أحيا حزب “القوات اللبنانية” لقاء بعنوان “إرادة شعب… حكاية بقاء”، بمناسبة ذكرى الإبادة الأرمنية الثانية بعد المئة، في المقر العام بمعراب، برعاية رئيس الحزب سمير جعجع وحضوره.
وحضر بطريرك الأرمن الكاثوليك بدروس العشرين، المطران شاهي بانوسيان ممثلا كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا آرام الأول كيشيشيان، وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان، وزير المهجرين طلال ارسلان ممثلا بمستشاره جاك حيدر، وزير الدولة لشؤون التخطيط ممثلا بسيبوه مخجيان، وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد ممثلا بمستشاره نقولا ابراهيم، سفير الجمهورية الأرمنية سامويل مكرديشيان، والنواب: هاغوب بقرادونيان، سيبوه كالبكيان، عاطف مجدلاني، شانت جنجنيان، ناجي غاريوس، رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل ممثلا بفدوى يعقوب، المدير العام لأمن الدولة طوني صليبا ممثلا بالعقيد بيار براك، قائد الدرك جوزف الحلو ممثلا بالعقيد جوني داغر، الأمينة العامة لحزب “القوات” الدكتورة شانتال سركيس، وحشد من الشخصيات السياسية، الدينية، الاجتماعية، الاقتصادية، الحزبية والاعلامية.
كيشيشيان
بعد النشيدين اللبناني والأرمني ونشيد “القوات”، استهل الاحتفال بكلمة مصورة لكاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا آرام الأول كيشيشيان، الذي حيا “مباردة القوات اللبنانية لتنظيم هذا الاحتفال بمناسبة ذكرى 24 نيسان”، وقال: “أنا أعتبر حضوركم هنا هو تعبير فعلي وبليغ على تضامنكم مع القضية الارمنية، التي هي قضية حق بامتياز، فالإبادة هي جريمة ضد الإنسانية، وعقوبة الجريمة ضد الانسانية وفق القانون الدولي هي التزام أخلاقي وقانوني وسياسي. أما الإفلات من العقاب فهو ظلم فادح، وهو امتداد للابادة بمعنى ما. وبحسب القانون الدولي، إن الجرائم ضد الانسانية، وتحديدا الاعتراف بهذه الجرائم والإبادة متصلة ببعضها البعض، الأمر الذي يعني أن الاعتراف ينطوي على تصحيح الخطأ”.
أضاف: “إن الشعب الأرمني هو ضحية أول إبادة في القرن العشرين، ولا يزال يطالب بالعدالة بإرادة صلبة، ولكن السلطات التركية تستمر بطريقة عنفية في سياسة التفاوض، فهذه هي الوضعية الحالية. وللأسف، إن الحقوق الدولية، وتحديدا حقوق الإنسان هي غالبا رهينة ما يسمى الواقعية السياسية، يمكننا إنكار الحقيقة أو إهمالها، ولكن لا يمكننا طمسها أو نسيانها، فتركيا يجب أن تحترم تاريخها الخاص، وأن تغير استراتيجيتها الإنكارية والرافضة، وعليها أن تقبل بالحقيقة. نعم، الحقيقة تزعج، ولكنها في النهاية تصالح وتشفي”.
وتابع: “إن التاريخ يظهر بوضوح أن شعبا لا يموت، إذا كان يملك الإيمان بالحياة والوفاء لماضيه ورؤية واضحة نحو مستقبله، وتحديدا إذا كان هذا الشعب ملتزما في حرب روحية وثقافية وقانونية وسياسية من أجل حقوقه المشروعة، فلبنان لعب دورا حاسما عقب الابادة الارمنية، واللبنانيون – مسيحيون ومسلمون – استقبلوا الناجين من الإبادة، ومن بينهم آلاف الأيتام في منازلهم الخاصة في بلد الأرز بكرم استثنائي ومثالي”.
وأردف: “إن الولادة الجديدة للشعب الأرمني بدأت هنا في لبنان. ولهذا السبب، لبنان لديه مكانة مميزة في قلب كل الأرمن المنتشرين في العالم أجمع. إن والدي كان ناجيا من الإبادة. وفي نهاية خدمته العسكرية ضمن صفوف الجيش الفرنسي في لبنان، فضل البقاء في هذا البلد. وأنا فتحت عيوني تحت سماء لبنان، وعرفت الامتياز والمسؤولية والواجبات والالتزامات المتوجبة علي لأكون لبنانيا. وفي الحقيقة، أن تكون لبنانيا لا يعني أن تملك جواز سفر لبناني أبدا، بل هو دعوة مقدسة والتزام صلب من أجل لبنان حر وسيد يمتاز بالعيش المشترك والتنوع ضمن وحدة حقيقية واقعية”.
وختم كيشيشيان: “هذا هو لبنان الذي عرفناه، هذه عقيدة كل أرمن لبنان أو بالأحرى اللبنانيين من أصول أرمينية. ولذا، لا يجوز لنا خسارة لبنانية لبنان، بل يجب الدفاع عن قيم وتراث ومبادىء ورؤية هذا البلد التي تشكل فرادة الهوية اللبنانية. إن 24 نيسان هو دعوة أو بالأحرى هو تحد لاتخاذ قرار واضح ونهائي بالدفاع عن العدالة وحقوق وكرامة الانسان، هذه هي رسالة تاريخ 24 نيسان”.
قيومجيان
من جهته، قال القيادي في “القوات” الدكتور ريشار قيومجيان: “للسنة الثالثة على التوالي، نلتقي في معراب لإحياء ذكرى الابادة الارمنية. وفي هذه المناسبة، يطرح سؤالان سأحاول الاجابة عليهما، الأول: لماذا الأرمن في كل 24 نيسان يقومون بكل هذه الصلوات والاحتفالات والمسيرات والخطابات؟ والثاني: لماذا القوات تحيي هذه الذكرى؟ لماذا يحتفل الأرمن في 24 نيسان؟ لأن في هذا النهار نلتقي ونصلي لشهدائنا ولأهلنا الذين ماتوا، لكبار السن والأمهات والأطفال والأيتام الذين تعذبوا والذين تركوا بيوتهم وأرضهم، وساروا في مسيرة موت وعذاب وجوع وعطش من بر الأناضول باتجاه الصحاري السورية، وصولا إلى كل البلدات التي استقبلتهم. سنبقى نصلي، فمن لا يعرف أن الارمن يحيون تذكار الموتى merelotz خمس مرات في السنة؟”.
أضاف: “في 24 نيسان، نتذكر ونطالب بالعدالة، في الانكليزية يوجد ما يقال له Incomplete Mourning يعني عزاء أو حداد غير مكتمل. تماما مثل أم قتلوا ولدا من اولادها، تذهب الى المحكمة لتطالب بالعدالة، وهي تعرف أن حتى لو أدين القاتل، ابنها لن يعود، ولكن هي تحتاج إلى هذه العدالة لتتمكن من طي الصفحة والمسامحة. هكذا هم الأرمن على المستوى الجماعي، إذ لا يمكن للمصالحة والمسامحة أن تتم، ولا يمكن فتح صفحة جديدة بين الشعبين والدولتين، من دون الاعتراف التركي بحصول الابادة. واليوم، نحن إلى جانب كنيستنا الارمنية بالانتقال من مرحلة المطالبة بالاعتراف الى مرحلة المطالبة بالتعويض from recognition to reparations. وهذه المطالبة تحصل على أسس تاريخية وعلمية وحقوقية ذات مستوى عالمي، وليس الوقت مناسبا للتوسع في الحديث عنها اليوم”.
وتابع: “في 24 نيسان سنبقى نصلي ونتذكر ونطالب، فالطريق ليسة سهلة، هناك عمل جبار يقوم به اللوبي الارمني في واشنطن وفي عواصم الاتحاد الاوروبي وكل دول العالم. لا شيء مستحيلا في هذه الدنيا، “ولو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا الى هناك فينتقل”، حبة الخردل موجودة لأننا شعب عنده إيمان، ولأن إرادة هذا الشعب كتبت أجمل حكاية بقاء وزرعت بذور قمح وحب وحرية تنبت سنابل في كل 24 نيسان، ورياح العالم لن تقوى عليها”.
وأردف:”أما لماذا القوات تحيي ذكرى الابادة الارمنية؟ ببساطة، لأن القوات تعتبر أننا أصحاب قضية واحدة، قضية وجود وإيمان وحرية، قضية معاناة تاريخية متشابهة، والأكيد أنها قضية مستقبل مشترك وتحديات وجودية وسياسية وديموغرافية واقتصادية على المستوى المحلي، وصولا إلى كل المساحة الاقليمية والدولية. سيقول لي البعض منكم إن هذا الكلام جميل وشعر وأدبيات وسواه. والحقيقة، ليفهم أي شخص هذه القضية أكثر فأكثر يجب أن يتعرف على العمق المشترك اللبناني والارمني. لن أتكلم عن العمق اللبناني لأنكم تعرفونه وتجدونه في الأديرة والأودية وعلى كل تلة من تلال لبنان. كنت محظوظا كفاية العام الماضي حين زرت أرمينيا خلال زيارة البابا فرنسيس. وطبعا، أوجه الشبه بين لبنان وأرمينيا واضحة: الطبيعة الجبلية الصلبة، الأودية، القرى، الناس الطيبون المضيافون والفواكه الطيبة… الخ. والأهم أن على كل تلة توجد كنيسة أو دير، وكل كنيسة تحمل اسم قديس، وكل قديس أرمني هو بطل قومي، لأن الكنيسة الارمنية مثل الكنيسة اللبنانية تسمى بالفرنسية une église combattante كنيسة مناضلة. ولا يمكنك زيارة ارمينيا من دون أن تزور khor Virap التي أسميها قنوبين الارمنية، فهناك سجن القديس غريغوار المنور في قعر بئر 13 سنة لرفضه التخلي عن ايمانه المسيحي. وحين أصيب الملك Tertad بمرض قاتل قالوا له لا أمل لك بالشفاء، إلا على يد القديس غريغوار كريكور… وهكذا تم، وتحولت أرمينيا الى أول مملكة في التاريخ تعتنق المسيحية عام 301″.
وتابع قيومجيان: “هذا هو العمق الذي أحببت أن أتكلم عنه، وهذا هو العمق الذي يجمعنا، وأعتقد أن الآن سيعرف إخواننا اللبنانيين غير الأرمن سر هذا الارتباط العاطفي الوجداني الروحي التاريخي في أرمينيا. صحيح أن أرمن لبنان يحبون أرمينيا، ولكن يحبون لبنان، لا بل يعشقوه، ومستعدون أن يموتوا من أجله. يكفينا فخرا كلبنانيين أرمن أننا أبناء عهد قديم يضرب في عمق الأرض والتاريخ، ونحن أبناء عهد جديد تغمره المحبة ويفيض فيه الرجاء والأمل. من سفح جبل أرارات حيث رست سفينة نوح حاملة فجرا جديدا للانسانية، الى أعلى قمم جبل لبنان حيث نردد مع السيدة العذراء بلسان النبي يشوع: “ارتفعت كالأرز في لبنان من ذلك السفح الى تلك القمم”، قضية واحدة، رسالة واحدة ومسيرة واحدة نكملها معا يدا واحدة وقلبا واحدا، إجلالا لأرواح مليون ونصف شهيد ووفاء لوطننا الحبيب لبنان”.
داكسيان
أما رئيس حزب الرامغافار الدكتور أفيديس داكسيان فقال: “أريد أن أعبر عن شكري العميق لهذه المناسبة الاستثنائية وعن الرضى التام، نظرا لهذه اللوحة الجميلة التي تجمعنا تحت سماء لبنان السيد والحر. في هذه اللحظة، نحن مجتمعون تحت هذا السقف الموقر لنحيي الذكرى الثانية بعد المئة للمجازر الارمنية التي راح ضحيتها اكثر من مليون ونصف أرمني أعزل. ونحن بما أننا ورثتهم، لم ولن نستطيع البقاء مكتوفي الأيدي تجاه الجريمة العظمى بحق الله والإنسانية التي نفذها حزب الاتحاد والترقي الحاكم آنذاك في السلطنة العثمانية، ويأتي على رأس لائحة المجرمين طلعت باشا، أنور باشا، جمال باشا السفاح ورئيس المنظمة الخصوصية بهاء الدين شيكير، هم الذين نفذوا المخطط الموضوع من قبل حكومات عثمانية سابقة. لقد أبادوا شعبا صاحب حضارة وتراث كان يقطن بسلام في وطنه الام منذ 4 الآف سنة. أما الاتراك فأتوا من سهول آسيا الوسطى، في منغوليا، حاملين رايات الحرب واستقروا في مينة بورسا عام 1299. في ما بعد وفي عام 1453، احتلوا مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، بعد ان قتلوا ونهبوا. واستمروا في الغزوات حتى أسسوا دولتهم التي امتدت من ارمينيا في الشرق الى ابواب فيينا في الغرب، وفي الجنوب وصلوا الى الجزيرة العربية والمغرب. سياستهم منذ القدم كانت التنكيل بالمعارضين لسياستهم وآخرها كانت في عام 1916 عندما نصبوا المشانق في ساحات البرج وعاليه والمرجة وبايازيد، ونكلوا بخيرة المثقفين اللبنانيين والسوريين والأرمن”.
أضاف: “سياسة التتريك أي تذويب هويات الشعوب كانت سياسة السلطنة المتبعة في المناطق الخاضعة لسلطتهم. العرب واليونانيون والبلغار والصرب والرومانيون والألبنان والأشوريون والأرمن، وأخيرا الأكراد تعرضوا للتنكيل، فقرار التتريك قد اتخذ في مؤتمر حزب الاتحاد والترقي الذي انعقد في مدينة سيلانيك سنة 1911، حيث لم يترك خيارا للشعوب، إما أن يصبحوا أتراكا أو يبادروا بشتى الوسائل. وكانت الحرب العالمية الاولى بمثابة الفرصة الذهبية للتخلص من الشعوب التي كانت بالنسبة لهم تشكل تهديدا لوجود السلطنة، بما أنها كانت تطالب بالاصلاحات وتتسبب بالتدخل الاجنبي. بدأ تنفيذ مجزرة الأرمن بقتل زهاء 70 الف عسكري ارمني كانوا يخدمون في الجيش العثماني بأمر من وزير الدفاع أنور باشا في شباط 1915. كخطوة ثانية، تم استهداف المثقفين الارمن، ومن بينهم أعضاء في البرلمان العثماني في نيسان 1915 فاعتقلوهم في اسطنبول والمحافظات وساقوا نحو 800 شخص الى مجاهل الاناضول حيث ابادوهم ليبقى الشعب الارمني من دون رأس ومن دون مناضلين”.
وتابع: “في أيار 1915، بدأت المرحلة الاخيرة من ابادة الشعب الارمني، فجمعوا سكان قرى ومدن ارمينيا الغربية وكيليكيا والاناضول الغربية في طوابير وساقوهم مشيا على الاقدام نحو الجنوب أي الصحراء السورية. مرت القوافل في حلب ورأس العين والرقة حيث تعرضوا لأبشع انواع التنكيل. أرسل السفير الاميركي في اسطنبول آنذاك برقية الى وزارة خارجية بلاده معلنا فيها ان نية الدولة العثمانية هي ابادة الشعب الارمني. الحكومة الالمانية كانت متواطئة مع الدولة العثمانية. وحين اعلم قناصل المانيا في مناطق عدة من الاناضول حكومتهم عن ابادة الارمن فلم تحرك ساكنا. ووصل بعض الذين حالفهم الحظ الى سوريا ولبنان والاردن وفلسطين ومصر والسودان والى دول اوروبية حيث استقبلوا من قبل الشعوب الذين شاركوهم رغيفهم. وبقيت ارمينيا الغربية وكيليكيا من دون شعبها الاصلي”.
وأردف: “الى جانب الارمن، تعرض الشعب الاشوري والشعب اليوناني في جبال بونتوس لأفظع انواع الاضطهاد. كما ان المجاعة المبرمجة طاولت مئات الآلاف من سكان جبل لبنان، فتآخت شعوب المنطقة في المصائب. وبعد نهاية الحرب العالمية الاولى، حوكم المجرمون الكبار، وحكم عليهم بالاعدام، ولكنهم هربوا قبل صدور الحكم، فلقوا حتفهم برصاصات الابطال الارمن الذين لحقوا بهم حتى آسيا الوسطى، الامم المتحدة اتخذت في 11 كانون الاول 1946 قرارا بالتنديد بالمجازر، وهذا القرار عمل عليه المحامي رافاييل ليمكين”.
وقال: “على وريث السلطنة العثمانية أي الجمهورية التركية، التخلي عن سياسة انكار ما حدث في بداية القرن العشرين، وعليه أيضا الاعتراف بالمجازر والتعويض ماديا واعادة الاراضي المسلوبة لكل الشعوب المتضررة، كما فعلت المانيا بالنسبة لمجازر اليهود. ونحن كشعب أرمني ليست لدينا أي مشكلة مع الشعب التركي، ونثمن عاليا كل الجهود المبذولة من قبل المثقفين الأتراك، الذين يعترفون بالمجازر، ويحضون الحكومة التركية على الاعتراف والاعتذار من الشعب الارمني”.
وختم داكسيان: “بعد مئة وعامين من المجازر، نحن فخورون بحمل الجنسية اللبنانية، ونشارك جميع الاخوة اللبنانيين في افراحهم وآلامهم، وفرحنا العظيم مشاطرة اخواننا في الوطن ومشاطرتنا آلامنا. شهداء 1916 ينادوننا من ساحة البرج ألا ننسى قيمنا ومبادئنا كأحرار وان نحافظ على لبنان وطن حقوق الانسان ومهد الشرائع”.
قالباكيان
وألقى نائب رئيس اللجنة المركزية العالمية لحزب “الهنشاك” النائب سيبوه قالباكيان كلمة استهلها بمقطع شعري، جاء فيه :”دمروا أرمينيا… أرسلوا أبناءها الى الصحارى من دون خبز أو ماء… اهدموا منازلهم وكنائسهم… احرقوا كتبهم واخنقوا موسيقاهم… ثم انظروا كيف يضحكون من جديد، يكتبون، يغنون ويصلون. ومتى التقى إثنان منهم في أي مكان من العالم، تأملوا كيف يخلقون أرمينيا جديدة”.
أضاف: ليس هذا الشعر لوليم سارويان كلاما نحفظه ونردده متباهين كأرمن، إنه حقيقة تتكرر منذ مئة وعامين. وما اجتماعنا اليوم في معراب، الا شهادة اضافية على ذلك. نلتقي اليوم للمرة الثالثة على التوالي في معراب لإحياء ذكرى أول جريمة إبادة جماعية في القرن العشرين، والذي راح ضحيتها مليون ونصف مليون أرمني. ولا ننسى مئات آلاف شهداء مجازر “سيفو” التي تعرض لها الشعب السرياني، وعشرات الآلاف من اللبنانيين الذين راحوا ضحية سياسة التتريك والفصل العنصري، القهر، التجويع والإضطهاد الذي مارسه العثمانيون الأتراك. نحن على ثقة بأن وقوف القوات اللبنانية الى جانب نضال شعبنا الأرمني، ليس ظرفيا أو شرطيا، إنه ينبع من صلب عقيدة القوات، ووجدانه المبني على إرث نضالي لشعب قاوم المحتل العثماني وكل من هدد الكيان اللبناني، للحفاظ على هويته وحرية قراره. فتحية من حزب الهنشاك الإشتراكي الديمقراطي الى حزب القوات اللبنانية والى كل الاحرار المؤمنين بالحرية والعدالة”.
وتابع: “مئة وعامان مرت والجرح ما زال ينزف، ويسأل الضمير الإنساني عن عدالة مفقودة. وفيما نحن نأمل ونطالب ونعمل على احقاق العدالة، ها هي تركيا، عوض أن تتعلم من اخطاء ديكتاتوريتها الماضية، تسير من جديد الى ديكتاتورية حديثة مقنعة، ولا من يسأل او يحاسب. وستبقى الحكومات التركية المتعاقبة شريكة في جريمة الإبادة الجماعية طالما انها لم تعترف وتعتذر وتعيد الحقوق السليبة”.
وأردف:” قبل مئة عام ونيف، كان الارمن متروكين لوحدهم، لمصير أسود. وتعرفون ايها السادة أن اختيارنا ل24 نيسان للاحتفال بذكرى المجزرة، أو كما اسماها البابا فرنسيس، ابادة، يعود إلى سبب جوهري. ففي 24 نيسان 1915، تمت تصفية 1500 كاتب وشاعر ومثقف ومحام وصحافي وفنان وموسيقي ومدرس ارمني، في محاولة القضاء على الارث الارمني. لكننا اليوم وبعد مئة وعامين نحن هنا. بنينا في كل بقعة من الارض ارمينيا جديدة. ارمينيا في الواقع، كما في الفكرة، فنضالنا هو في احد وجوهه دفاع عن افكار وقيم، هذه الافكار والقيم التي نتشاركها اليوم كلبنانيين وأرمن، هي قيم العدالة والحرية وحقوق الانسان، وفي طليعتها حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والعيش بسلام في اوطانها. وهذا ايضا من ابسط حقوقنا كلبنانيين، ونحن نحاول أن نبعد عنا عواصف المنطقة التي تجرف الاوطان واستقرارها وتعيش دورات عنف تبدو من دون نهاية. ولن يكون لنا امن واستقرار وازدهار، الا بوحدتنا وتوافقنا الوطني والانصراف إلى شؤوننا الداخلية، بعيدا عن حرائق المنطقة”.
وختم قالبكيان: “نحن اللبنانيين من أصل أرمني اتهمنا في أحيان كثيرة بالحياد كتهمة في الحروب اللبنانية، لكن تبين أن حياد اللاعبين الصغار في الازمات الكبرى هو شرط من شروط الحفاظ على وجودهم. الى مثل هذا الحياد، أدعو اللبنانيين اليوم إلى الابتعاد عن الصراعات التي لا حول لنا في تغييرها او تقرير مصيرها لنبني وطننا ونحصنه ونعيد اليه سلامه وازدهاره. ومرة جديدة، من هنا من معراب، نوجه تحية الى أرض الأجداد، الى أرمينية الغربية وكيليكيا، والى أرارات، ونجدد العهد أمام شهدائنا بأننا لن ننسى… لن ننسى”.
بقرادونيان
من جهته، ألقى النائب هاغوب بقرادونيان كلمة حزب الطاشناق قال فيها: “في مثل هذه الايام من كل عام، أقف وأسترجع أفكاري لأتساءل ما ذنب أبي الذي لم يعرف اباه، ضحية اول ابادة في القرن العشرين ارتكبتها الدولة العثمانية ابان الحرب العالمية الاولى. وكنت اتساءل ولا ازال، لماذا لم انعم، انا بمحبة جدي وكبار السن من الاقرباء، وقبلي لم ينعم الكثيرون من جيلي بجو عائلي دافىء مبارك ببركة الاجداد والاقرباء. لا اسأل اليوم بالذات عن الاسباب التي دفعت السلطات التركية لارتكاب جريمة الابادة ضد الشعب الارمني واقتلاعه من جذوره، وذبح وتهجير وتشريد مليون ونصف مليون من الابرياء، ولا أسأل عن الاراضي المحتلة ولا عن الثروات التاريخية، ولا عن الارزاق والممتلكات التي نهبت بشكل منظم، ولا عن بشاعة الوسائل التي نفذت وبشكل دقيق أمام أعين البعثات الديبلوماسية والمراسلين الاجانب والارساليات الدينية”.
أضاف: “اليوم، ليس بمقدوري أن أغمض عيني وألملم أفكاري وأصلي على أرواح الشهداء، شهداء الحق والعدالة، شهداء الحرية والكرامة، لانني أعيش زمن المذابح، زمن المجازر، زمن الابادة، زمن التهجير، زمن القتل بالدم البارد، زمن الاغتصاب، زمن الدمار الشامل، زمن اللامبالاة، زمن الشعارات الرنانة والمواقف الفارغة، زمن التخاذل والاستقالة من الانسانية. نعم، ليس بمقدوري أن أتنفس لانني أشعر بالاذلال امام بشاعة الصور والمأساة، وامام فقدان الانسان انسانيته”.
وتابع: “أتذكر لأردد مع الشاعر الكبير: فكل أطفال العرب يرمون في مقبرة واحدة، فبعضهم يدفن في الجنوب من لبنان، وبعضهم يرقد تحت هضبة الجولان، وبعضهم تأكله الاسماك في الدجلة والفرات، وهل الاسماك في الدجلة والفرات لم تشبع بعد؟ إبان الحرب العالمية الاولى، عندما كان الجنود الاتراك يواكبون الارمن في الصحارى، آلاف من النساء والاطفال اجبروا على أن يرموا انفسهم في مياه الدجلة والفرات، آلاف وآلاف سيلت دماؤهم في الرمال السورية والعراقية حتى اصبحت هذه المناطق بمثابة معمودية دم بين الشعبين الارمني والعربي. آلاف وآلاف دفنوا في مقابر جماعية في مرقدة والشدادة ودير زور ورأس العين مثل ما يدفنون اليوم في غزة ورام الله والجليل والمناطق العراقية في الموصل ونينوى وفي مدن سوريا واريافها”.
ولفت الى أنه “في هذه الذكرى نقف لنقول لو تمت معاقبة المسؤولين الذين خططوا ونفذوا الابادة ضد الارمن لما تجرأ هتلر على ارتكاب الابادة ولا تجرأ شارون ولا نتانياهو ومجرمو الحرب الصهانية على ارتكاب المجازر في فلسطين ولبنان ولا تمت الابادة في كمبوديا وروندا. ولا ابشع المجازر اليوم على يد التكفيريين في العالم . في شباط 1915 قال ناظم بك احد كبار قيادي زمرة الاتحاد والترقي: المجازر ضرورة فكل العناصر غير التركي ، الى اي امة انتمت، لا بد من ازالتها. وفي نيسان 1915، قال انور باشا لجمال باشا السفاح، لن تستعيد الحكومة حريتها وشرفها الا عندما تتطهر السلطنة التركية من الارمن واللبنانيين دمرنا الاولين بالسيف وسنقضي على الاخرين بالمجاعة، وفي حديث مع السكريتير الاول لحزب الاتحاد مدحت شوكرد قال الطبيب رشيد حوجة، عن الارمن” مع انني طبيب ولكن لا يمكنني ان اغمض النظر عن قوميتي التركية جئت الى هذه الدنيا تركيا” انهم حشرات اليس من واجب الطبيب ان يقتل الحشرات؟ اما بالنسبة للمسؤولية التاريخية فانني لا اهتم بما سيكتب عني المؤرخون.”وانا حشرة من هذه الحشرات وكلنا حشرات حسب رأيهم”.
وقال: “انا حفيد شهيد ارمني وانتم احفاد شهداء المجاعة، شهداء الظلم والاضطهاد، نحن امام مجرم واحد وسياسة واحدة ودولة لا تعترف الا بالطورانية وتستغل الدين الاسلامي ولا تحلم الا بالعودة الى هذه المنطقة وضرب شعوبها. نجتمع نحن ضحايا الجريمة، ضحايا الابادة، ضحايا الصمت الدولي، ضحايا مصالح الدول التي تتحدث عن الديموقراطية والعدالة وحقوق الانسان والشعوب ولا تزال تحتل وتقتل وتسمح الاخرين بارتكاب ابشع الجرائم بحق شعوب ذنبها الوحيد رفض انكار الذات واحترام الاخر والايمان بانسانية الانسان ونصرة العدالة. نجتمع لنتذكر نحن، ضحايا الاجرام والابادة، آباؤنا واجدادنا الذين سقطوا في بيوتهم على ارض وطنهم وتشردوا وذبحوا امام اعين الديموقراطية العالمية ودفنوا دون مدافن في دير زور ومرقدة والصحراء السورية. نجتمع لنتذكر ونذكر الجميع الذين ارادوا بالابادة والمجازر حلا جذريا لانجاح الحلم الطوراني التركي الاستعماري بان حلمهم لم يتحقق وبان هذه الشعوب واحفاد الشعوب لا يزالون يصرخون. نحن هنا وسنبقى هنا، نجتمع لنتذكر ونذكر كي لا يتكرر وكي لا يتكرر هناك مسؤولية دولية على الجميع ان يتحملها لان جريمة واحدة دون عقاب تفتح الباب امام جرائم اخرى”.
وأردف: “وجودنا هنا معا نحن اللبنانيين يشهد ان الشعوب تحيا وتستمر بشهدائها الابرار والذاكرة الجماعية وتاريخ الشعوب يجب ان يكون محور نضال الشعوب من اجل العدالة. اما الاهم من احياء ذكرى الشهداء هو الوفاء الجماعي لارثهم المقدس وقضيتهم المحقة. ان الصمت امام حقوق شعبنا المغتصبة هو الاستسلام بالذات .الصمت في هذه الحالة كما قال صاحب الغبطة الكاثوليكوس ارام الاول، خيانة للشهداء ولارثهم”.
وأكد بقرادونيان “أننا اليوم نطالب تركيا بالذات الاعتراف بمسؤوليتها ازاء جريمة الابادة نطالبها لاجل تحقيق العدالة والتعويض على الخسائر البشرية والجغرافية والسياسية والمادية، ولدول العالم التي لا تزال تنتظر الظروف المؤاتية للاعتراف نقول ان الابادة الارمنية واقع لا لبس فيه ان اعترفت بها الدول او لم تعترف فهي حقيقة تاريخية وسياسية غير قابلة للجدل ولا تحتاج الى دراسات او مفاوضات وتحليلات . ومن هذا المنطلق نقول ان على دول العالم وعلى تركيا بالذات مسؤولية كبيرة في اعادة انعاش الذاكرة الجماعية والمصالحة مع تاريخها وماضيها فالجريمة التي نتذكرها نحن ابناء الشعوب المضطهدة من السريان والارمن والكلدان والاشوريين ومن الشعوب العربية لا تتكرر الا اذا تمت معاقبة المجرم والتعويض عن جرائمها. ان السكوت عن جريمة هي جريمة بحد ذاتها”.
وسأل: “هل من الضروري ان نذكر بأن تركيا اليوم وهي الوريثة الشرعية للدولة العثمانية بواجباتها وحقوقها، لا تزال تطمح الى العودة لهذه المنطقة واعادة احياء الحلم العثماني وهناك من في لبنان لا يزال يتحدث عن علاقات تاريخية وعلاقات صداقة بيننا وبين وريث الاجرام العثماني. نحن احفاد شهداء الابادة، احفاد شهداء السيفو، احفاد شهداء المجاعة، نحن ابناء هذا الوطن الذي حصل على حق البقاء والازدهار بتضحيات شهدائه الابرار، نجتمع لنسأل عن الذاكرة الجماعية، ولم النسيان ولم الخجل ولم الانكار ولم الاختباء وراء كلمات منمقة تافهة تنتهي مفعولها فور صدورها. نعم نجتمع لنسأل لماذا الدولة لم تتجرأ اعلان 24 نيسان ذكرى مليون ونصف مليون شهيد ارمني، اجدادنا نحن المواطنين اللبنانيين ، يوما للتضامن ويوم عطلة رسمية”.
وتساءل: “أمن العجب ان نسأل لماذا تحول عيد الشهداء عيد 6 ايار الى ذكرى شهداء الصحافة ولماذا تتنكر الدولة احياء العيد بمعانيه السامية والحقيقية والتاريخية. اليس لنا الحق ان نفكر بأن الشهداء اصبحوا سلعة في الاسواق السياسية والمسايرات المكشوفة والتسويات الملغومة ومصالح اقتصادية ومالية؟ اليس لنا الحق ان نفكر ان حتى في الشهادة هناك تفرقة وتمييز مذهبي، طائفي، سياسي. ان نسيان الشهداء الاوائل لا يضمن احترام الشهداء الاواخر.اننا نفتخر بلبنان كبلد التعايش والعيش الواحد، التعايش الحقيقي يبداء باحترام الاخر وخاصة احترام الشهيد. التعايش الحقيقي هو احترام الجميع لشهداء الجميع. الشهيد شهيد ولا تمييز بين شهيد وشهيد. قيمة الشهادة في فكرها وفعلها ورؤيتها وليس في دين الشهيد او حزبه او وضعه المادي ومركزه الاجتماعي”، مستشهدا بما قاله الشهيد عبد الكريم الخليل وهو يودع ابناء الوطن وامام مشانق جمال السفاح: “احزنوا على انفسكم وابكوا ما سيصيبكم في المستقبل من ظلم الاتراك، عشنا لاجل الاستقلال ونموت في سبيله”. اما الشهيد عمر حمد فقال: “اموت غير خائف ولا وجل فداء الامة العربية فليسقط الاتراك الخونة، وليحيا العرب”. وبدوره يقول الشهيد عبد الغني العريسي: “بلغوا جمال ان الملتقى قريب وان ابناء الرجال الذين يقتلون اليوم سيقطعون بسيوفهم في المستقبل اعناق الاتراك جماجمنا اساس لاستقلال بلادنا”. والشهيد بترو باولي قال: “عجلوا وخلصونا من وجوهكم اللعينة، في هذه اللحظات ونحن نتذكر اقوال الشهداء نسأل ماذا اصابنا؟ النسيان، فقدان الذاكرة خسارة الضمير، بيع النفس؟ والعثمانيون الاتراك على ابوابنا؟ التاريخ يعيد نفسه وتجربة الشعوب تعيد ايضا نفسها”.
وختم بقرادونيان: “صحيح اننا نجتمع اليوم لاجل احياء ذكرى شهداء الابادة. الاصح ايضا اننا نجتمع لاجل الاحتفال بصمود الشعب الارمني وفشل مخطاطات تركيا، قررنا ان نعيش ونستمر في النضال ونستمر في النضال ما دام الاجرام مستمرا والمجرم صامتا لا يعترف. امام ذكرى الشهداء، شهداء الحق والعدالة نطالب معا بالحق والعدالة. نطالب معا تركيا بالاعتراف والاعتذار والتعويض واعادة الاراضي المحتلة. نطالبها ان تتصالح مع نفسها وتتراجع عن انكار الحقيقة. نحن ناضلنا لاجل الحرية والكرامة لاجل انسانية الانسان، ونستكمل النضال. ونستشهد لنعيش معا ونبقى معا. ارقدوا بسلام شهداؤنا الابطال، ارقدوا بسلام تحت رمال دير زور ومرقدة في مقابر جماعية في ديار بكر واضنة في كيليكيا وفي الاراضي الارمنية المحتلة، تحت مياه الدجلة والفرات.ارقدوا بسلام لن نستسلم، ولن نترجل الا باسترداد الحق كل الحق وبتحقيق العدالة كل العدالة. انها ارادة شعب وحكاية بقاء. انها المرحلة الجديدة انها مرحلة الصمود الجديد. انها مرحلة جديدة من النضال”.
جعجع
بدوره، رحب جعجع بالأرمن قائلا: “إفرحي وتهللي يا معراب، فأصحاب القضية في ربوعك اليوم، إفرحي وتهللي، فبهجة اللقاء مع الأحبة تمسح عن عيون هذه الذكرى الأليمة دمعة حزينة. تعودون اليوم الى بيتكم الثاني معراب وانتم لم تغادروا عقلها وقلبها ووجدانها. لن نقول لكم اهلا وسهلا، لأننا في حضرة قضيتكم وقضيتنا المجيدة، نصبح نحن كلنا أرباب البيت”.
ورأى جعجع أن “24 نيسان 1915 ليس مجرد تاريخ عابر في روزنامة الأيام بل تاريخ فرض تقويما جديدا صار بإمكاننا معه الحديث عما قبل هذا التاريخ، وعما بعده. ففي 24 نيسان 1915 طعنت الإنسانية بخنجر القهر والاستبداد والوحشية، ومنذ ذلك التاريخ والجرح ينزف وسيبقى حتى تحقيق العدالة ووصول كل صاحب حق إلى حقه. قبل ذلك التاريخ كان استقلال أرمينية مسألة محلية، وبعده صار قضية شعب، قضية عالمية. قبله كان الأرمن حالة وطنية صرفة في ارمينيا التاريخية، بعده صار الأرمن حالة عابرة للأوطان يطال تأثيرها معظم دول العالم. قبله كان للأرمن هوية واحدة فقط، بعده صارت كل هويات العالم هوياتهم وكل مساكن العالم بيوتهم”.
وقال: “من تاريخ 24 نيسان 1915 استلهمت الأمم المتحدة العديد من بنود مواثيقها وشرعاتها. وبالرغم من كل ذلك تستمر المجازر حول الكرة الأرضية منذ ذلك التاريخ، وآخرها مجزرة خان شيخون؟ ذلك لأن التساهل الدولي في تحقيق العدالة، بما يختص بالمجازر الأرمنية، قد شجع الطغاة والمستبدين على الإمعان في جرائمهم حتى هذه اللحظة، من دون الخشية من العقاب، يجب أن نعترف جميعا بأنه في 24 نيسان تمكن الشر من توجيه صفعة قوية للخير فتعرضت شعوب بأكملها للابادة الجماعية. من جبال امانوس وأرارات الى سيفو الى جبال لبنان، سيف الترويع والظلم والتجويع يجهز على البشر والحجر، وقلوب برغبة التسلط تحجرت، لم تفارق العصور الحجرية، أبت إلا أن تحاول إفناء شعوب مشرقية وجدت في هذا الشرق منذ فجر التاريخ”.
واضاف: “إذا كان مرتكبو المجازر قد توهموا أنه بقتلهم النساء والشيوخ والأطفال قد حققوا نصرا مبينا، فإن المستقبل أثبت لاحقا أن هذه الوحشية قد عجلت في انهيار سلطنتهم، ولم يكن سوى وصمة عار على جبينهم، فها هو التاريخ يشرع ابوابه وصفحاته امام الأرمن والسريان وسواهم ممن ظلم وقتل في ذلك الوقت، وها هي مئات المنابر والساحات تفتح لهم وأمامهم على امتداد العالم، فيما سفاحو المجازر قابعون في غياهب جهنم، وبئس المصير”.
واعتبر جعجع “أننا نحيي اليوم ذكرى المجازر الأرمنية بالتزامن مع الذكرى 23 لاعتقال رئيس حزب القوات اللبنانية، وحل الحزب، لخنق نضال بكامله، وقمع شعب باكمله. صحيح أن هول الاضطهاد والمجازر التي لحقت بالأرمن لا يمكن مقارنتها بالظلم الذي لحق بالقوات في الماضي القريب، إلا أن مفهوم الشر واحد لا يتجزأ، ومبدأ مقاومة الشر هو واحد ايضا ولا يمكن أن يتجزأ. وحتى تتوضح صورة هذه المقارنة اكثر في أذهان إخوتنا الأرمن، لا بد من لفت نظرهم الى أن القوات اللبنانية هي امتداد تاريخي لاولئك الرجال والنساء الذين قاوموا العثمانيين ومن سبقهم من امبراطوريات ودفعوا أثمانا باهظة لذلك، وعندما جاء الى لبنان غزاة آخرون بأسماء أخرى في زمننا الحديث، تمثلت القوات بمسيرة آبائها وأجدادها بجلجلتها، وصليبها، بالمقاومة، ومن ثم بانتصارها وقيامتها”.
ورأى ان “القضية التي تجمع شعبينا واحدة، فالأرمن كافحوا حتى تكون ارمينيا حرة، واللبنانيون كافحوا حتى يكون لبنان حرا. والأرمن ظلموا واضطهدوا وقتلوا وسيقوا الى المعتقلات فداء عن قضية حق اعتنقوها، واللبنانيون ظلموا وقتلوا وشردوا وسجنوا حتى تسلم لهم الحرية التي إذا ما عدموها عدموا الحياة. ألأرمن لم يعولوا على أساطيل تأتي لتدافع عنهم في غمرة الأخطار، بل تدبروا امر مقاومتهم بأنفسهم، كذلك اللبنانيون لم ينتظروا الغرب او الشرق ليدافع عنهم، بل استشهدوا هم دفاعا عن قيم الغرب، وصونا لحضارة الشرق”.
وأكد جعجع “ان قوة “القوات” ليست في عدد وزرائها ولا في كتلتها النيابية على أهميتها، وإنما في مشروعيتها ومصداقيتها وصلابة الأسس التي قامت عليها، هي في قدرتها على ان تتماهى مع وجدان الشعب الأرمني والشعب السرياني والاشوريين والكلدان وسواهم من المشرقيين من دون عناء، لأنها إبنة القضية المشرقية ذاتها، وحفيدة يوحنا مارون والمقدمين ووادي قنوبين، وهي في قدرتها ان تحاكي الوجدان الوطني من دون اي عقدة، لأنها ابنة البشير و 14 آذار والـ10452 كلم2، وهي في قدرتها على تحقيق المصالحة المسيحية والمصالحة الوطنية، وهي في قدرتها أن تتماهى مع معاناة الشعب السوري في سعيه للانعتاق من نير العبودية والديكتاتورية، والانطلاق الى بر الحرية وحقوق الإنسان، وهي في قدرتها أن تتماهى مع نضال الشعب الفلسطيني الطويل لقيام دولة فلسطينية مستقلة حرة، وهي في قدرتها ان تقول “لا” حيث لا يقولها الآخرون، لأنها ليست مرتهنة إلا لقناعاتها ومبادئها. إن القوات قوية بكم، قوية في امتلاكها هذا الشعور العميق بالدعوة، وبأنها ليست مؤتمنة على إرث شهدائها فحسب وإنما على إرث كل شهداء المسيحية المشرقية وعلى إرث كل شهداء الحق والحرية في هذا الشرق، لأي مذهب أو دين أو عرق انتموا”.
وأضاف: “منذ ان وجدت “القوات”، وجد رفاق ارمن في صفوفها، وكلاهما يتمم الآخر. إذ كيف يمكن ان تكون القوات مقاومة تدافع عن المظلومين والمضطهدين في الشرق، وابناء الشعب المشرقي الذي عانى اكثر ما عاناه من ظلم، غائب عنها. بالمقابل كيف يمكن لأبناء شعب فضل الموت بحرية في كنف جباله الصعبة على العيش صاغرا ذليلا في ذمة المحتل، ألا يكون نصيرا وداعما ومؤيدا للقوات؟ من برج حمود الى الأشرفية والبدوي وكمب حاجن، ومن انطلياس وزحلة وعنجر، ومن جبيل الى الدورة والفنار والبوشرية، رفاق ارمن شاركوا في صناعة امجاد القوات، فإلى الأحياء منهم والجرحى والشهداء، الف والف تحية وتحية. صحيح انكم خسرتم إخوة وأحبة وآباء وامهات على امتداد رقعة المجازر الأرمنية، لكنكم ربحتم إخوة وأحبة وآباء وأمهات على امتداد لبنان والعالم بأجمعه. صحيح ان ارض ارمينيا بكت على آبائكم واجدادكم لكن ارض لبنان هللت لهم عندما جاؤوا اليها. صحيح أن الإكراه هو ما أتى بكم الى لبنان بالدرجة الأولى، لكن المحبة والقناعة والإيمان بهذا الوطن هو ما رسخكم فيه بالدرجة الأخيرة. صحيح أن رقعة انتشاركم في لبنان محصورة في المكان، إلا أن عبق أعمالكم لا يحده مكان او زمان. صحيح أن أرمينيا تراجعت بغيابكم عنها، لكن بلدانا كثيرة، ومنها لبنان، تقدمت وتطورت وازدهرت بقدومكم إليها. صحيح أن خريفا عثمانيا داميا ودعكم في ارمينيا، لكن ربيعا ارمنيا مشرقا استقبلكم في لبنان”.
واعتبر جعجع أنه “يخطىء من يعتقد بأن الإبادة الأرمنية منفصلة عما عداها من قضايا هزت وتهز الضمير الإنساني. فكما أن النهار والليل يتتابعان، كذلك فإن صراع الخير والشر يتتالى في جولات متلاحقة، فرياح الشر التي عصفت بالأرمن قبل قرن من الزمن عادت هي نفسها، وإنما في جولة جديدة وبحلل جديدة، لتعصف بأمكنة وشعوب اخرى. فما حصل في خان شيخون قبل ايام قليلة، وقبله في حلب والغوطة الشرقية وغيرها، من استهداف للأبرياء بالأسلحة الكيمائية، وما حصل من تفجير إرهابي بحق الأبرياء من نساء وأطفال من أهالي بلدتي الفوعة وكفريا، ليس الا اوجها مختلفة للمجازر الأرمنية. لا يمكن ان نكون صادقين مع انفسنا ومع الآخرين، إلا إذا أدنا سفاحي اليوم كما ندين سفاحي الماضي. لن نكون شهود زور، لا الأمس ولا اليوم ولا غدا”.
وأشار جعجع الى ان “القوات لم تدخل الى الدولة بفعالية بعد طول غياب لمجرد ان تتمثل في الحكومة، بل لتعبر عن هواجس اللبنانيين كافة. فوجودنا اليوم في الوزارة لا نريده وجودا كميا فقط وإنما نوعيا ايضا. لا نريد ان نمارس السياسة بمفهومها التقليدي البالي، وإنما مصممون على إحداث كل الفرق في مقارباتنا وحلولنا للمشاكل السياسية والاجتماعية والحياتية العالقة. نريد ان يعطي وجودنا في الحكومة قيمة مضافة، تماما كوجود الطائفة الأرمنية في لبنان، لا أن نكون أعدادا إضافية لا وزن إصلاحيا أو إبداعيا أو معنويا لها. إن السياسة بالنسبة لنا هي قيم واخلاق ومبادىء وكلمة حق قاطعة كحد السيف، فكلما راحت الدفة تميل نحو سياسة المصلحة والمادية والنفعية والابتذال، إنتفضنا على الواقع وعملنا على إعادة إنعاش الروح، وضخها بقوة في الحياة السياسية الوطنية من جديد. إن فقداننا لهذه الروح تعني فقداننا لمبرر وجودنا النوعي في لبنان والشرق، وتحولنا زمرة مرتزقة ومحاسيب ومستوزرين ووصوليين وهذا ما لسنا بفاعليه”.
وشدد على “ان الشعب الأرمني هو من اكثر الشعوب الجديرة بالتقدير والاحترام، فالأرمن حافظوا على لغتهم وهويتهم، على الرغم من مرور اكثر من مئة عام على نزوحهم قسرا عن بلادهم، فيما العديد من شبابنا للأسف يتخلى عن هويته وينسى لغته ويهمل ثقافته بمجرد ان تمر سنوات قليلة على وجوده في المهجر. نحترم الأرمن لأنهم لم يتنكروا لشهدائهم وابطالهم مثلما فعل بعض الجاحدين بيننا ممن رجموا شهداءهم ورذلوا أبطالهم وصرخوا في مقاومتهم اللبنانية عندما انقض عليها العدو أصلبوها أصلبوها. نحترم الأرمن لأنهم برهنوا عن أصالة وصلابة قل نظيرهما، فقضيتهم التاريخية تحيا في وجدانهم دائما ابدا، وإيمانهم بأحقية هذه القضية يضاهي إيمان الرسل والمبشرين. كلمة حق تقال أن الأرمن هم من اكثر الذين أعطوا الدولة اللبنانية وأقل من أخذوا منها، يكفي أن يكون هذا الشعب مسالما، ملتزما بالأنظمة والقوانين على الرغم من الإهمال والتهميش اللاحق بمناطقه، حتى يكون مثالا للمواطنية الصالحة. وهل بالإمكان أن نتصور لو أن الأرمن سمحوا لأنفسهم باستباحة الدولة واللعب بالاستقرار ونشر الذعر والفوضى، تماما مثلما فعلت مجموعات اخرى نزحت الى لبنان في فترات زمنية لاحقة؟ وبعد، كيف يمكن تصنيف اللبنانيين بين لبناني درجة اولى ولبناني درجة ثانية، فيما معظم الشرائح الطائفية والمجتمعية تتشارك التاريخ نفسه، منهم من نزح الى لبنان في الأمس القريب ومنهم في الأمس البعيد، وجلهم نزح بفعل عوامل الظلم والقهر والاضطهاد ذاتها. لا فضل للبناني على آخر إلا بالعمل والكد والمثابرة في سبيل الأفضل لوطنه، فالفضل ليس بدرجة الأقدمية في هذا الوطن، وإنما بدرجة “الآدمية” والالتزام والعطاء”.
وختم جعجع: “إذا كانت ارمينيا هي ارض الميعاد التي تتوقون اليها، فإن لبنان هو ارض النضال الذي كتبه الله لنا حتى نبقى صامدين ومستمرين. نجاهد ونناضل حتى يبقى لبنان واحة للحرية والإنسان. نجاهد ونناضل حتى يعود الحق الى أصحابه مهما طال الزمن، نجاهد ونناضل حتى تتحقق العدالة على الرغم من العراقيل، نجاهد ونناضل حتى تبقى الحرية شمسا ساطعة، نجاهد ونناضل حتى نصلح ما افسدته دهور الوصاية، نجاهد ونناضل ليبقى لبنان قبلة أنظار كل المتعطشين للأمل والحرية في هذا الشرق. ونردد مع قداسة أبينا الكاثوليكوس آرام الأول كيشيشيان :”إن شعبا لا يموت إذا كان يملك الإيمان بالحياة والوفاء لماضيه ورؤية واضحة نحو مستقبله، وتحديدا إذا كان هذا الشعب منخرطا في حرب روحية وثقافية وقانونية وسياسية من أجل حقوقه المشروعة”. ارمينيا ستبقى لشعبها ولبنان سيبقى لنا جميعا.”
وتخلل الاحتفال أناشيد أرمنية أداها كورال مدرسة “واهان تكايان” بقيادة كيفورك كشيشيان، ورقصة أرمنية بعنوان “الكرز المثمر” قدمتها الطالبتان سيلين أوهانيسيان وروبينا أوهان، وعزف على آلة الـDUDUK مع هاكوب كولوغيان ورافقه رافي تشيلينغيريان وناتالي ايوكيان، بالإضافة الى عزف على آلة الساكسوفون من صاموئيل ارنليان، وقصيدة شعرية من عازفة البيانو ريتا اغدمليان اصيليان، ومعزوفة على البيانو من طامار اصيليان. وقدمت الدكتورة لينا ايدنيان لوحة زيتية الى جعجع. كما قدم الحرفي آرا كويونيان مجسما فنيا يحمل الاحرف الابجدية الارمنية.
يذكر ان 24 رسامة ورساما لبنانيا عرضوا لوحات جسدوا فيها الإبادة الأرمنية من نظرة لبنانية في معرض أقيم في الباحة الخارجية في معراب.