرّاء الرصاص الطائش، ولا تخطف حوادث السير أرواح الابرياء على «أوتوسترادات الموت». ويبقى السؤال الاهمّ هو لماذا أصبح لبنان بمثابة جمهورية موز بلدي؟! هل بسبب المتزعمين والمتحكّمين القابضين على ثروات الوطن فقط، أم بسبب التابعين المنسحقين؟
هي «جمهورية الملفوف»، ولكن أخطر ما يمكن ان يصيب لبنان هو انسحاب الغضب الكامن وراء المصطلح المغلف بالسخرية فيصيب مفهوم الوطن كما أصاب مفهوم الدولة.. او اللاّ دولة!