هؤلاء يقرأون الأحداث الأخيرة على الساحات الإقليمية بكثير من الاهتمام:
1 – خطوة تلو خطة، تمكّن الإيرانيون من إحكام سيطرتهم على معظم القرار في دول «الهلال الشيعي»:
– في العراق، تمّ إنهاء نفوذ «داعش» والأكراد لمصلحة حلفاء طهران.
– في سوريا، يتمّ إنهاء «داعش» وإنهاك المعارضة في مقابل تقوية الرئيس بشّار الأسد وتوسيع بقعة نفوذه.
– في اليمن، خاصرة المملكة العربية السعودية، العاصمة صنعاء تحت النفوذ الإيراني.
– في لبنان، «الكلمة الفصل» تعود في النهاية إلى «حزب الله».
وهذا الواقع سمح للرئيس الإيراني أن يقول، من دون تبجّح أو مزايدة، إنّ القرار في هذه الدول ودول شمال إفريقيا لم يعد ممكناً أن يخالف الإرادة الإيرانية.
2 – هناك قوى مختلفة متضررة من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. وهناك تقاطع مصالح بين هذه القوى في المرحلة الراهنة على التصدّي للتمدد الإيراني، وإن تكن الحسابات والأهداف الأخيرة متباينة أو حتى متضاربة في التعاطي مع إيران ومشاريعها بين كل من هذه القوى:
– إدارة الرئيس دونالد ترامب تبحث عن توازن أكبر للمحاور في الشرق الأوسط: إسرائيل- السعودية- طهران- تركيا… وهي آخذة بالتشدّد في التعاطي مع «حزب الله» بصفته جزءاً من مشروع النفوذ الإيراني.
– إسرائيل لا يستفزّها أن تكون إيران قوية في الخليج العربي، وأن يكون هناك توازن رعب بين المحورين السنّي والشيعي في الشرق الأوسط، لكنها ستتصرف لمنع تَحوّل المنطقة الممتدة من طهران إلى شاطئ المتوسط تحت النفوذ الإيراني، أي أن تصبح طهران النووية عند الحدود مع إسرائيل. وهنا يلتقي الهدفان الأميركي والإسرائيلي على منع التمدد الإيراني.
– المحور السعودي يستفيد من الضغط الأميركي لاستعادة التوازن الذي اختلّ في مرحلة سابقة، وخصوصاً خلال حكم الرئيس باراك أوباما، لمصلحة إيران. وهو اليوم في صدد استنهاض القوى القادرة على مواجهة مشروع الربط الإيراني: طهران- بغداد- دمشق- بيروت.
في هذا السياق، يمكن التعمّق في طبيعة التصعيد الذي يعبِّر عنه السعوديون، والذي استدعى أن يترك الحريري كل ارتباطاته ومواعيده في بيروت ويلبّي الدعوة العاجلة من الرياض، مدعومة بتغريدات الوزير ثامر السبهان الداعية إلى مواجهة «حزب الله».
في الموقف السعودي من طهران، هناك ملاحظة يجدر التوقف عندها، من حيث الشكل على الأقل. فحتى اليوم، يبقى السبهان وحده حاملاً لواء التصعيد الإعلامي المباشر ضد «حزب الله»، وعبر «تويتر».
ولكن، لم يظهر أي موقف سعودي، عن العهد أو وليّ العهد القوي الأمير محمد بن سلمان أو الحكومة السعودية في هذا المجال. وعلى رغم تأكيد السبهان أنّ موقفه «ليس شخصياً»، وعلى رغم أنّ الرياض استدعَت الحريري فعلاً لتحذيره من المضيّ قدماً في التنازل لـ«حزب الله»، فإنّ أيّ موقف سعودي رسمي في هذا الشأن لم يصدر حتى اليوم.
هذا الصمت الرسمي السعودي يفسِّره بعض المتابعين بالآتي:
– هناك حاجة للاستماع إلى الحريري وشروحاته ومدى مشروعية تبريراته للخطوات التي يمضي بها في تعاطيه مع «حزب الله»، وعمّا إذا كانت فعلاً تشكل تنازلاً استراتيجياً أم هي للتكتيك السياسي ضمن الضرورات السياسية اللبنانية الداخلية.
ويعتقد هؤلاء أنّ الحريري قدَّم هذه الشروحات للأمير محمد والوزير السبهان، وأنّ نتائج الاستماع إليه كانت مُرضية. فهو لن يذهب إلى تطيير الحكومة وتفجير الاستقرار لأنّ ذلك يشكّل مخاطرة قد تكون أكلافها أكبر من مكاسبها، سواء للحريري نفسه أو للسُنّة في لبنان أو للمحور السعودي. لكنّ الحريري لا بدّ أنه سيكون أكثر تشدداً في الخطوات التالية تجاه «الحزب» والتطبيع مع نظام الأسد.
2 – السعوديون أنفسهم يفضّلون استخدام جرعة تصعيد ضد إيران لا تتجاوز الحاجة. فهم يريدون أن يطمئنوا إلى أنّ المواجهة الدولية – الإقليمية مع إيران ستستمر وتأتي بالنتائج التي تناسبهم.
ولذلك، على الأرجح، ترك السعوديون للسبهان أن يصعِّد سياسياً من خارج مؤسسات الحكم، فيما يتمّ التعاطي بهدوء وحَذر أكبر داخل المؤسسات الرسمية. فإذا اقتضَت المصلحة، يمكن وقف التصعيد والتحوّل إلى المبادرات الإيجابية.
إذاً، قد لا يذهب الحريري – في هذه المرحلة على الأقل- إلى إسقاط الحكومة. لكنه سيكون أكثر «مُمانعة» لنهج «حزب الله» وللتطبيع، وسيحرص على ألّا تأتي الانتخابات لمصلحته، بعد أشهر، ويتخذها خصومه ذريعة لإبعاده عن موقعه، فيعود إلى وضعية ما قبل التسوية الرئاسية.
لذلك هو محشور، ومعه السعوديون العالقون بين خيار الاستماع إليه وإبقائه يعالج الخصوصيات اللبنانية على طريقته وخيار التصعيد إلى حدّ السعي إلى قلب الطاولة والأوراق، مع ما يقود إليه هذا الانقلاب من تداعيات على الأرض.
البعض يقول: في هذه الحال، لن يجلس «حزب الله» منتظراً أيار 2017، موعد الانتخابات للردّ على الانقلاب. وقد يلجأ إلى ما يشبه أيار 2008، ولو سياسياً. ولكن، هل هناك حاجة إلى تكرار 7 أيار 2008 في ظل عهد الرئيس ميشال عون؟