لا يُخفي الدكتور سمير جعجع تشاؤمه من طريقة إدارة البعض للحكومة، وإن كان لا يزال يأمل في أن يُعيد البعض النظر في أدائهم إذا ما ادركوا المخاطر التي يتعرّض لها لبنان على مختلف الصعد الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ولا يُخفي رئيس حزب «القوات اللبنانية» أيضاً ان تفاؤله بالحكومة الجديدة الذي بناه بعد ان حلت كل العقد التي أخرت تشكيلها تسعة أشهر بدأت تتلاشى «لأنني كنت أتصور اننا لن ننام الليل جرّاء الاجتماعات المتلاحقة لإخراج البلد من وضعه الاقتصادي الصعب لأن الجميع يُدرك ان الحلول تصبح اصعب في حال تلكأنا أو تباطأنا، إلا ان ما شهدناه حتى الآن كان عكس ذلك تماماً بسبب اقدام البعض على وضع العصي في دواليب رئيس الحكومة، ونحن نتأسف على هذا الوضع، ولا نستطيع ان نستوعب الخلاف على التعيينات طالما ان هناك آلية معروفة لها طبقناها في وزارة الإعلام عندما تسلمناها ومع الأسف الشديد لم يؤخذ بها، لكننا ما زلنا مع تطبيق هذه الآلية ونعمل في الحكومة مع أفرقاء آخرين لن اسميهم للضغط في اتجاه اعتماد هذه الآلية عندما يطرح ملف التعيينات على مجلس الوزراء، وإذا كان ثمة ملاحظات على هذه الآلية يمكن تعديلها، اما ان تتم التعيينات على قاعدة المحاصصة فهذا ما لا نقبل به بأي شكل من الاشكال، مع العلم انه إذا قبلنا بالمحاصصة فكل فريق يجب ان يتمثل بحسب حجمه أي ان الفريق الذي يمثل 51 بالمئة من المسيحيين لا يُمكن ان يأخذ مائة بالمائة من التعيينات، علماً بأننا كـ«قوات» ضد المحاصصة، وتعتبر ان العهد يقوى عندما تتم التعيينات وفق الآلية وليس العكس.
اما بالنسبة إلى الطريقة التي اعتمدت في تعيينات المجلس العسكري مؤخراً، فقد اعتبر جعجع ان المجلس العسكري مؤسسة خاصة تحكمها معايير خاصة، ومن الأفضل ان لا يتدخل أحد تنحصر برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وقائد الجيش، ولا يجوز ان يدخل أحد آخر على الخط.
وعندما يسأل رئيس حزب «القوات اللبنانية» عن موقف وزراء «القوات» في حال استمر الأمر على المنوال نفسه، يجيب بأن «القوات» دخلت الحكومة حتى تصنع الفرق، وإطلاق المواقف لا يقدم ولا يؤخر بشيء، في الواقع هناك خلافات داخل الحكومة حول التعيينات وحول ملف الكهرباء الذي يستنزف الدولة، أدت إلى تأخير انطلاقتها ولا افهم في ملف الكهرباء استمرار الحديث عن استئجار البواخر رغم ان الوضع لا يُمكن ان يبقى على ما هو عليه اليوم خاصة، وان هناك فريقاً سياسياً يمسك بهذا القطاع منذ 9 سنوات بلا نتيجة تذكر مع علمه بأن معالجة هذا الملف تبدأ بوقف الهدر الذي يقدر بـ50 بالمئة وفق كل الدراسات التي اعدت من ماكينزي ومؤسسة كهرباء لبنان وغيرها منها 15 بالمئة هدر تقني و35 بالمئة بين سوء صيانة وتعليق. وللذين يقولون بأن البواخر في البحر تعطي انتاجاً بكلفة أرخص مخطئون، ونحن نقول انه لا يجوز إنتاج الكهرباء قبل تخفيف الهدر إلى 6 أو 7 بالمئة ولن نقبل بأي بحث آخر، علماً بأن اقتراحنا هذا يحتاج إلى 6 أشهر بكلفة لا تتجاوز الـ150 مليون دولار.
ويضيف جعجع الذي كان يتحدث إلى وفد رابطة خريجي الإعلام برئاسة الزميل الدكتور عامر مشموشي في مقره بمعراب ان سيمنز اقترحت خلال زيارة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل إلى لبنان تقديم دراسة عن الهدر، الا ان هناك من عمل على صد هذه المساعدة المجانية مستغرباً هذا الإصرار على استئجار البواخر، علماً ان البواخر تستقدم بحالات الكوارث ولفترات محدودة، والحل لا يكون الا ببناء معامل جديدة وحين ننتهي من الهدر نبدأ بالعمل على تغطية العجز ريثما ننتهي من بناء المعامل عبر البواخر أو أي طريقة أخرى وفق مناقصات تجري عبر دائرة المناقصات، مشيرا إلى ان أزمة الكهرباء مأساة فعلية و«القوات» بصدد طرح خطوات عملية لإنهاء هذه الأزمة التي تستنزف الدولة رغم كل الضغوط التي تتعرض لها بحجة ان ملف الكهرباء ليس عند «القوات»، الا اننا لن نرضخ لهذه الضغوط.
وفي ملف النازحين، يؤكد جعجع ان موقف القوات واضح وصريح بهذا الخصوص حيث يجب اعادة النازحين اليوم قبل الغد بعزة وكرامة لاننا منذ 8 سنوات نحملء عبء مليون ونصف مليون نازح سوري بالاضافة الى المخاطر الامنية المترتبة على ذلك، لكن رئيس النظام السوري بشار الاسد لا يريد اعادتهم الى سوريا، موضحا ان التركيبة الحالية في سوريا تناسب النظام حيث يتمثل السنة بأقصى الاحوال بنسبة 60 بالمئة مقابل العلويين والشيعة والاقليات، كما ان السني الموجود في سوريا موالٍ للنظام، وتحدث رئيس القوات عن «التشييع» المستمر في سوريا وعمليات نقل القبائل الشيعية الافغانية الى سوريا.
وفي هذا السياق، يُؤكّد أن النظام السوري لم يقبل بإدخال الالاف من النازحين، لافتا الى ان المكاتب التي فتحها حزب الله والتيار الوطني الحر لم تؤد الغرض المنشود منها، مشيرا الى ان بلدة القصير السورية خير مثال على ذلك، حيث ان اهالي القصير الذين يعدون حوالى 50 ألفاً يناشدون من اجل اخلائها والعودة اليها وهذا ما لم يحصل حتى الساعة، مع العلم ان امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله يستطيع فرض موضوع اعادة النازحين على الأسد، نظراً لأن أكثر من عشرة آلاف مقاتل له لا يزالون في سوريا، إلى أكثر من مائة ألف من الحرس الثوري الإيراني.
وعندما يسأل عما يُحكى عن زيارة للرئيس عون إلى سوريا يقول: «انا مع زيارة الرئيس ميشال عون الى دمشق مع آخر 100 نازح عائد الى سوريا، اما عن مقولة وزير الخارجية جبران باسيل «اما اعادة النازحين او لا حكومة» يرد جعجع «اذا كان باسيل يستطيع اعادة النازحين سأقبله بين عينيه»، داعيا في السياق لتبديد هواجس فريق من اللبنانيين وكبادرة حسن نية تجاه لبنان لإعادة 200 الف نازح سوري، وبعدها نبدأ الحديث بمواضيع أخرى. لكنه اكد أنه لا يؤيد ربط عودة النازحين بالحل السياسي او اعادة الاعمار، ويقول ان العودة بحاجة لمناخ غير متوفر اليوم، ولذلك لا نتيجة للحديث مع الاسد بهذا الخصوص. وأنا من القائلين بأن النظام السوري لن يستمر، لان الاسد يسير عكس التاريخ، كما ان الوضع الاقتصادي والاجتماعي في سوريا صعب جدا، مشيراً إلى ان النظام السوري ليس له وجود، لأن من يدير شؤون البلاد السورية هم الروس والايرانيون، والأسد لن يستمر في الحكم لأنه يسير عكس التاريخ.
وبالنسبة لملفات الفساد، لا يرى جعجع نتيجة حتى الساعة ونحن بإنتظار اجتماعات الحكومة لمعرفة الجدية في الموضوع، خاصة وان «سيدر» لن يطبق من دون اصلاحات جدية، واوضح انه يتطلع الى نتائج اجتماعات لجنة المال والموازنة في ما خص التوظيف، مؤكدا انه لا توجد مراعاة لأحد في ملف الفساد، معتبرا انه كان على رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة ان يسبق الجميع الى القضاء لاثبات براءته عبر فتح الملفات لا سيما الـ11 مليار دولار.
ورداً على سؤال حول استباحة حزب الله للمرفأ يقول ان حزب الله لا يتحمل مسؤولية التهرب الجمركي والبضائع عبر المرفأ بل الدولة هي المسؤولة عن توقيف التهريب والتهرب الجمركي، مشيرا الى ان التقاطع بين القوات وحزب الله على ملفات الفساد يكون وفق نظام «على السكين يا بطيخ»، اي كل ملف بملفه، وقد التقينا سابقا بملف البواخر، ولكن السؤال اليوم هل يستطيع حزب الله تحمل خسارة حلفائه الاستراتيجيين في معركة الفساد، لا سيما وان الحزب لديه معارك استراتيجية اهم من هذه المعركة؟ الا اننا بإنتظار النتائج ولن نحكم على النوايا.
ونفى رئيس «القوات» سيطرة ايران على لبنان، وان كانت قوية فلأن حزب الله صوته اعلى من صوت غيره، مشيرا الى عدة وقائع تناقض نظرية قوة ايران في لبنان، منها استبعاد النائب البير منصور من مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء، كما ان زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى لبنان لم ينتج عنها اي اتفاقية رغم انه وزير مشهود له بكفاءته، موضحا ان التعاطي مع زيارة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو الى لبنان سيكون عاديا كمان كان التعاطي مع زيارة ظريف.
وفي ما خص الحدود البحرية، اكد انه ضد التنازل عن شبر ارض من لبنان، الا انه بالمقابل ليس مع اختراع المشاكل على طريقة مزارع شبعا، وهي مشكلة مفتعلة يمكن ان تنتهي إذا قدمت سوريا اوراقاً الى الامم المتحدة لاثبات ان شبعا لبنانية.
ولم يفت الدكتور جعجع ان يختم حديثه مع وفد رابطة الخريجين بالتأكيد على ان الحديث حالياً عن معركة رئاسة الجمهورية ساذج ونحن كـ«قوات» معركتنا اليوم هي تخفيض العجز وإصلاح الكهرباء وفي السياسة يعتبر الأسبوع وقتاً طويلاً فكيف بالأحرى إذا كان قبل أربع سنوات.
(اللواء)