بعد 28 يوما بالتمام، يطوي “العهد القوي” فصلا جديدا من فصول كتابه السداسي، فيطفئ “بي الكلّ” الشمعة الثانية على اعتلائه سدة الرئاسة الاولى في 31 تشرين الاول 2016. سنتان عابقتان بالتحديات السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية ومحفوفتان بالمخاطر المتأتية من الجوار الاقليمي الملتهب بالصراعات الدولية على ارضه، وما بينهما انجازات سُجلت عقب الانطلاقة “الواعدة” التي شهدت زخما انتاجيا بفعل التفاف القوى السياسية بمجملها حول الرئيس عون كان ابرزها اقرارقانون الانتخابات النيابية وانجاز استحقاق 6 ايار على القاعدة النسبية، قبل ان “يتفرق العشاق” وتدخل البلاد في حقبة الازمات المتناسلة التي تعبر عنها خير تعبير ازمة تأليف الحكومة مع دخولها الشهر الخامس.
في صفحات سنتي العهد، وحول طبيعة العلاقات بين اركانه واسباب التعثر وعدم تحقيق الاهداف الاستراتيجية التي رسمها لنجاحه، يجول “عراب” التسوية الرئاسية في معراب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ليقرّ عبر “المركزية” بنوع من الاخفاق في ما آلت اليه الامور، فاللبنانيون غير راضين عن وضع البلاد على المستويات كافة وفي شكل خاص اقتصاديا، حيث بلغ التدهور حدّه الاقصى منذرا بكارثة وشيكة اذا لم يتم تدارك اسباب الاندفاعة السريعة نحو الهاوية، وبذل اقصى الجهود للخروج من الواقع المرير الى حال من الاستقرار، وكل الخطوات التي تطرحها القوات اللبنانية تصب في هذا الاتجاه.
تتحملون جزءا من الاخفاق، ما دمتم احد اركان السيبة الثلاثية التي اسست “للعهد القوي” ورسمت خريطة طريقه، من أخطأ، ومن يتحمل المسؤولية؟ يجيب جعجع، بعد ان يستشهد بالمثل القائل “جازة جوزّتك حظ منين بجبلك”: في مرحلة أزمة خانقة كالتي تمر بها البلاد، لا يمكن اجراء جردة حساب او تحميل مسؤوليات لأي جهة، الامر متروك للتاريخ لتقييم اداء كل جهة من الجهات الثلاث. بيد ان ما لا يمكن القفز فوقه، هو الثناء اللبناني الشامل على مساحة الوطن على اداء وزراء القوات اللبنانية.
لكنكم متهمون من التيار الوطني الحرتحديدا بأنكم لم تمنحوا العهد الفرصة الكافية لتنفيذ خطته لنهوض الدولة بل عمدتم الى محاربته في الحلبات الحكومية والمجلسية والادارية في كل مشاريعه النهضوية وفي مقدمها ملف الكهرباء الشاهدة جلسات مجلس الوزراء على المواجهة المفتوحة مع وزراء التيار؟ هذا العهد هو اكثر من حظي بمساعدة منذ اتفاق الطائف، يؤكد جعجع، صحيح ان الرئيس عون انتخب ب83 صوتا، بيد ان القوى السياسية الرئيسية من الثنائي الشيعي، على رغم بعض التباينات مع الرئيس نبيه بري، الى تيار المستقبل والقوات أيدت العهد، بدليل تمثيلها في الحكومة الاولى، حيث كان وزراؤها يبذلون اقصى الممكن، ان لم يكن لنجاح العهد فلنجاحهم لانهم من ضمن هذا العهد. ما لا يمكن استيعابه هو اتهامنا بتفشيل العهد، ان عهدا يصبو الى النجاح لا يمكن لاي طرف ان يفشله. اين وكيف ومتى؟ في سياسات العهد الوطنية كان التفاهم في ذروته من التوازن في تشكيل الحكومات الى قانون الانتخاب الى مقاربة ملف النازحين السوريين. اما بواخر الكهرباء، فهي تفصيل في وزارة الطاقة لا يشرّف العهد، ان افضل خدمة قدمناها لهذا العهد هي اماطة اللثام عن الغموض والضبابية التي سادت مناقصات البواخر، حيث وقف اكثر من نصف الوزراء ضد الصفقة، فهل يعتبر عدم موافقتنا على هذه الفضيحة الكبرى للبنان محاربة للعهد؟ ابدا. ان مقاربة ملف الكهرباء منذ 10 سنوات، كارثة في حق لبنان، بشهادة كبار الاختصاصيين. حتى حزب الله اقرب المقربين الى الرئيس عون كان يصوت ضد هذه الصفقة في كل جلسات الحكومة. في المختصر، اتهامنا بعرقلة العهد هو غاية في التجني، كنا وما زلنا وسنبقى داعمين له، بعيدا من التفاصيل الوزارية التي تفوح منها رائحة الصفقات التي سنكون رأس حربة في المواجهة. وعلى قاعدة “الصبي ما فيه الا عاخلتو” يحصرون تهمة محاربة العهد بحزب القوات اللبنانية.
ماذا عن “حكومة الضرورة” التي تدعون اليها وتتهمون بأنكم تضغطون على الرئيس سعد الحريري للسير بها كونكم تدركون ان لا حكومة في المدى المنظور، بإيعاز خارجي؟ يؤكد جعجع ان العقبة الوحيدة الاساسية في تشكيل الحكومة داخلية، تتمثل بمحاولة تحجيم التمثيل النيابي الذي افرزته الانتخابات النيابية للقوات اللبنانية، وخلاف ذلك لا صحة له. الارقام اكدت ان ثلث الصوت المسيحي صب لمصلحة الحزب ما يفترض منطقيا حصوله على ثلث الصوت المسيحي في الحكومة. وها نحن نُحرم من هذا الحق. لا نريد الحصول على مقاعد من حصص اي فريق آخر ولا نتطلع الى تنازلات لمصلحتنا من اي كان. فليمنحونا حقنا الطبيعي ونقطة عالسطر.
اما حكومة الضرورة، فبعد مشاورات واتصالات قام بها وزراء ونواب والاختصاصيون في الحزب على مدى شهر تبين ان ثمة خطوات بالغة الضرورة يفترض اتخاذها اليوم قبل ان ينزلق البلد الى الهاوية السحيقة، ويبقى الحد الادنى من الثقة الدولية بلبنان. فليشكلوا الحكومة اليوم قبل الغد ولا لزوم لاي حكومة ضرورة، اما وفق المعطيات المتوافرة فلا اشارات الى تشكيل وشيك، وضروري اجتماع الحكومة على غرار التئام المجلس النيابي للضرورة الاقتصادية القصوى واتخاذ بعض الخطوات لوقف التدهور وليس لاعادة احياء الحكومة.
ويكشف جعجع عن اجتماع كتلة “الجمهورية القوية” بعد استكمال المشاورات، مطلع الاسبوع المقبل على الارجح لاتخاذ القرار النهائي في هذا الصدد نسبة للضرورة، ومنع انزلاق البلد نحو مزيد من التدهور. وعليه ستنطلق الكتلة في اتجاه جميع الكتل النيابية وصولا الى الرئيسين الحريري وعون.
وهل ستحملك الضرورة الى قصر بعبدا قريبا؟ في كل لحظة، يقول جعجع.
ويشدد رئيس القوات على ان الخروج من ازمة التشكيل يتطلب تدخل رئيس الجمهورية شخصيا واعطاء كل ذي حق حقه. اتمنى شخصيا على الرئيس الاقدام على هذه الخطوة لاحقاق الحق استنادا الى نتائج الانتخابات.
ماذا عن حزب الله ولماذا لا يتدخل: لا املك جوابا محددا لكن على الارجح ان الحزب منهمك بالوضع الاقليمي وانتباهه منصب على ما يدور على المستوى الاستراتيجي في ظل التطورات الدولية.
هل من جبهة رباعية بين القوات والمستقبل والاشتراكي وامل؟ لا جبهات، بل مشاورات بين افرقاء يلتقون حول وجهات نظر معينة كما حصل بالنسبة لجلسات تشريع الضرورة.
وبعيدا من اشكالية التشكيل، يتجه حزب القوات الى تتويج اتصالاته مع تيار المردة، بلقاء قريب على المستوى القيادي وفي وقت غير بعيد، بعدما قطعت الاتصالات اشواطا بعيدة جدا، يوضح جعجع، صفحة الماضي ستطوى، واخرى جديدة ستفتح قريبا جدا. اما العلاقة مع الكتائب فعادية.
ماذا عن مزاعم اسرئيل في شأن مصانع الصواريخ في بيروت والرد اللبناني عليها؟ يجيب جعجع: الوضع في المنطقة متفجر والصراع الدولي كبير جدا على محاور وجبهات عدة. في ظل كل ذلك، تبقى الاخراجات اللفظية، والخطوات الاعلامية الاستعراضية غير مفيدة، المطلوب من رئيسي الجمهورية والحكومة التعاطي بحذر شديد مع ما يجري وتنبيه جميع الاطراف من مغبة الاقدام على اي خطوة تدفع لبنان قيد انملة من الخطر. وعلى كل فريق تحمل مسؤولياته.
المركزية