أحمد الغز:
دخل لبنان مرحلة من التحولات الموجعة والقاسية على الجميع، وكل محاولات المعالجة التي بادر إليها الكثيرون لن تؤدي إلى الغاية المنشودة، لأن ما حدث اعقد من ان يبسط بما هو حدث عابر او خطأ من هنا او هناك، وتبسيط الأمور المعقدة سيؤدي إلى التسطح والتعثر الذي وقعنا فيه مرات ومرات خلال تعاملنا مع القضايا المصيرية وكانت النتيجة هي الدخول في متاهة عميقة قوّضت استقرارنا ودمرت لبنان، وان أبسط قواعد التعامل مع هذه التطورات هو مراجعة سابقاتها والتعامل مع هذه الأحداث على قاعدة خطورتها على الدولة والنظام العام.
إن كل الاستقطابات الطائفية والمذهبية والمناطقية والاصطفافات الارتجالية والتغريدات الغوغائية ستؤدي كسابقتها إلى الخراب والدمار، وستحاول الفتنة ان تجد طريقها إلى بيروت المدينة وتحويلها إلى ساحة نزاع وانقسام كما حصل في كل الفتن السابقة، لما تمثله بيروت المدينة من مساحة وحيدة للشراكة الوطنية الحافظة لفكرة الدولة الوطنية على امتداد ١٠٤٥٢ كلم٢، وغير القائمة حتى الان سوى على ١٨ كلم٢ وهي مساحة بيروت الجغرافية منذ المتصرفية ١٨٦٠ إلى ١٤ شباط ٢٠٠٥، ودولة بيروت المدينة هي الحاضنة الوحيدة لفكرة الدولة الوطنية المستحيلة والمجتمع اللبناني الواحد على اساس المواطنة بعيدا عن الطوائف والمذاهب والمناطق دون تمييز او إقصاء.
المكونات اللبنانية تعاني من انفصام في الشخصية الوطنية مع جنون تعدد الهويات الدينية والمذهبية والمناطقية واوهام التعددية الثقافية الفرنكوفونية والانكلوسكسونية والبيزنطية والعثمانية والفارسية والانشقاقية والمشرقية والعربية والمحكية، ويسمون ذلك التشتت والضياع خصوصيات تكوينية، والحقيقة هي ان كل المكونات تحتاج إلى عملية إنقاذية وذلك لا يكون الا بتجديد المواطنية في دولة بيروت الحرة حيث نجحنا بالانصهار في لبنان الدولة والمجتمع كأفراد مهاجرين هاربين من ظلم مناطقنا وطوائفنا، وانتظمنا في مجتمع المدينة والمؤسسات الرسمية والتربوية والعلمية والمهنية والإنتاجية والقانونية، وعرفنا السكينة والامان بين أهلها وسكانها وفي أحيائها إلى ان اجتاحت الطوائف والقبائل بيروت المدينة وتحولنا من مواطنين أسوياء إلى رهائن لقطاء في حظائر طوائف لبنان.
لا أحد يمتلك حق الترف في التحليل والتأويل عن التدخلات الإقليمية والدولية في الأحداث لأنها شديدة الوضوح وتستهدف الجميع بدون استثناء، وسيكون لها تداعياتها على الارض والكيان والإنسان في لبنان، ومن غير المقبول الاستغراق بالرهانات الحمقاء على من سيربح ومن سيخسر، لان الخسارة ستكون عابرة للطوائف والمناطق والأحزاب والافراد، ومن المعيب ان نجلس على مقاعدنا كل مساء نتفرج على ضياع لبنان وكأننا غرباء ولا نشعر بالمسؤولية والخطر يدق كل الأبواب ويهدد بضياع مستقبل الأجيال الصاعدة كما ضاعت من قبل في نفس المتاهة اجيال واجيال.
ايها اللبنانيون الضعفاء الودعاء المسالمون الأبرياء، تعالوا إلى كلمة سواء نحاول من خلالها إنقاذ لبنان من الفتنة والخراب وتجديد الالتزام ببيروت القدوة والنموذج في الوحدة الوطنية والدولة المدنية، وبالتسامح والغفران مع كل الطوائف والمناطق، ونمنع وصول الفتنة إلى بيروت السكينة والأمان والخلاص لكل اللبنانيين من الاحقاد والعصبيات وعاصمة التسامح ونكران الذات، وتعالوا نتوب إلى بيروت ونسألها عن سر الصفح والنسيان وكيف تجاوزت العنف والأحقاد والاغتيالات والارتكابات بحق الإنسان والعمران، ونتعلم من بيروت سر التآلف والتنوّع وقبول الاخر وتجديد المجتمعات والسعي الدائم للتألق والنجاح وكيف هزمت بيروت الدولة المدينة الطوائف وانتصر لبنان.
ahmadghoz@hotmail.com