باسيل يعتبر نفسه «سليلاً شرعياً تلقائياً» لزعامة عون. وهذا يعني تلقائياً أنه «الزعيم المسيحي الأقوى»، بعد انتقال عون إلى مكان آخر. وجعجع يعتبر أنه «سليل شرعي تلقائي لقادة المقاومة اللبنانية»، بكامل أحزابها وفصائلها، وأنّ مشروعيّة الزعامة المسيحية هي لهذه المقاومة لا لسواها. وكلٌّ مِن الرجلين يخوض المواجهة بحزمٍ دفاعاً عن «مشروعيته الزعاماتية» على البيئة المسيحية.
لذلك، لا بدّ من الحرب بين جعجع وباسيل. لا حتماً الحرب الدموية التي دارت رحاها بين عون وجعجع، ودمَّرت معظم ما كان قد بقي من قوة للمسيحيين، بل الحرب الباردة الدائرة اليوم التي تهدّد أيضاً بإهدار فرص استعادة جزء من المدمَّر. ومِن حسنات المصالحة «القواتية» – «العونية» أنها على الأقل قلَّصت مستوى الحقد المتبادَل داخل البيئة الطوائفية الواحدة، حتى على المستوى الاجتماعي.
ولكن، تحت الغشاء الرقيق من المصالحة، تخرج عدائية «العونيين» (الباسيليين أجمالاً) و«القواتيين» عند كل مفصل ساخن. وتكفي نظرة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي لإدراك مدى «الحبّ» الذي يَكنُّه جمهور كل منهما للآخر.
يستفيد باسيل من تحالفات القوة التي نسجها عَمُّه مع «حزب الله». فهو استثمرها وطوّرها ببراعة: فقد أضاف إلى تحالفه مع «حزب الله» تحالفاً آخر مع الحريري، فبات مُمسكاً بالسلطة من طرفيها… المتناقضين!
ومن خلال هذه السلطة وما فيها من إمكانات وطاقات، يراهن باسيل على بناء قواعد مادية ملموسة لزعامته: «ترتيب» قانون الانتخاب، التحكّم بالمشاريع والخطط في الكهرباء والنفط والاتصالات وسواها، استخدام الورقة الرابحة في التطبيع مع دمشق الأسد، الاستقواء بدعم «حزب الله»، التعيينات وإطلاق اليد في المؤسسات على اختلافها، مستفيداً من هالة موقع رئاسة الجمهورية.
معظم نقاط «القوة» هذه يفتقدها جعجع. هو لا يستطيع المناورة إلى هذا الحدّ بين المتناقضين والتناقضات. وهو بالتأكيد يقف عند «الخط الأحمر» في التطبيع مع دمشق والانفتاح على «حزب الله». وأما قدراته في السيطرة داخل المؤسسات فتبقى أدنى من قدرات باسيل.
وفوق ذلك، يعلن وزراؤُه رفضهم الانخراط في الملفات التي يطرح بعض السياسيين والإعلام وهيئات الرقابة أسئلة حولها، والتي يبدو أنّ باسيل و«المستقبل» متراضيان حولها.
يراهن باسيل على «نوع» من «الواقعية» لتكريس نفوذه. فهو يستقوي بالأقوياء. وأما جعجع فمراهنته أكثر «مثالية»: صورة الأداء داخل الحكومة والتزام خط 14 آذار.
ويوحي سلوك الرجلين بأنهما، كلاهما، يستعجلان تثبيت الأقدام وتكبير الأحجام، استعداداً للاستحقاق: مَن الأقوى ليَرِث الزعامة المسيحية الأعلى؟ بل مَن هو رئيس الجمهورية المقبل، بعد 5 سنوات، ما دام مجيءُ عون قد كرَّس نظرية الرئيس المسيحي الذي يحظى بدعم طائفته، لا الرئيس الآتي بـ«الباراشوت»؟
«البارومتر» هو الآتي: هل سيستمرّ وزراء «القوات» على سلوكهم داخل مجلس الوزراء في المرحلة المقبلة، سواءٌ في المسار السياسي (التطبيع مع الأسد ودور «الحزب») أو في المسار الإداري (الكهرباء والتعيينات وسواها)، خصوصاً إذا مضى الرئيس سعد الحريري في مسار التطبيع والدفاع عن باسيل وخطته للكهرباء وكأنها خطته هو؟
مهما حصل، لا يبدو أنّ الحريري في وارد الإستقالة من الحكومة. فماذا ستفعل «القوات»؟
سابقاً، أظهر جعجع أنه ليس متمسّكاً بدخول الحكومات. ولكن، ربما راهن اليوم على أنّ تركيبة سلطة على رأسها عون – بعد تفاهم معراب –
والحليف الحريري، وفيها وزنٌ لثنائي «التيار»- «القوات» يمكن أن تقود البلد في مسار يمكن معراب أن تتقبّله. وهذه التركيبة تتيح لـ»القوات» أن تنفتح على القوى جميعاً، فلا يبقى «فيتو» عليها يعوق صعود جعجع إلى موقع الرئاسة.
ولكن، ظهر أنّ باسيل يحلّق بعيداً من منطق «ورقة معراب»، وأنه في مجلس الوزراء لا يتذكّرها بمقدار ما يتذكّر «ورقة مار مخايل». ويستطيع باسيل أن يمدّ يده إلى الحريري و»حزب الله» والأسد وجعجع في آن معاً، وأن يعطي كلَّ واحد ما يريد. وأما جعجع فلا يمتلك هذه الخصوصية «المطاطة» لأسباب مختلفة.
منذ اللحظة الأولى، هزّ جعجع العصا لباسيل في البترون: إنتبه. لكلّ شيء ثمن! وكرَّت سبحةُ الهزّات على أنواعها، من جانب جعجع… ومن جانب باسيل، وهي ستزداد وتيرةً وقساوةً بالتأكيد.
في النظرة إلى مستقبل العلاقة بين الرجلين، والحزبين، يسأل المطّلعون: «التعايش ماشي ضمن حدود مقبولة… ولكن، «بالنسبة لبكرا شو»؟ ويستدرك كثير منهم: «بكرا مثل اليوم!». ثم يستطردون في هدوء: «حسناً… على الأقلّ هو ليس مثل البارحة»!