أحمد الغز:
تعالوا نبكي على أنفسنا وعلى شعوبنا ودولنا، ونرتدي أثواب الحداد على النخب والقضايا والأفكار، وتعالوا نحطم كل مرايا الغرور والأوهام فلقد بتنا نخجل من وجوهنا الحمقاء بعد ان اطلنا النظر الى الوراء، واطفئوا الأنوار فالظلمة في قلوبنا السوداء لا تحب الضياء، وتعالوا نحرق كل المدارس والجامعات بعد ان فشلت في إخراجنا من قبليتنا وتخلفنا وعصبياتنا العمياء التي منعتنا من الانصهار العام في دولة ومؤسسات، وتعالوا نلغي المهرجانات والأفراح والإحتفالات فنحن لا يطربنا سوى أزيز الرصاص، ولنقتلع كل الحقول والأزهار والأشجار فالطائفية في لبنان لا تأنس الخضرة والظلال وتشتهي على الدوام شرب الدماء.
تعالوا الى لحظة صدق مع الذات، كم مرة رفعنا راية النصر على الجهل والتهريج والادعاء او فوق قمم النجاح والابتكار والتقدم والازدهار، فمعظم راياتنا رفعت فوق اجساد الاطفال والنساء وركام البيوت وعلى اشلاء وحدتنا وضياع الأوطان، وكم مرة استبحنا كل المحرمات من الكرامة الى السيادة والسلطة والمال العام وحقوق الإنسان وأخلّينا بكل العهود والأمانات، وتاجرنا بالوطنية والقومية والأممية والعقائدية وبالطوائف والأديان، وهل بذلنا الغالي والرخيص من اجل وحدة المجتمع ورفعة الانسان.
تعالوا نسمي الأشياء بأسمائها ونقلب صفحات الماضي القريب والبعيد والحاضر المريب، في الحرب والسلم والمسؤولية والدولة والمؤسسات والأحزاب والمنظمات والمليشيات الدينية والمذهبية وفي كل الحقبات والموضوعات، وكيف جعلنا من كل بارقة أمل غيمة سوداء أمطرت كراهية وبغضاء، واستقوينا بالأصدقاء والاشقاء والأعداء وجلبنا السلاح للإنقضاض على بَعضنا البعض في لبنان، ومتى كان طموح معظم القادة والزعماء والرؤساء والوزراء والنواب وفي تاريخ لبنان تمثيل الأمة جمعاء كما جاء في الكتاب.
تعالوا نتواضع قليلا فنحن في نظر اسيادنا الأوصياء مجرد أدوات صغار، لكننا في عيون اهلنا وأطفالنا رموز كبار تستحق المحبة والاحترام، تعالوا نتحرر من ذلنا واستعطائنا على أعتاب الكبار والصغار، وتعالوا نتعلم التواضع والمحبة والعطاء ونفتح صفحة جديدة بيضاء نخصصها لكتابة قصص الوحدة والتفوق والنجاح والابداعات وبطولات الأجيال، تعالوا نعيد الحق لأصحابه ونعطي لبنان لشاباته وشبابه ونغرد فرحاً بهم ليل نهار، وتعالوا نبني جدارا عازلا بين ماضينا ومستقبلهم من اجل حمايتهم من تلوثنا وأحزاننا ومآسينا وارتكاباتنا بحق أنفسنا واهلنا في لبنان.
تعالوا نشتري لحظة أمان بما تبقى لنا من أيام في هذه الحياة، نضيء بها بريق الأمل في عيون الاطفال ونرفع من أمامهم كل ما ارتكبناه من حماقات وادعاءات وما خلفته قلوبنا السوداء من كراهية واحقاد وما ابتدعته عقولنا الخرقاء من تذاكي وشطارات وفرقة واغتراب، تعالوا نتوب عن عبادة الذات ونذوب في ذات وطنية واحدة ، تطهرنا من معاصينا وغرورنا وتعيد إلينا بساطة الحياة وعدالة الفقر والأحلام وتحررنا من ظلم الثروة والسلطة وأوهام الاغبياء، تعالوا نعيش معا او نموت معا او نبني سفينة خلاصنا من الغرق في طوفان الخفة والغوغاء والارتجال والاستهتار بمصير الوطن والإنسان و قبل فوات الأوان..، تعالوا نبكي على لبنان.