خاص Lebanon On Time – جوزاف وهبه
“لو كان يعلم” الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أنّ العالم سيهتزّ، من حرب بوتين على أوكرانيا، إلى طوفان الأقصى وحرب غزة، إلى التداعيات المحلية والإقليمية والدولية في الجنوب اللبناني وفي البحر أحمر، وصولاً إلى إنتفاضة جبل الدروز ضدّ بشار الأسد في سوريا، ربّما لما تجرّأ على التوريث المبكر لنجله تيمور الذي ما أن دخل السياسة حتى اشتعلت النيران من حوله بلا هوادة، ومن جميع الجهات، دفعة واحدة!
وما كان للزعيم الدرزي أن يستشعر كلّ هذه المخاطر لولا انغماس الطائفة الدرزية في كلّ أماكن تواجدها في أتون الحروب المشتعلة:
في إسرائيل، الجنود الدروز يقاتلون في صفوف الجيش الإسرائيلي ضدّ ما تحاول إثباته أفريقيا الجنوبية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بأنّه “حرب إبادة” بحقّ الشعب الفلسطيني الذي خاض جنبلاط الأب (الشهيد الراحل كمال في زمن الحركة الوطنية) وجنبلاط الإبن (في مواجهة القوى المسيحية أبّان الحرب الأهلية) لأجلهم كلّ أنواع الحروب الداخلية، ولو على حساب السيادة والوحدة الوطنيتين، دفاعاً عن القضية.
في سوريا، يقود مشايخ السويداء إنتفاضة ولو متأخّرة ضدّ نظام بشار الأسد، وهو العدو التاريخي لآل جنبلاط منذ اغتيال مؤسّس الحزب التقدمي، ومنذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومنذ قمع الثورة السورية السلمية قبل أن تتناهشها داعش وباقي التنظيمات الإسلامية والدول المجاورة.
في لبنان، الطائفة الدرزية لا تحبّذ زجّ البلد في حرب لن يخرج منها سليماً معافى، وهو أصلاً يعاني من أزمات إقتصادية وماليّة وإجتماعية عميقة.الطائفة الدرزية لا تريد أن تكرّر تجربة الحرب الأهلية وانعكاساتها على الجبل الذي شهد مصالحة تاريخية برعاية البطريرك الراحل صفير.لا أحد في الطائفة يريد أن يفرّط بهذه المصالحة، ولكنّ وليد جنبلاط يعي بأنّه لا يستطيع أن يعبّر بوضوح عن هذه الحالة الدرزية، ما يجعله على تناقض حادّ مع حزب الله ومع الطائفة الشيعية…فما العمل؟
منذ اللحظة الأولى لعملية “طوفان الأقصى” لم يتردّد “وليد بك” في مبايعة حماس، وعن يسار حزب الله إذا صحّ التعبير، داعياً الى “الكفاح المسلّح” مع إدراكه بأنّ هذه الدعوة لا تتماشى مع قتال أبناء طائفته جنباً الى جنب مع الجنود الإسرائيليين، وبأنّها ستثير بوجهه تساؤلات السفارات الغربية، كما يمكن لها أن تشكّل “نقزة” لدى السعودية ودول الخليج..عدا عن أنّ التماهي مع الحزب قد يثير حفيضة أهله في السويداء المنتفضين ضدّ الأسد المدعوم من إيران وحزب الله!
وليد جنبلاط يعتبر أنّ حماية الطائفة في لبنان هي المدخل الى حماية بقية التجمعات الدرزية في المنطقة، ولذا لا بدّ من بعض التنازلات ومن بعض الإستدارات في الساحة اللبنانية سعياً الى طمأنة الحزب في لحظة إستنفاره القصوى.لذا لا ضرر من العشاء العائلي مع مرشحهم سليمان فرنجية، ولا مانع من اللقاء مع حليفهم المير طلال إرسلان، وربّما يستعدّ للقاءات وزيارات مماثلة في قادم الأيام، مؤمناً بأنّ التوازنات التي سيخرج بها، في الأخير، الصراع الدائر هي التي ستحدّد الرابحين والخاسرين، ولن يغيّر حينها في طبيعة الوقائع عشاء من هنا أو لقاء من هناك!
“البك” الذي اختار، ذات مرّة، الإنتظار على ضفّة النهر حتى يشهد مرور جثّة عدوّه، لن يجد حرجاً في الانتظار في الوقت الضائع كي لا تلفحه (أو تلفح أيّ مكوّن من مكوّنات الطائفة) العواصف العابرة عبور فرط الصوت!