اشتدّي أزمة تنفرجي أم تنفجري؟… سؤالٌ أطلّ عشية دخول ملف تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان شهره الثالث، وسط مؤشراتٍ لغياب أي أرضيةٍ تَسمح بإحداث خرْق في جدار التعقيدات التي تتحكّم بمسار التأليف، وتَزايُد المَخاوف من تَدَحْرج «كرةِ» تصعيدٍ سياسية – دستورية تضع البلاد أمام وقائع جديدة يصعب التكهّن بمنزلقاتها.
ومع حلول الأسبوع الذي اعتُبر مفصلياً في تحديد «اتجاهات الريح» في الملف الحكومي، لم تَبرز أي معطيات تشي بحلحلة على مستوى العقد الثلاث الرئيسية المتصلة بالتمثيل المسيحي والدرزي وللسنّة الموالين لـ «حزب الله»، في ظلّ انطباعٍ بأن لعبة «عضّ الأصابع» في عملية التأليف قد تدفع في اتجاه «حافة الهاوية» بعدما بات الجميع أَسْرى شروط السقف الأعلى.
وكشفتْ مصادر واسعة الاطلاع في بيروت لـ «الراي» عن أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اتّخذ قراراً حاسماً برفْض ما يطالب به حزب «القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي» في شأن حجْم تمثيلهما في الحكومة العتيدة، وأنه يصرّ بالتشدّد عيْنه على عدم حصْر التمثيل السني بالرئيس المكلف سعد الحريري وتياره (المستقبل) بعدما كسرتْ نتائج الانتخابات أحادية «المستقبل» في هذا التمثيل.
وتحدّثتْ هذه المصادر عن أنه تناهى إلى مَسامع عون أن الرئيس المكلّف لن يتساهل في تمثيل «القوات» و«الاشتراكي» و«المستقبل» وبأحجامهم المُريحة وإلا فلا حكومة، لافتة الى أن رئيس الجمهورية بات مقْتنعاً بوجود «كلمة سرّ» خارجية، ملمّحاً إلى السعودية، وراء إصرار الحريري على موقفه.
والأكثر إثارة في هذا السياق هو إفشاء مصادر بارزة في 8 آذار لـ «الراي» معلومات عن أن عون يبحث عن «مَخارج» لنزْع التفويض النيابي للحريري بتأليف الحكومة تمهيداً للذهاب إلى تشكيل حكومةِ أكثريةٍ بدعمٍ من نحو 80 نائباً وعبر تسمية شخصية غير الحريري لهذه المهمة، من دون أن تذكر تلك المصادر طبيعة هذه المَخارج.
وأشارت إلى أنه إذا لم يتقدّم الحريري من عون بحكومةٍ وبالمواصفات التي يريدها رئيس الجمهورية، في غضون نحو أسبوعين، فإن الأمور قد تتجه نحو قلْب الطاولة، مذكّرة بأوضاع شبيهة حكمتْ الموقف بين رئيس الجمهورية السابق إميل لحود ورئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، لا سيما حين جرى إحراج الحريري الأب لإخراجه في سنة 1998.
ورأت أوساط سياسية في بيروت أنه رغم المحاذير السياسية والطائفية والمالية التي تُعاكِس سيناريو من هذا النوع، فإن رئيس الجمهورية الذي أَكْثَر أخيراً من التذكير بمعارك ولوّح بالضرب على الطاولة وأَطْلَقَ إشارات تصاعُدية عن محاولاتٍ لاستهداف عهْده، قد يندفع في اتجاه خياراتٍ يعتقدها البعض مجازفات لما تنطوي عليه من هزٍّ للاستقرار السياسي، إضافة الى الواقع المالي البالغ الحساسية.
ومن الواضح في تقدير هذه الأوساط أن عون يستند في رسْمه الخط الأحمر أمام الحريري، وفي استعداده لـ «قلْب الطاولة»، إلى الانقلاب الذي أَحْدَثَتْه نتائج الانتخابات النيابية، والتي دفعتْ يومها الجنرال الإيراني قاسم سليماني الى الحديث عن الانتصار بحصْد 74 نائباً في لبنان والترويج لـ «حكومة مقاومة».
وثمة اعتقادٌ في بيروت بأن من الصعب على عون ركوب خيار الدفْع في اتجاه إقصاء الحريري والإتيان بـ «حكومةِ أكثرية» من دون ضوء أخضر من «حزب الله» الذي يحْلو للكثيرين القول إنه «الناظِم السياسي – الأمني» في البلاد، وهو (أي الحزب) الذي كان فكّر ملياً في الموقف من تكليف الحريري أو عدم تكليفه بعد الانتخابات النيابية ربْطاً بالواقع الإقليمي.
ويقلّل عارفونَ من حساسية العلاقة السنية – الشيعية في حال جرى إحراج الحريري لإخراجه ما دامت المسألة ترتبط برئيس الجمهورية (الماروني)، وتالياً فمن الطبيعي أن يكون «حزب الله» إلى جانب حليفه (أي عون) في أي خيار يلجأ إليه، خصوصاً أن ثمة أوضاعاً جديدة في المنطقة قد يصيب وهْجها الواقع اللبناني وتوازناته.
وتوقّفتْ دوائر مراقبة باهتمام أمام الإطلاق المفاجئ لـ «النيران السياسية» من قريبين من «حزب الله» على الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي عبر كشْف حصول مجموعته على قروض سكنية مدعومة من مصرف لبنان يصل مجموعها إلى 14 مليون دولار أميركي، وهو ما اعتُبر في سياق «الرسالة» لميقاتي رداً على وقوفه إلى جانب الحريري كجزء من «البلوك» السني الذي تتقدّمه دار الفتوى دفاعاً عن صلاحيات رئيس الحكومة ورفْضاً لأي أعراف تقيّده مهمته في تأليف الحكومة بمهلٍ أو تسمح بسحب التكليف منه.
وفي الإطار نفسه استوقف الدوائر عيْنها المتابعة شبه اليومية لرئيس الجمهورية للواقع المالي – النقدي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، متسائلة إذا كان ذلك يرتبط بالرغبة بالإحاطة بكل جوانب التداعيات المحتملة لأي مسار تصعيدي في ملف تشكيل الحكومة.
وتَرافق ذلك مع إشارتيْن متشدّدتيْن بالغتيْ الدلالة، الأولى من «القوات اللبنانية» التي أكد وزيرها ملحم الرياشي ما كانت كشفتْه «الراي» قبل يومين عن أنها لم تعد ترضى بأن تتمثّل حكومياً بأقلّ من 5 وزراء، معلناً «لن نأخذ أقل من 5 وزراء ولن نقبل بأقل من حقنا بتمثيل الحجم والوزن السياسي والمطلب الشعبي»، لافتاً الى ان هذا الرقم يستند الى ما قاله رئيس «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس عون) الوزير جبران باسيل (في مقابلته الصحافية الأخيرة) من أن تكتل «القوات» نال 31 في المئة من الصوت المسيحي في الانتخابات «مع ان الأرقام التي هي في حوزتنا مغايرة لما يقوله صديقي الوزير باسيل»، ومعتبراً «ان 30 في المئة يعني الثلث وثلث الـ 15 هو 5 وزراء».
والإشارة الثانية جاءت من الوزير طلال أرسلان، حليف «التيار الحر»، الذي شنّ هجوماً صاعقاً على زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط نابشاً دفاتر الماضي، في تطور عَكَس تصلُّباً من فريق الرئيس عون حيال أي تسليم بحصْر التمثيل الدرزي في الحكومة بجنبلاط وإصرار هذا الفريق على معاودة توزير أرسلان.
(الراي)