… فجأة تحوّل ملف النازحين السوريين في لبنان «كرة نار» سياسية – أمنية تدحْرجت على خط «التوتر العالي» في عرسال ومخيّماتها، وبلغتْ طاولة مجلس الوزراء و«خطوط التماس» حولها، حتى بدتْ كأنها تعيد التموْضعات السابقة (بين 8 و14 آذار) على طرفيْ «الحرب الباردة» في الموقف من النظام في سورية و«احتمالات» التواصل معه من بوابة عودة النازحين الى بلادهم.
وثمة مَن يعتقد في بيروت أن الصعود المفاجئ لملف النازحين الى الصدارة كأنه القضية «رقم واحد» لم يكن مفاجئاً في ضوء ما اعتبرتْه أوساطٌ «أمر عمليات» يحاكي مجريات الميدان السوري ويرمي في جانبٍ أساسي منه الى إنهاء «الدفرسوار» الذي ما زالت تشكّله عرسال وجرودها على الحدود الشرقية مع سورية، الممسوكة من الجيش السوري و«حزب الله»، وذلك انطلاقاً من الوقائع الآتية:
• المفاوضات التي انخرط فيها «حزب الله» لإقناع المجموعات المسلّحة في جرود عرسال بالانسحاب مع عائلاتهم الى مناطق في الداخل السوري يتم التفاهم عليها في إطار «المصالحات الموْضعية» التي تتم.
• التقارير عن تحضيراتٍ لـ «معركة عرسال» في ضوء تَعثُّر المفاوضات، وسط ميْلٍ لرفعِ مستوى الضغط العسكري على المجموعات المسلّحة المحاصَرة عملياً من الجيشين السوري واللبناني و«حزب الله» على الحدود الشمالية – الشرقية بين البلدين.
• إعلان نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم وبلا مواربة أن «الوقت حان للتنسيق مع الحكومة السورية لتسهيل عودة النازحين طوعاً الى المناطق الآمنة داخل سورية».
عبر هذه الوقائع، وضعَ «حزب الله» ملف النازحين كأولوية كادت أن تتسبب بانفجار لغم التواصل مع النظام السوري على طاولة مجلس الوزراء لولا التفاهم بين رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري على إدارة الملفات الخلافية بعيداً عن التجاذبات بين الأطراف السياسية الممثَّلة في الحكومة.
وحيال الانقسام الذي برز بين الموالين للنظام السوري الذين يريدون «التنسيق معه في عودة النازحين»، وخصومه الذين يتمسكون بدور الأمم المتحدة كمرجعية في هذا الشأن، جرى التداول في بيروت بـ «مخرجٍ» من شأنه عدم إحراج الحكومة، ويتمثّل في اعتماد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم موفداً رئاسياً يمثّل عون ويتولى التنسيق مع دمشق بملفّ النازحين.
ولم يحجب الاشتباك السياسي حول هذا الملف الجدَل المتواصل في بيروت حول ملابسات وفاة أربعة سوريين من بين 350 آخرين كان الجيش اللبناني أوقفهم خلال العملية العسكرية التي نفّذها فجر الجمعة الماضي في مخيميْن للنازحين في محيط عرسال.
واشتعلتْ حملة واسعة من نشطاء وحقوقيين، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي ركّزت على أن الموقوفين الأربعة ماتوا تحت التعذيب، بعدما شككوا في الإجراءات التي اعتمدها الجيش وفي روايته عن وفاة هؤلاء، مطالبين بإجراء تحقيق مستقلّ لكشف ملابسات ما حدث.
وكان لافتاً أن الحريري تطرّق خلال جلسة الحكومة اول من امس الى وفاة السوريين الأربعة، مشيراً الى «علامات استفهام أثيرت حول ذلك لا بد من توضيحها، عبر فتْح تحقيق يكشف ملابسات ما حصل ويضع حداً للتساؤلات المطروحة».
وسط هذا المناخ «السجالي»، أوضح مصدر أمني رفيع رداً على سؤالٍ لـ «الراي» حول ملابسات ما جرى انه «خلال العملية العسكرية التي نفّذها الجيش اللبناني (يوم الجمعة) فجّر أربعة انتحاريين أنفسهم فتمّ نقل جثثهم بالتنسيق مع الصليب الأحمر الى المستشفى، وفي اليوم الثاني جرى التعرّف على هوية ثلاثة منهم، أما الرابع فكان أشلاء وتالياً تَعذّرتْ معرفة هويته».
وأشار المصدر الى انه «بعد استشارة القضاء جرى تسليم جثث هؤلاء لبلدية عرسال بإشراف النيابة العامة الاستئنافية وحضور الصليب الاحمر، فأمّنت البلدة مدافن للجثث الثلاث، وبقيتْ الأشلاء».
وروى انه «خلال العملية العسكرية أوقف الجيش 350 شخصاً للتحقيق معهم، وصودف ذلك في عطلة الاسبوع (السبت – الأحد) وكانت الظروف المناخية صعبة للغاية فدرجة الحرارة بلغت في البقاع 42»، لافتاً الى ان «الجيش طبّق المعايير الدولية في توقيف هؤلاء، إذ أُخضعوا لكشف طبي وتم توزيعهم على 9 مراكز توافرت فيها بيئة صالحة».
وتحدّث ان «الكشوفات الطبية بيّنت وجود 13 مريضاً نُقلوا الى مستشفى رفيق الحريري الحكومي في بيروت ومستشفيات مدنية في البقاع»، مشيراً الى ان «اربعة من هؤلاء توفوا في المستشفى وكانت ظروف وفاتهم طبيعية، إذ جرت معاينتهم من النيابة العامة والطبيب الشرعي».
وشرح المصدر في لقاء «دردشة» مع مراسلي الصحف العربية في بيروت، الواقع المعقّد في عرسال وجرودها، فهذه البلدة اللبنانية التي لا يتجاوز عدد قاطنيها من اللبنانيين أكثر من 40 ألفاً استقبلت 100 ألف نازح سوري في داخلها وبين جرودها يتوزعون على 110 مخيمات. وأضاف: «ثمة منطقة خارج سيطرة الجيش هي منطقة مدينة الملاهي وفيها 11 الف نازح، نعمل على مراقبة حركة المساعدات لها على النحو الذي لا يسمح للارهابيين بالاستفادة منها».
وأوضح انه «بعدما تكوّنتْ لدينا معطيات عن وجود إرهابيين داخل مخيمي القارية (محسوب على داعش) والنور (محسوب على النصرة) حاولنا القيام بعمليات مخابراتية جراحية إلا ان الوضع كان صعباً، فقررنا تنفيذ عملية عسكرية عملنا خلالها على تطويق المخيميْن، أخرجنا النساء والأطفال والعجزة ثم بدأنا بالتفتيش، وفوجئنا بأن 4 انتحاريين قاموا بتفجير أنفسهم».
وكشف المصدر ان «الجيش تَفاوض مع الانتحاري (الثالث) لمدة 10 دقائق لاقناعه بعدم تفجير نفسه لقُرب إحدى العائلات منه، وفي اللحظة التي كان يهمّ أحد العسكريين بإخراج طفلة عمد الانتحاري الى تفجير نفسه فقُتلت الطفلة وأصيب عسكريّ»، لافتاً الى ان «19 عسكرياً أصيبوا خلال العملية، 7 منهم ما زالوا بالمستشفى بينهم 3 بحال حرجة وهم مهدَّدون أقلّه بفقدان بصرهم».
(الراي)