ماذا بعد استقالة الحريري ؟
بعيداً عن الضجيج والعجيج، وبعيداً عن شطحات الخيال «التصوري» الذي يمتاز به اللبنانيون على الجملة، والذين لا يحسبون أنفسهم الا من أهل «الكشف» أو الاتصال «بالعقول الفعالة» العالمة والمحيطة بدقائق الأمور قبل الحدث وبعده، بعيداً عن كل ذلك، كيف يمكن النظر إلى استقالة الرئيس سعد الحريري، غير المفاجئة، للذين كانوا يتتبعون مراحل ما قبل التسوية السياسية وما بعدها، امتداداً إلى الانتخابات النيابية؟ وما هو السياق المرتقب بعد الاستقالة؟
بداية، تجدر الإشارة إلى ان الاستقالة بحد ذاتها، وضعت حداً فاصلاً بين مرحلة ومرحلة، وأنهت أو أسقطت بالضربة القاضية، جملة تحليلات، كانت أشبه بالتسويقات أو النزهات على مسرح ما يعرف «بالمعلومات وليس بالتحليلات»، والتي بدا أنها كانت أشبه بعملية «غسل دماغ» أو استغراقات في شطحات الخيال.
مما كان يروى، وعلى ألسنة المصادر «النيابية المواكبة» مرّة، والمطلعة حيناً، والعليمة أو المقربة مرّة ثالثة، ان الرئيس الحريري «نجح بتحييد لبنان عن الخلاف القائم بين المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي مع حزب الله»..
وفي الرواية إياها ان ذلك حصل.. «بعدما ثبت لديهم ان الحزب لن يتراجع عن تنفيذ ما هو مطلوب منه إيرانياً..، وهو زعزعة الاستقرار في الدول العربية..».
وبعيداً عن التوصيفات، بين «طفح الكيل» وكان لا يمكن الاستمرار في سياسة التغطية وتقديم التنازلات، وما قيل أو يقال، سواء على هذه الضفة السياسية أو تلك، فإن السياق، الذي جاءت في إطار احداثه الاستقالة، تجعل المراقب يتوقف عند الوقائع التالية:
1- أن استقالة حدثت في 4/11/2017، وأن الاستقالة جاءت على لسان رئيس الحكومة، نفسه، بمعزل عن المكان أو الحيثيات، وعليه، استناداً إلى المادة 69/د، التي تتحدث صراحة عن أن الحكومة تعتبر مستقيلة في الحالات التالية:
أ- إذا استقال رئيسها.
فرئيس الحال استقال إذاً الحكومة تعتبر مستقيلة، ولا حاجة بالتالي لاستقالة خطية، لأن المادة لا تنص عليها، وهي تنص على حالة لا يمكن معها في حال من الأحوال، تقديم استقالة خطية..
2- في السياق، يتحدث رئيس الحكومة المستقيل عن حيثيات الاستقالة، من دون ان يعلن عن استقالته من المواجهة أو من الحياة السياسية، فهو يُشير إلى إيران مباشرة التي «لا تحل في مكان الا وتزرع فيه الفتن والخراب ويشهد على ذلك تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية»، بدافع «حقد دفين على الأمة العربية ورغبة جامحة في تدميرها». (من بيان الاستقالة).
وبالنسبة لحزب الله، الذي يضع «يده في يدها»، ويسعى إلى خطف لبنان من محيطه العربي والدولي، وهو يسميه مباشرة، ويصنفه بأنه «الذراع الإيراني في لبنان والدول العربية»، وهو يوجه سلاحه إلى «صدور اخواننا السوريين واليمنيين، فضلاً عن اللبنانيين».
وقال انه لا يمكن قبول «تهديد الأمن العربي من لبنان تحت أي ظرف»، مشيراً إلى انه لن يخذل «اللبنانيين أو اقبل بما يخالف مبادئ 14 آذار».
وختم الحريري، بعد إعلان استقالته انه علم «ان إرادة اللبنانيين اقوى وسيكونون قادرين على التغلب على الوصاية»..
سياق الاستقالة واضح: تغيير قواعد اللعبة، هي، بصرف النظر عن الأسباب المباشرة، سواء التي تتعلق بما سمعه أو قاله في السراي الكبير علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الخامنئي، او ما يدور في فلك الغيوم المحيطة بالتسوية، بعد خطاب الرئيس ميشال عون في ذكرى سنة أولى على عهده، أو تفاعلات التصريحات والسجال المشتعل بين الوزيرين جبران باسيل ونهاد المشنوق، تصب في احداث خلل في الستاتيكو، المتعلق بمعادلة ان الرئيس الحريري وكتلته النيابية وتياره السياسي، يخرجون من التسوية التي تشكّل غطاءً سياسياً مريحاً لحزب الله، لوجوده في البرلمان وحكومة ومؤسسات الدولة، وفي الوقت نفسه يقاتل خارج لبنان، لا سيما دوره التدريبي، والتحريضي وغيره في اليمن بمواجهة المملكة العربية السعودية..
استقالة الحريري، هي خطوة هجومية، هي محاولة، لإعادة ترسيم حدود العلاقة الداخلية مع حزب الله، وبالتالي موقع الحزب في المعادلة المفتوحة على المعادلات الإقليمية والدولية..
المسألة، لا تتصل بتفاصيل أخرى، لها علاقة بالمستقبل السياسي أو غيره، المسألة أبعد بكثير، هي محاولة، غير مخفية الأهداف، تأتي في سياق حملة أكبر تستهدف الحزب، في محاولة لاضعاف النفوذ الإيراني..
الجديد في الموقف، أو المتغير القوي، هو ان لبنان لم يعد «واحة استقرار» هناك مرحلة انتهت، هو في قلب الاشتباك العربي – الإيراني، والإيراني – الأميركي، والسوري – محور حزب الله – الإسرائيلي..
تتحدث صحيفة «اندبندنت» اللندنية عن ان التطورات السورية الميدانية، بعد احداث الجنوب السوري، والرقة قد تقود إلى حرب بين إيران (التي تحرّك مجموعات شيعية عراقية وحزب الله في سوريا) وإسرائيل، تكون مسرح عملياتها لبنان وسوريا..
ما المتوقع، أو ماذا بعد سياسياً؟
يراهن «حزب الله» المعني مباشرة بالمواجهة على قيادة الرئيس عون، الذي أظهر بعد انقضاء سنة على عهده انه ما «زال على رؤيته ومواقفه التي كان يحملها قبل وصوله إلى بعبدا وأكدها في خطاب القسم، لا سيما لجهة ان القرار لن يكون لأي جهة داخلية أو خارجية في ما يخص المسائل الداخلية أو السياسة الخارجية».. (وفقاً لمصادر حزب الله)، وهو أي الرئيس عون، بعد كلمة السيّد حسن نصرالله، الأمين العام للحزب مساء أمس، سيتلمس طريقه، باصدار مرسوم قبول الاستقالة، والدعوة إلى استشارات ملزمة، لتكليف شخصية جديدة تشكيل حكومة، ستكون بالتأكيد «حكومة مواجهة»..
هل سينجح الرئيس، أم تشكّل حكومة أم ان الأزمة ستستمر: لا جواب ممكناً في المدى المنظور، فحراك المنطقة وخيارات الدول لها الكلمة الأولى؟!
عن جريدة اللواء