اخْتَرَقَ تطوّران بارِزان، واحِد خارجي وآخَر داخلي، أجندة الاهتمام اللبناني التي كانت منصبّة في الأسابيع الأخيرة على أرقام موازنة 2019 وسبل ملاءمتها مع متطلبات مؤتمر «سيدر» بما يكفل تحويل مخصصاته (نحو 11 مليار دولار) «سفينةَ عبورٍ» الى النهوض المالي – الاقتصادي بعد انتشال البلاد من على حافة الانهيار.
ولم يتأخّر التوتّرُ التصاعدي في منطقة الخليج و«الرسائل بالسفن» التي تعكس أن المنطقة انتقلتْ الى وضعية «الإصبع على الزناد» في اقتحامِ المَشهد اللبناني الذي يرتبط أساساً بـ«صواعق» الملف الإيراني عبر «حزب الله»، من دون أن يحجب «غبارُ» الرياح الساخنة من الخارِج الاستعداداتِ لوداعٍ مهيب يُحضَّر للبطريرك الماروني السابق الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير يوم الخميس في بكركي ويُتوقّع أن يواكبَه ابتداء من الأربعاء (موعد نقل الجثمان من المستشفى الى بكركي حيث يسجّى حتى الدفن) بحرٌ من الناس في مقرّ الصرح البطريركي وفي الطرق المؤدية إليه.
وعَكَسَ الموقفُ الذي أَطْلَقَهُ رئيسُ الوزراء سعد الحريري من «أعمال التخريب الإرهابية التي تَعرّضتْ لها بواخر ناقلة للنفط قبالة المياه الإقليمية للإمارات العربية المتحدة»، استشعاراً مبكّراً بالمَخاطر التي يمكن أن تترتّب على أيّ انزلاقٍ للتوتر في الخليج الى صِدام يُخشى أن تصيب تشظياته الواقع اللبناني الذي يسعى الى تَلَمُّس طريق «نجاة» من الانهيار مراهناً على المظلّة العربية والدولية التي يشكّلها مؤتمر «سيدر» الذي قد «تتطاير» مفاعيله بحال «انفجار» المنطقة أو ربْط لبنان، من خلال «حزب الله»، بأيّ مساراتٍ من لعبة «الردود غير التقليدية» في سياق محاولات إرساء «توازن ردع» لكسْر عملية «خنْق» إيران اقتصادياً.
واعتبر الحريري في بيان، أمس، أن «أعمال التخريب الإرهابية التي تَعرّضتْ لها بواخر ناقلة للنفط قبالة المياه الإقليمية للإمارات تهديد خطير لسلامة الملاحة في أحد أهم المعابر المائية في العالم»، لافتاً الى «أن هذه الأعمال تهدد استقرار الاقتصاد العالمي بواسطة أسواق النفط الدولية، إضافة الى كونها اعتداء مباشراً على دول عربية شقيقة وعلى الأمن العربي المشترك»، ومؤكداً «تضامننا الكامل مع دولة الإمارات العربية المتحدة ومع كل الدول الشقيقة في الخليج العربي».
وفي موازاة ذلك، وفيما كانت بكركي تستقبل وفود المعزّين بالبطريرك صفير وصولاً إلى يوم التشييع الذي يبدأ عشيّته حدادٌ رسمي يشمل الأربعاء تنكيس الأعلام على كل الإدارات الرسمية على أن يتوقف العمل الخميس في جميع الإدارات العامة والبلديات والمؤسسات العامة والخاصة، واصلتْ الحكومة في جلستها الـ11، أمس، درْس مشروع موازنة 2019 الذي كان يفترض أن تُنهي مناقشاته الأحد، قبل أن يبرز ما يشبه «تَهيُّب» التعاطي مع مسألة خفض رواتب، ولو كبار الموظفين في القطاع العام، وموضوع العسكريين في ظلّ ملامح «تَورُّم» الحِراك في الشارع، وهو ما عبّر عنه تطوران: الأول دهْم جلسة مجلس الوزراء (ليل الأحد – الاثنين) تجمعات مفاجئة لمجموعات من الحِراك المدني حاولوا قفْل مدخل السرايا الحكومية لمنْع الوزراء من الدخول، فيما لم «ينجُ» بعض الوزراء من «هجوم البيض» الذي تركّز على موكب وزير الخارجية جبران باسيل في ظلّ تسجيل إشكالات بسيطة بين المحتجين والقوى الأمنية وسط هتافات ضد «اللصوص والزعران». والثاني بدء العسكريين المتقاعدين اعتصاماً أمام مصرف لبنان نصبوا معه الخيم معلنين استمرارهم في الاعتصام تمهيداً لـ«اثنين السيل الجارف» والذي رمى الى تعطيل «المركزي» وقفل مداخل العاصمة.
وجاءت جلسة أمس، على وهج قفل العسكريين المتقاعدين أبواب مصرف لبنان في الحمراء مانعين الموظّفين من الدخول والخروج (ولكن العمل استمر فيه بشكل طبيعي بعدما طلب الحاكم رياض سلامة من الموظفين – المفاتيح المبيت فيه) إضافة الى قفل طريق ضهر البيدر لبعض الوقت وأوتوستراد رياق باتجاه بعلبك، وسط تحذيرات من إجراءات تصعيدية «قد تصل الى اقتحام مجلس النواب» بحال أي مساس برواتبهم التقاعدية ولو عبر اقتطاع 3 في المئة منها (بدل طبابة) أو في حال إقرار المادة 57 حول عدم جواز الجمع بين المعاش التقاعدي وأي شكل من أشكال التعويضات أو المخصصات أو الرواتب الأخرى وغيرها من النقاط التي قد تطال حقوق العسكريين في الخدمة وآليات التقاعد، وذلك في موازاة وقفات رمزية لهيئة التنسيق النقابية وأستاذة التعليم الثانوي ضدّ أي اقتطاع من رواتب او تقديمات تعليمية.
وبدا واضحاً أن الحكومة تركتْ «لغم» الرواتب والتقديمات الى جانب رفع الرسم الجمركي على السلع المستوردة الى ما بعد اكتمال كل الأرقام، بما يُسقِط الحاجة الى المساس بالرواتب او يفرض ما يشبه المقايضة بين هذين البندين علماً أن ثمة تبايناً داخل الحكومة حول إذا كان رفْع الرسم الجمركي يجب أن يشمل بحال اعتماده كل السلع أو بعضها.
وفيما رفض بعض الوزراء الجزم إذا كانت جلسة أمس، ستكون الأخيرة قبل إقرار المشروع في جلسةٍ برئاسة الرئيس ميشال عون، بدا من الصعب الجزم بإمكان إنهاء هذا الملف حكومياً اليوم، حيث يقيم عون إفطاراً في القصر الجمهوري يشارك فيه الرئيسان نبيه برّي والحريري والوزراء والنواب وكبار الشخصيات.
وكانت جلسة الأحد، خلصت الى سلسلة قرارات بينها رفع الغرامات على التهرب الضريبي و«رفع الرسوم قليلاً على إجازات العمل على الأجانب، ورفْع الرسوم على الطائرات التي تهبط في مطار رفيق الحريري الدولي تساوياً مع بقية المطارات في العالم أو المنطقة».
الراي