جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / جريدة اليوم / تحت أنقاض الثلوج.. يوم قضى عشرات الآلاف الأتراك تجمداً
6613e326-d5b0-4d56-a809-21f35bb4b77a_16x9_1200x676

تحت أنقاض الثلوج.. يوم قضى عشرات الآلاف الأتراك تجمداً

أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 1914، سجلت الدولة العثمانية دخولها الحرب العالمية الأولى بشكل رسمي إلى جانب قوى الإمبراطوريات الوسطى.

فعلى إثر حصولها على السفن الحربية برسلاو (Breslau) وغوبن (Goeben)، الألمانية الصنع، منتصف شهر آب/أغسطس سنة 1914، لم تتردد البحرية العثمانية في شن هجوم مباغت على القواعد الروسية بالبحر الأسود عند كل من أوديسا (Odessa) ونوفوروسيسك (Novorossijsk) وفيودوسيا (Theodosia).

في المقابل، وكرد على هذه العملية التي كانت بمثابة إعلان حرب، قاد جيش القوقاز الروسي، الذي لم يكن مستعدا بشكل جيد، هجوما سريعا داخل الأراضي العثمانية عرف بهجوم بيرخمان (Bergmann Offensive) سيطر من خلاله على عدد من المناطق الحدودية، وعلى إثر ذلك تحرك الجيش العثماني الثالث بقيادة الجنرال حسن عزت باشا لمجابهة التوغل الروسي لتشهد الجبهة بعدها تراجع جيش القوقاز الروسي.

وبالتزامن مع النجاح العثماني في صد التقدم الروسي، اتجه الجنرال حسن عزت باشا إلى اعتماد خطة دفاعية وتحصين مواقعه، مفضّلا التريث وانتظار حلول الربيع لشن هجوم جديد، ومؤكدا على عدم قدرة العثمانيين على مجابهة درجات الحرارة الباردة خلال فترة الشتاء.

صورة للسفينة الحربية برسلاو
وزير الحرب وخطة الهجوم المباغت

في المقابل، كان لوزير الحرب العثماني أنور باشا رأي مخالف، إذ أكّد الأخير على ضرورة شن هجوم مباغت ضد القوات الروسية اعتمادا على عامل الشتاء.

كما تفاءل أنور باشا بإمكانية قيام ثورة يقودها مسلمو القوقاز ضد الروس، ما قد يسرّع بتحقيق العثمانيين لهدفهم الرئيسي المتمثل في السيطرة على الموارد الطاقية عند بحر قزوين.

بناء على الخطة العسكرية المقترحة من قبل أنور باشا، كان من المقرر أن ينقسم الجيش العثماني إلى ثلاثة فيالق، حيث يتوجه فيلقان نحو الناحية الشمالية بينما يتكفل فيلق ثالث بمواجهة القوات الروسية وإلهائها عند نهر آراس (Aras River).

صورة لوزير الحرب العثماني أنور باشا

على أن يتكفل الفيلقان اللذان توجها شمالا بالسيطرة على منطقة ساريقاميش (Sarikamiş) التابعة لمحافظة قارص، بقطع إمدادات الجيش الروسي وعزل المنطقة بأسرها قبل شن هجوم موحد من قبل الفيالق الثلاثة على قوات القوقاز الروسية المحاصرة وتدميرها.

معركة تاننبرغ

بالتزامن مع ذلك، اتجه أنور باشا نحو عرض خطته على المستشار العسكري الألماني لدى الدولة العثمانية أوتو ليمان فون ساندرز (Otto Liman von Sanders) مشبها إياها بمعركة تاننبرغ (Tannenberg) خلال شهر آب/أغسطس سنة 1914 والتي حققت خلالها القوات الألمانية نصرا ساحقا ضد الجيش الروسي.

إلا أن المستشار العسكري الألماني لدى الدولة العثمانية كان له رأي مخالف، ووصف خطة أنور باشا بالطموحة جداً، مؤكداً على ضرورة انتظار انقضاء الفترة الشتوية، التي تميزت بدرجات حرارة منخفضة بتلك المناطق، فضلاً عن كل ذلك نبّه فون ساندرز وزير الحرب العثماني إلى صعوبة العبور عبر الطرق البدائية والتي تغمرها الثلوج نحو ساريقاميش مفضلاً انتظار حلول الربيع لشن هجوم مماثل وبهذا الحجم.

صورة للمستشار العسكري الألماني فون ساندرز

وبينما عارض فون ساندرز الهجوم العثماني على ساريقاميش، أيّد عدد من الجنرالات والخبراء العسكريين الألمان المتواجدين بالدولة العثمانية فكرة الهجوم، مؤكدين على قدرته على إرباك الروس وهدم معنوياتهم خاصة مع تواصل هزائمهم على الجبهة الشرقية ضد الألمان.

وعلى الرغم من معارضة الجنرال حسن عزت باشا، الذي طالب بضرورة إعادة تدريب وتأهيل الجيش لمدة ستة أشهر، أمر أنور باشا ببدء الهجوم خلال النصف الثاني من شهر كانون الأول/ديسمبر سنة 1914، مرسلا بذلك عشرات الآلاف من جنوده نحو موت محتوم.

صورة لعدد من أفراد فيلق القوقاز الروسي
صورة لإحدى قطع المدفعية التابعة للجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى
طرقات وعرة وثلوج ونقص عذاء

على وقع طقس شديد البرودة، أجبرت قوات الجيش الثالث العثماني على المرور عبر طرقات وعرة غمرتها الثلوج وصعود مرتفعات بلغ ارتفاعها أكثر من ألفي متر ناقلة معها عتادها العسكري من مدافع وذخيرة.

وعانى الجنود العثمانيون من نقص فادح في الغذاء.

صورة لجثث جنود عثمانيين ماتوا تجمدا انتشلتها القوات الروسية
جانب من القوات العثمانية المشاركة في الحرب العالمية الأولى

وبسبب كل هذه العوامل الصعبة، امتدت القوات العثمانية على شكل خط متقطع على طول الطرق نحو ساريقاميش.
في المقابل، استغل الروس هذا الأمر لتنظيم صفوفهم وشن عدد من الهجمات المضادة كبدت العثمانيين خسائر جسيمة وأجبرتهم على التراجع.

مع بداية العملية العسكرية قدّر عدد قوات الجيش العثماني الثالث بأكثر من 120 ألف جندي.

لكن ومع نهاية الحملة تراجع هذا العدد إلى حوالي 20 ألف جندي فقط، كان من ضمنهم جنود الفيلق الذي بقي نهر آراس مطلع الهجوم.

خلال الحملة العسكرية على ساريقاميش تكبد العثمانيون خسائر بشرية قدرت بما لا يقل عن 80 ألف جندي. فإضافة إلى الجنود الذين قتلوا على ساحة المعارك، فارق حوالي 30 ألف جندي عثماني الحياة تجمدا بسبب الطقس البارد، كما توفي 10 آلاف آخرون داخل المستشفيات بسبب الحمى والأوبئة فضلا عن ذلك أسر الروس آلافا آخرين.

وأمام هذه الهزيمة القاسية التي تلقتها القوات العثمانية، اتهم أنور باشا الأرمن بتقديم الدعم والقتال إلى جانب الروس لتبدأ على إثر ذلك حملات انتقامية قادها العثمانيون ضد الشعب الأرميني عرفت لاحقا بإبادة الأرمن.