جهاد العشي –
بات من المؤكد أن واشنطن لا تزال تنظر إلى النظام العالمي على أساس أنه في مرحلة الأحادية القطبية، من دون الإعتراف أن هناك أقطاب دوليين وإقليميين جدد ينبغي التعامل معهم، في ما هي لا تزال ترى أن النقاش ينبغي حول قيادتها العالم أو الهيمنة عليه فقط لا غير.
وجهوزيتها اصبحت علنية لتنفيذ عما تخطط له لمستقبل المنطقة خصوصا في الازمة السورية، ويأتي ذلك بالتزامن مع المناقشات التي قام بها المسؤول العسكري الأول في الولايات المتحدة وزير الدفاع جايمس ماتيس خلال جولته على دول المنطقة التي ستشارك في الخطط المنوي تنفيذها على أرض الواقع.
وان التوجه الأميركي في المنطقة لم يتغير منذ غزو العراق وإسقاط صدام حسين والسيطرة على الثروات وزرع بذور الفتنة بالطائفية والمذهبية، لكن في الحالة السورية هناك اختلاف كبير في ظل الوجود الروسي الذي لا تريد الادارة الاميركية الصدام معه، انما تسعى إلى إحتوائه من خلال تقسيم الغنائم والثروات كما حصل في العراق وليبيا،وهذا ما اكده وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، عندما دعا موسكو الإلتحاق بالتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وصون مصالحها في سوريا.
كما تسعى الادارة الاميركية الحالية الىتقسيم دول المنطقة الى مناطق نفوذ مذهبية أو عرقية على أنقاض تنظيم “داعش”، على أن يتم تسليمها إلى سلطات محلية تتحول فيما بعد إلى جزء من دولة فيدرالية لا تلبث أن تطالب أقاليمها بالإنفصال في مرحلة لاحقة، “وهذا ما يحصل اليوم مع إقليم كردستان في العراق الذي يريد طرح إستفتاء للإستقلال عن الحكومة المركزية في بغداد”.
اذا الخطة القديمة الجديدة اصبحت على قاب قوسين وواضحة وعلنية وعلى مستوى عالٍ من الجهوزية ولا مشكلة لديها بالتدخل عسكرياً بصورة مباشرة لتحقيق الأهداف، وتسعى للتعاون مع بعض الدول الإقليمية التي تتشارك معها في الغاية نفسها،والتي تتضمن القضاء على تنظيم “داعش” داخل الأراضي السورية، والسعي الى إتفاقات هدنة تعقد بين الحكومة والمعارضة، ثم المرحلة الانتقالية لدفع الرئيس السوري بشار الأسد فيها للتخلي عن السلطة، كذلك العمل على تنظيم الحياة العامة بعد إنتهاء الفترة الإنتقالية.
كما انه يتم العمل الان على بناء مناطق نفوذ وهي التي يتم التعبير عنها بإسم “المناطق الآمنة”، التي يبدي ترامب الإستعداد لها وتنقسم الى اربع مناطق، وهي شمال الموصل من سنجار مروراً بالحسكة حتى تل أبيض (منطقة نفوذ كردية)، كذلك غرب الفرات من الرقة حتى البوكمال والتنف وصولاً للأنبار غرباً، وجزء من محافظة نينوى شمالاً وتشمل البادية السورية (منطقة نفوذ عربية)، وايضا من شرق الفرات مروراً بالريف الحلبي حتى الريف الادلبي على طول خط الحدود مع تركيا، بعد شمول الاتفاق الروسي الأميركي جبهة “النصرة” (منطقة نفوذ لفصائل المعارضة القريبة من الحكومة التركية)، اضافة الى الجنوب السوري من حوض اليرموك حتى الجولان السوري المحتل (منطقة نفوذ يتداخل فيها الدور الإسرائيلي مع أدوار لبعض الدول العربية أبرزها الأردن).
وبذلك تحاصر اميركا النفوذ الإيراني على مستوى المنطقة وتعطي دوراً للروس بالنسبة لمصالحها، تحديداً في اليمن وسوريا والعراق، من خلال إستغلال الخلافات القائمة بين ايرانوالدول العربية وهذا يؤدي الى إضعاف الاسدبعد إبعاد حلفائه عنه، ولكن يبدو ان هذا الأمر لن ينجح مع موسكو لأنها الحلقة الأقوى في الردّ على هذه الخطة، التي دخلت في الأصل الحرب السوريّة لإسقاطها، ولا يمكن لها القبول بدور ثانوي تحت المظلّة الأميركيّة بعد أن وضعت نفسها في إطار “الناظم العام”، وتشير إلى ردّ نائب رئيس لجنة مجلس الاتحاد الروسي لشؤون الأمن والدفاع فرانس كلينتسيفيتش على دعوة جونسون بأن على تحالف واشنطن الانضمام إلى بلاده وحلفائها لا العكس، وانه لا يمكن “لروسيا التخلي عن حلفائها في هذه المرحلة لأن هذا الأمر يعني العودة سنوات إلى الوراء”.