على وقع تَحَوُّل «الوقت» عنواناً لصراعٍ مكتوم – معلَن، دخلتْ مناقشات مشروع موازنة 2019 في لبنان مرحلةً يُراد أن تكون حاسمة لإنجاز هذا الملف الذي استهلك حتى الآن 15 جلسة للحكومة بدت معها البلاد وكأنها غارقة في لعبة الأرقام ومعزولة عما يحوطها من ضوضاء غير مسبوقة في المنطقة المسكونة بطبول الحرب.
ولم يبدُ الرهان ممكناً على أن الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء اللبناني مساء أمس ستكون الأخيرة في سبحة المناقشات قبل الإقرار النهائي للموازنة في جلسةٍ يترأسها رئيس الجمهورية ميشال عون، وذلك في ضوء معطييْن:
* الأوّل الحاجة الى انتظار اجتماعٍ للمجلس الأعلى للدفاع لإخراج تَفاهُم على التدبير رقم 3 في المؤسستيْن العسكرية والأمنية، وهذا الأمر يرتّب نتائج رقمية على مشروع الموازنة وسلّة الخيارات «الاحتياطية» لضمان بلوغ خفض العجز المستوى المطلوب.
* والثاني ازدياد مؤشرات الاستقطاب السياسي على تخوم ملف الموازنة انطلاقاً مما يشبه «الإنزال» الذي قام به رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل عبر ورقةٍ ضمّنها اقتراحات لإجراءات يرى أنها توصل الى خفض أكبر بكثير للعجز، وهي الخطوة التي أثارتْ حفيظة أطراف عدة في الحكومة اعتبروا أنها تعيد عجلة المناقشات الى الوراء وتعكس محاولة لتظهير باسيل نفسه على أنه يقود عربة الإنقاذ المالي – الاقتصادي.
ومضى رئيس «التيار الحر» أمس في رسْم أبعاد جوهر «المعركة» التي يخوضها والتي تتجاوز أرقام الموازنة لتطول السياسة الاقتصادية وخياراتها، وهو أعلن بعد زيارة قام بها على رأس وفدٍ من التكتّل الذي يترأسه الى بكركي حيث شارك في قداس عن نية البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير «اننا اليوم سنخوض مقاومة اقتصادية لتحرير بلدنا من القرار الاقتصادي والمالي الذي وضعنا جميعا رهائن سياسات فساد وهدر للمال العام»، وذلك غداة تحذيره من انه «لا يُمكننا أن نستمر في الحكومة في ظل هذا الوضع، لأننا في كل مرّة نُعطي فرصة للموازنة بتقديم اقتراحات تُخفف الهدر يُحمّلوننا مسؤولية التأخير»، مؤكداً الإصرار على «الخروج بموازنة أفضل حتى لو تطلب الأمر وقتاً إضافياً».
وجاء كلام وزير المال علي حسن خليل (قبيل الجلسة المسائية للحكومة) ليعزز المخاوف من ارتسام «خطوط تماس» سياسية داخل الحكومة على جبهة الموازنة، إذ أكد ضرورة إنجاز المشروع قبل الإثنين، معلناً «لن نقبل بتضييع الوقت بعد الآن. الكل قال ما عنده والتأخير أصبح مكلفاً جداً»، معتبراً (عبر صحيفة «النهار») رداً على اقتراحات باسيل «اننا نلتقي على الكثير من النقاط المطروحة ولا مشكلة ولكن عندما تصبح أفكاراً مكررة والإجابات عنها سبق وقُدمت فعندئذ يصبح الموضوع تضييعاً للوقت، ولا مصلحة في ذلك»، مضيفاً «لن نقبل بإطالة الوقت أو أن يستمر النقاش أكثر من جلسة الأحد، ويجب أن نتنبه إلى أنه لا يمكن أن نحمّل الموازنة مشاريع وقضايا خارج طبيعتها».
وفي الوقت الذي تشهد الإدارات العامة والمؤسسات التربوية اليوم إضراباً مواكبةً لمسار مناقشات الموازنة واستباقاً لأي خيارات تمس الرواتب والمخصصات والتعويضات والتقديمات، بدأت قضية رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر الذي أوقف السبت على خلفية التداول بفيديو يتطاول فيه على البطريرك صفير تشي بمضاعفات سياسية – نقابية.
وإذ كان مصير الأسمر على رأس «العمالي العام» يراوح بين الاستقالة أو الإقالة، وسط تعليق العديد من الاتحادات عضويتها في الاتحاد الأم، أطلق باسيل إشاراتٍ عكستْ إمكان تَحول اختيار بديل عن الأسمر الى «معركة» لا تخلو من الطابع السياسي الذي يتحكّم أصلاً بالجسم النقابي في لبنان.
وقال رئيس «التيار الحر» من بكركي تعليقاً على قضية الأسمر «(…) ان ما حصل يجب أن يؤدي الى تصحيح الشراكة والتمثيل في البلد، ومن الطبيعي ألا نعترف بالموقع حتى يتم تصحيح الوضع، ونحن من جهتنا نقاطع موقع رئاسة الاتحاد العمالي العام حتى يقوم المعنيون بالمراجعة اللازمة لحُسن التمثيل والدور الاقتصادي والعمّالي للاتحاد».
الراي