محركات «التوربو» الحريرية تبدو وكأنها فُتحت على أقصى سرعتها، الرئيس المكلّف سعد الحريري يوحي باطمئنان كلّي بأنّ حكومته صارت قاب قوسين او أدنى من إبصارها النور قبل نهاية الاسبوع الجاري، فيما شهد لبنان يوماً المانياً، شكّل فيه النازحون السوريون بنده الاساسي، الّا انّ المحادثات الرسمية التي أجرتها المستشارة الالمانية انجيلا ميركل مع المسؤولين اللبنانيين، أظهرت انّ النازحين هم عنوان ازمة ومعاناة المانية ولبنانية، ولكن من دون ان تصل الى حلول جذرية لهذه الأزمة التي تثقل لبنان بما يقارب مليوني نازح بأعباء كبرى خارج قدرته على تحملها. يضاف الى ذلك الجرح النازف في منطقة البقاع التي يَستفحل فيها فلتان «الزعران»، وهو الامر الذي دفع الى ارتفاع اصوات تندّد باستفحال الفلتان، وتستعجل التدخل الحازم من قبل الدولة لإنقاذ المنطقة التي تكاد تبلغ حد إعلان العصيان.
الساعات الـ48 المقبلة قد تكون حاسمة على الصعيد الحكومي. وفي هذا السبيل قدّم الحريري بالأمس جرعة تفاؤل اضافية، بقوله: «أصبحنا قريبين من المعادلة الاخيرة». الّا انّ هذه الجرعة التفاؤلية، تبدو محدودة، كونها جاءت مشروطة منه بـ«اننا اذا أكملنا على هذا المنوال فبإمكاننا التوصّل الى تشكيل الحكومة في اسرع وقت ممكن».
هذا المناخ التفاؤلي، تُوِّج بالزيارة التي قام بها الحريري الى القصر الجمهوري ولقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. واللافت فيها انّ الرئيس المكلّف حرص على إشاعة أجواء تفاؤلية، لكن من دون اي اشارة الى المدى الزمني المُتبقّي لترجمتها بتوليد الحكومة الجديدة، وفي هذا السياق قالت مصادر الحريري لـ«الجمهورية» رداً على سؤال عمّا تردد عن إمكان ولادة الحكومة يوم غد: «انّ الجو ايجابي، لكن لا احد يستطيع تحديد وقت ولادة الحكومة». وكان لافتاً ايضا في السياق ذاته قول مصادر في «حزب الله» انّ الحزب لا يملك معطيات ايجابية حول تأليف الحكومة. مع الاشارة الى انّ إعلام الحزب أشار، نقلاً عن مصادر، الى انّ الايجابيات التي أبداها الرئيس المكلّف ما زالت شعارات.
تبعاً لذلك، يبدو خط التأليف ما يزال مفتوحاً على جولات جديدة من الأخذ والرد بين الرئيس المكلف وبين القوى السياسية التي تتصادم شروطها حول أحجام تمثيلها في هذه الحكومة، وكذلك حول نوعية الحقائب السيادية والخدماتية التي تطالب بها.
وقالت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات الجديدة حول الحكومة، انّ جولة المشاورات الجديدة أكدت نضوج ما نسبته نصف الطبخة الحكومية، وخصوصاً في الشق المتعلق بالقوى التي ستتمثل في الحكومة، والتي تشمل حتى الآن كلّاً من تيار «المستقبل»، «حزب الله»، حركة «أمل»، «القوات اللبنانية»، تيار «المردة»، «التيار الوطني الحر» إضافة الى حلفائه في تكتل «لبنان القوي»، والحزب التقدمي الاشتراكي، فيما لم تدخل دائرة الحسم الايجابي بعد الاصوات المطالبة بتمثيل الحزب القومي وحزب الكتائب وسنّة 8 آذار، حيث لم تعبّر ايّ من القوى الكبرى عن رغبة في الدخول في بازار المقايضة لتمثيل ايّ من هؤلاء السنّة.
واذا كانت الاجواء تشير الى الحسم شبه النهائي لحكومة من ثلاثين وزيراً، الّا انه لم يتم بعد حسم الحجم التمثيلي لبعض القوى فيها. وهو ما كان عَرضه بالأمس، الرئيس المكلّف على رئيس الجمهورية.
وكشف عاملون على خط التأليف عن محاولات متجددة في الساعات الماضية لتوسيع الحكومة الى 32 وزيراً، لتوسيع هامش التمثيل على ما يطالب به «التيار الوطني الحر»، ودعوا في هذا السياق الى التوقف عند الكلام الصادر عن رئيس الجمهورية أمس حول بعض الاقليات المسيحية. ولكن حتى الآن لم يكتب لهذه المحاولات عبور حاجز التعقيدات التي تعترضه.
وبحسب المصادر المواكبة لحركة الحريري، فإنّ الاجواء التفاؤلية، والقول انّ المشاورات وصلت الى المربّع الأخير لا يعنيان بأنّ مهمة الحريري لتوليد حكومته سهلة او ميسّرة بالكامل، وعلى حدّ قول مصادر سياسية معنية بحركة التأليف، فإنها المهمة الاصعب التي تتبدّى امام الحريري. ومن هنا، فهو سيتابع مشاوراته بالوتيرة السريعة ذاتها، على ان يدخل مباشرة الى حقل الالغام التي ما زالت مزروعة في طريق حكومته.
وعليه، ستتحرك قنوات اتصالاته مجدداً في اتجاهات مختلفة، بدءاً بعين التينة حيث ينتظر ان يقوم بزيارة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري ربما اليوم. وقد استبق بري لقاءه بالحريري، بالتأكيد على استعداده الحضور شخصياً في اي محاولة لتسهيل مهمة الرئيس المكلّف. وكذلك في اتجاه «القوات» تحديداً، سواء لحسم حجم تمثيلها في الحكومة او الحقائب الوزارية التي ستسند إليها.
الجمهورية