قطَع رئيس الحكومة سعد الحريري الطريق على عزم النواب الاستفاضة في مناقشة أزمة قانون الانتخاب، بعدما أعاد تأكيد نيّةِ الحكومة الوفاءَ بالتزاماتها، معلناً عن عقدِ جلسةٍ يوم الاثنين المقبل لمناقشة قانون الانتخاب، على أن يرسل المشروع عند إقراره إلى مجلس النواب للتصويت عليه لاحقاً، الأمر الذي راقَ للبعض، فيما لم يهضمه البعض الآخر.
جلسة المساءَلة التي بدأت عند الثانية عشرة برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه برّي غابت عنها المساءلة الفعلية، بعد الفشل في إقرار سلسلة الرتب والرواتب وإقرار قانون الانتخاب، وهو الهدف الأساسي للحكومة، رغم تقديم الحريري جردةَ حساب عن إنجازات الحكومة التي لم يلمسها اللبنانيون حتى اليوم. وقد تحدّث فيها تسعة نواب.
الرسائل الجدّية، وجَّهها النائب وائل أبو فاعور مباشرةً بعد كلمة الحريري، حين طلبَ الكلام بالنظام، فاعترض على الآليّة التسويقية لقانون الانتخاب الجديد، منبّهاً إلى أنّ القانون المرتجى يَلزمه اتّفاق وليس تصويتاً، لأنّ التصويت «مغامرة، ومعناه استبعاد الاتّفاق، أي الانقسام».
لم يرُق هذا التصريح للنائب ابراهيم كنعان الذي تريَّث مستمعاً إلى مساءلات أكثر من نائب سبَقوه إلى الكلام وانتظرَ دورَه ليوجّه كمَّاً من الرسائل إلى أبو فاعور والرئيس نبيه برّي، متهكّماً على النائب نديم الجميّل.
المساءَلة الجدّية أيضاً أتت على لسان النائب حسن فضل الله، إذ أثنى رئيس الحكومة على كلمته خلال خلوةٍ قصيرة جمعَتهما في الكواليس، لكنّه تحَفّظ على إشارة فضل الله إلى الـUNDP، وقد لاطفَ فضل الله الحكومة بوصفِ ملاحظاته بأنّها من باب التعاون معها أو ربّما بسبب قولِ الحريري لفضل الله قبل أن يبدأ كلمته: «عمهلك علينا شوَي»، فضحكَ الأخير مسَلّماً بالأمر.
الأزمة المالية وجيش المستشارين والأبنية المستأجَرة، كانت أبرزَ رسائل فضل الله إلى الحكومة، حيث سأل عن مال المصارف ومدى أرباحها مطالِباً بمساهمتها في نشلِ الحكومة من عجزها المالي. ولم يوفّر خطّة الكهرباء من التشكيك، معلِناً أنّ المصارف لا تخشى من محاسبة المجلس النيابي لها، وبدوره المجلس لا يخشى من محاسبة الشعب.
بعض النواب حصَروا مساءَلاتهم بمواضيع الكهرباء والنفط والفساد والموازنة والهدر. ولعلّ العبارة التي بدأ بها النائب روبير غانم كلمتَه تختصر واقعَ الحال بقوله: «ليس أفضل من لبنان ليُثبتَ أن لا جديد تحت الشمس»، واضعاً في رسمِ الحكومة ممارسات الهدر والصفقات والمصالح الشخصية.
وصوّبَ على مشروع استئجار البواخر، مذكّراً بأنّ غايته كانت موَقّتة من أجل السماح للوزراء بإنشاء محطة لتوليد الطاقة، سائلاً: أين أصبحَت الحكومة من تنفيذ تلك التعهّدات؟
تكرّر مشهد النواب طالبي الكلام بالنظام. بعضُهم للاعتراض والبعض الآخر للسخرية، في حين أنّ المداخلات أبرزَت غيابَ الشفافية في خطة الكهرباء وانتقاصَها من ضمانات التنفيذ وفضائح سرقة المال العام والمحاسبة.
الرئيس نجيب ميقاتي رفضَ رميَ المسؤولية على مجلس النواب إنْ كان في قانون الانتخاب أو في موضوع الكهرباء، متسائلاً إذا كان البعض يريد المحافظة على القانون أو يَنوي خرقَ «الطائف»؟.
كما دعا الحكومة إلى «استرداد مشروع قانون الانتخاب الذي أرسلته حكومتُنا إلى المجلس النيابي، وأن تعيد درسَه، أو ترسلَ إلى المجلس مشروع قانون جديد في أسرع وقت ممكن، لكي يكون عنوان المرحلة المقبلة».
ولفتَ إلى موضوع الشفافية في ملفّ النفط والغاز، كاشفاً أنّ شركةً إيطالية قد طولِبت بدفعِ مئة مليون دولار لقبولها ضمن المناقصة، الأمر الذي أشار إليه أيضاً غانم، فدعا ميقاتي وزيرَ النفط إلى أن يطلب من الشركة إرسالَ نفيٍ رسمي بالموضوع أو إحالة الملف إلى القضاء.
وذكر بأنّ خطة استئجار البواخر لتوليد الكهرباء كانت حلّاً موَقّتاً، لأنّ الحلّ الفعلي هو بإنشاء محطات توليد، منبهاً إلى ضرورة الإسراع في إنشاء محطات جديدة.
لم ينسَ ميقاتي في نهاية كلمته مطالبة الحكومة بصرفِ اعتمادات كانت قد أصدرَتها حكومتُه لإنماء مدينة طرابلس بقيمة مئة مليون دولار، متمنّياً أن تأخذها الحكومة في الاعتبار.
ميقاتي قال كلمتَه ومشى، ليمشيَ بعده عددٌ كبير من النواب، بمن فيهم معظم نواب «التيار الوطني الحر»، فيما اعتلى النائب ابراهيم كنعان المنبر وكان هجومياً أكثرَ من متساهلاً، رغم أنّه هادنَ حكومة الحريري واستعجَلها إقرارَ الموازنة، حيث اعتبَر أنّ التأخير في إقرار الموازنة يَجعل الاتّفاق أمراً واقعاً، معترضاً على كلمة أبو فاعور الذي اعترض على مبدأ التصويت بالنسبة لقانون الانتخاب، مذكّراً بالمادة 65 في الدستور التي تعتمد مبدأ التصويت.
النائب أنطوان زهرا وضَع الإصبع على الجرح في كلمته حين لفتَ إلى أنّ موضوع الفساد تُجمع عليه كلّ القوى السياسية، وكأنّ من يمارسون الفساد هم من كوكب آخر، متسائلاً إذا كان الوضع ممسوكاً في مرفأ بيروت. وتكلّم عن الاستحقاق الفاشل في إقرار سلسلة الرتب والرواتب تاركاً قانون الانتخاب إلى المتخصّصين في حزب «القوات اللبنانية».
النائب أكرم شهيّب لفتَ إلى خطورة ملفّ النفايات، محذّراً من الأزمة التي سيولّدها انعدام التواصل بين اللجنة الوزارية المكلّفة معالجة الملف ووزير البيئة في غياب الإعلان عن خطة واضحة، كما حذّرَ مِن أنّ لبنان ذاهبٌ إلى أزمة كارثية عام 2018 في موضوع النفايات، لافتاً إلى أنّ «الساحات المحدّدة لتجميع النفايات تَضيق، والكمّيات تتراكم».
الكلمة اللافتة كانت للنائب اسطفان الدويهي الذي اعتبَر أنّ قانون الستّين مُرّ لكنّ المرّ أفضل من الفراغ، وإنّ «المرّ» أي قانون الستّين أتى برئيس نفتخر فيه هو الرئيس ميشال عون، مشيراً إلى أنّ الجميع يبحث عن المكاسب، والخاسرُ هو لبنان.
الدويهي غازَل تيار «المستقبل» فصفّق نوابه له بشدّة، عندما دعا إلى التصويت الوطني والعودة إلى المواطنة عبر التصويت الانتخابي على أساس الوطن الجامع وليس الطائفة المذهبية.
الجلسة المسائية
الجلسة المسائية التي لم تنقل كاملة على الهواء أخفَت مفاجأة النهاية، إذ «وِلْعِتْ» بين الرئيس فؤاد السنيورة والنائب نواف الموسوي على موضوع الحدود البحرية وقطع الحساب، بعدما اعتبر الموسوي في مطالعة دامت نصف ساعة أنّ البعض تراجع عن النقطة 23 المتفق عليها بالنسبة إلى الحدود البحرية، ليجيب السنيورة بحدّة: «نحن لم نتراجع وليتوقف هذا الكم من الدجل والكذب». فثار الموسوي وأجابه: «واحد متلك كذاب». لكنّ الحريري عاد ورطّب الأجواء بعدما شوهد متحدثاً إلى السنيورة والموسوي إثر انتهاء الجلسة.
أما النائب نقولا فتوش فأكّد رفضه التمديد، واصفاً القانون المختلط بالبدعة القانونية. وسأل: ماذا بعد 20 حزيران، محذّراً من الذهاب الى مؤتمر تأسيسي. وأضاف: «أنا ضد التمديد، ولكني أقول اللهم اشهد اني بلغت».
كما لفتت كلمة النائب عقاب صقر الذي تحدَّث بعد طول غياب، وشنَّ هجوماً عنيفاً على «سرايا المقاومة»، «التي ضرَبت هيبة الدولة»، سائلاً: «كيف يمكن للمستثمر أن يأتي إلى لبنان إذا شاهد العرضَ الأسود الذي ظهر في برج البراجنة منذ فترة، ناهيك عن تجّار المخدّرات الذين يتباهون بانتمائهم إلى «سرايا المقاومة» أو يستقوون بها.
لعلّ التعليق الأفضل على جلسة المساءلة التي رفعِها برّي إلى الرابعة عصر اليوم، وصفُها بالجديد الذي لا لزومَ له، خصوصاً أنّها أرجَأت البحث في القانون الانتخابي عن قصد أو غير قصد، ليستعرض فيها النواب مهارتَهم الخطابية أمام عدسات الكاميرات محاولين شدَّ عصبِ المشاهد اللبناني الذي بدوره لم يعُد يهمّه مشاهدتهم ولا إقرار قانون انتخابات، بقدرِ ما يهمّه إقرار قانون أخلاقي يوقِف الهدرَ ويمنحه حقوقه المسلوبة ويمنع سرقتَه من»الجارورَين الرسميَين» اللذين تحدّث عنهما النائب فضل الله، «جارور إتمام معاملته وجارور الرشوة».
(الجمهورية)