شكّل سحْب البند 24 المتعلّق بتمديد مهلة تسجيل المغتربين في السفارات والقنصليات حتى 15 فبراير المقبل (بما يسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة في 6 مايو المقبل) من على طاولة اجتماع مجلس الوزراء اللبناني، أمس، إشارة متقدّمة إلى «صمود» قرار الفصْل بين «العاصفة» السياسية التي دهمتْ البلاد منذ انفجار «حرب المرسوم» على خط رئاستيْ الجمهورية والبرلمان وتَحوُّلها «ولّادةَ أزماتٍ متشابكة» وبين عمل الحكومة التي تُعتبر «مؤشّر الحياة» بالنسبة إلى التسوية الكبرى التي كانت وفّرتْ إنهاء الفراغ الرئاسي في نهاية اكتوبر 2016 والتي «نجتْ» من اختبار هو الأصعب مع استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في 4 نوفمبر الماضي (من الرياض)، قبل أن يعود عنها بموجب «ملحق» للتسوية عنوانه «النأي بالنفس عن أزمات المنطقة وعن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية».
ومنذ التئام جلسة مجلس الوزراء في السرايا الحكومية برئاسة الحريري، ساد «حبْسُ أنفاسٍ» حيال مآل بنْد طلب تمديد مهلة تسجيل المغتربين التي كانت انتهتْ في 20 نوفمبر الماضي الذي تَقدّم به وزير الخارجية (رئيس «التيار الوطني الحر») جبران باسيل، ولا سيما بعدما سرتْ مَخاوف من أن يشكّل «لغماً» قد ينفجر بالحكومة التي اجتمعتْ على وهجْ بلوغ «المواجهة» بين رئيسيْ الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري سقفاً غير مسبوق، على خلفية أزمة مرسوم منْح سنة أقدمية لضبّاط دورة 1994 في الجيش والتي سرعان ما اكتسبتْ أبعاداً سياسية ودستورية وطائفية وصولاً إلى بروز «إسقاطات» لها ذات صلة بنظام الطائف وتوازناته.
ومع قرار «سحْب فتيل» بند مهلة تسجيل المغتربين وإحالته على اللجنة المكلفة متابعة تطبيق قانون الانتخاب على أن يُبت الاثنين، بدا واضحاً، حسب أوساط سياسية، أن جميع الأطراف ولا سيما رئيس الحكومة يتهيّبون تحويل مجلس الوزراء «كيس ملاكمة» في غمرة الاستعدادات لعقد 3 مؤتمرات دولية لدعم لبنان ابتداءً من نهاية فبراير، ناهيك عن «السوريالية» التي قد يَظهر عليها أي واقع يفضي الى انهيار الحكومة – ركيزة التسوية السياسية – بفعل «حرب الحليفين» لـ«حزب الله»(عون وبري) ولو أن«تاريخاً من الودّ المفقود»يربط بينهما.
ولم يكد«تفكيك صاعق»بند المغتربين أن يتمّ في أعقاب الخشية من مشهدية«حامية»بحال طُرح الامر على التصويت (لم يكن يملك الأكثرية المطلوبة) بما يكسر منطق التوافق المعتمَد أو بحال انسحب وزراء بري، حتى تعاطتْ أوساط سياسية مع هذا التطوّر على أنه تعبير عن«تَوازُن سلبي»في سياق«حرب الرئاستيْن»التي ذهب عون في سياقها إلى تأكيد أن«المساس بسلطتنا (صلاحياتنا) أمر غير مقبول… ولا غالب ولا مغلوب أمام القضاء، لأنه ينطق بالحق».
ووفق هذه الأوساط، فبعدما بات مرسوم الأقدميّة «وراء ظهر» عون، لا سيما في أعقاب رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل الذي جاء ليؤكد موقفه بعدم الحاجة الى توقيع وزير المال (شيعي من فريق الرئيس بري) لـ «عدم الاختصاص»، أتت إعادة طلب تمديد مهلة تسجيل المغتربين إلى اللجنة الوزارية بمثابة «نقطة» لمصلحة بري الذي قاد حملة الاعتراض على هذا البند، انطلاقاً من رفْضه أي تعديل على قانون الانتخاب، معلناً أن«التعديلات صارت وراءَنا ولا يمكن أن تمرّ تحت أيّ ظرف أو عنوان»، وأبواب البرلمان لن تُفتح أمام أي تعديل قد يجرّ مطالبات بتعديلات أخرى ستفتح الباب أمام تطيير الانتخابات برمّتها.
كما لاحظتْ الأوساط أن سحب البند 24 جاء ليسكب بعضاً من المياه الباردة على علاقة الحريري ببري الذي كان سجّل عبر أوساطه امتعاضاً إضافياً من رئيس الحكومة على خلفية إدراجه طلب باسيل تمديد مهلة تسجيل المغتربين على طاولة مجلس الوزراء، رغم الاعتراض الذي برز عليه في اللجنة الوزارية، وذلك بعدما كان توقيع الحريري مرسوم الأقدمية الى جانب عون أثار استياء رئيس البرلمان «المتحسس» أصلاً من «الحلف» بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة والرافض أي محاولةٍ لاستعادة «ثنائياتٍ» على حساب المكّون الشيعي.
وكان بارزاً ملاقاة رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط مواقف بري ومخاوفه، إذ وبعدما أعلن الوزير مروان حماده انه حضر الى مجلس الوزراء «للتضامن مع الرئيس بري»، غرّد جنبلاط بأن «البعض ذاكرته ضعيفة أو ربما يراهن على معادلات دولية جديدة، أو على حسابات انتخابية كيدية. مهما كان الأمر فإنني أحذّر من المحاولات المتنوعة لمحاولة تهميش أو الاستفراد بالقرارات أو العودة الى ثنائيات قديمة. أما وأن النظام طائفي فليكن التشاور هو الحكم في أخطر مرحلة من تاريخ المنطقة».
وكان الحريري قال في مستهلّ الجلسة «إن كل الأمور المطروحة يمكن ايجاد الحلول لها من خلال التحاور والنقاش الهادئ، وليس بانتهاج المواقف الحادة والحملات التي تؤدي الى ردات فعل من هنا وهناك وخلاصتها إلحاق الضرر بالمواطن ومصالح الناس».
يُذكر ان الجلسة حضرت فيها إشكالية أثارتْها وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية عناية عزّ الدين وتتصل بأن «هناك محجبات تقدمن لوظائف في القطاع العام فطلب منهن إزالة الحجاب»، معتبرة ان هذا الأمر«يتناقض مع الحريات الشخصية والدستور»، قبل ان يصدر رئيس الحكومة تعميماً بعدم منع المحجبات من حق حصولهنّ على الوظائف العامة.
(الراي)