كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: تجدد “القصف” على محوريّ وزارتيّ الخارجية والداخلية، وبدأ الوزيران جبران باسيل ونهاد المشنوق يستخدمان أسلحة محرّمة سياسيا، حيث يُطلق كل منهما بين الحين والآخر “صلية” باتجاه الآخر من دون النظر الى ما يمكن أن يُحدثه ذلك من تدمير في العلاقة بينهما والتي بدأت تتجه نحو القطيعة، أو ما يمكن أن يتسبب به من خراب في التسوية الرئاسية التي حملت العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، وأوصلت سعد الحريري الى رئاسة الحكومة.
من غير المنطقي، أن ترتفع حدة “القصف” بين الوزيرين باسيل والمشنوق على هذا النحو، من دون أن ينعكس ذلك توترا في العلاقة بين “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”، أو من دون أن يحرك الرئيسان عون والحريري ساكنا للتحفيف من حدة “الاشتباكات” الحاصلة أو بذل الجهود لتشكيل ″لجنة إرتباط″ تضبط هذا الفلتان في المواقف السياسية، أو على الأقل تسعى الى فرض هدنة بين الرجلين تحمي العلاقة بين التيارين اللذين يتعاونان على تنسيق آليات الحكم.
واللافت أن العلاقة بين التيارين لم تتأثر، كما أن أيا من تلك التدابير لم تُتخذ، في وقت تُترك فيه الأمور على غاربها بين باسيل والمشنوق اللذين بلغا حدا غير مسبوق من الصراع، وصولا الى إستخدام لغة سياسية هي الأعنف منذ حصول التسوية الرئاسية.
أمام هذا الواقع، تكثير التحليلات حول هذا “الاشتباك” وتداعياته المستقبلية، حيث يرى البعض أنه قد يكون مقدمة لفرط عقد العلاقة بين “المستقبل” و”التيار” قبل الانتخابات النيابية المقبلة، إنطلاقا من أن الرئيس سعد الحريري لا يمكن أن يُرضي السعودية، أو أن يعود الى شارعه ويحصد نتيجة إنتخابية إيجابية فيه، إلا بالانقلاب على التسوية مع التيار الوطني الحر، وعلى التفاهم مع حزب الله، وبتصعيد خطابه السياسي لتعويض بعض ما خسره من شعبيته خلال الفترة الماضية، وهذا أمر يراه البعض الآخر بعيد المنال، لأن أي إنقلاب للحريري سيواجه بانقلاب عليه في الحكومة، وهو في الفترة المقبلة سيكون بحاجة أكثر من أي وقت مضى الى السلطة ومكاسبها.
ويرى آخرون أنه في الوقت الذي يتبادل فيه باسيل والمشنوق القصف السياسي، يتنامى التعاون والتنسيق بين الرئيسين عون والحريري، وتتوطد العلاقة بين الحريري وباسيل، وتتوالى الاجتماعات بين باسيل ونادر الحريري اللذان يطبخان كل القرارات والتعيينات ويضعان الخطط لتنفيذ المشاريع التي تقرّ تباعا في مجلس الوزراء.
لذلك يشير هؤلاء الى عدة إحتمالات حيال هذا الصراع، أبرزها:
أولا: تبادل أدوار بين باسيل والمشنوق حيث أن القصف السياسي المتبادل بينهما يساهم في إحاطتهما بعطف شعبي كل في شارعه.
ثانيا: تبادل أدوار بين الحريري والمشنوق، حيث يتصرف الأول كرئيس للحكومة يعمل على تدوير الزوايا، وينأى بنفسه عن الثاني الذي يتصرف كرجل أول في “تيار المستقبل” يرفع سقف الخطاب السياسي ضد الخصوم المفترضين (التيار وحزب الله) للتخفيف من إحتقان الشارع السني والعمل على إستمالته.
ثالثا: توافق الحريري وباسيل على نقاط الاختلاف تحت سقف معين، من دون أن يُفسد ذلك في التعاون ضمن الحكومة قضية.
رابعا: إمكانية إستخدام هذا القصف السياسي في التوتير، وتسميم أجواء الحكومة وتعطيل آليات الانتخابات النيابية، بما يؤدي الى تأجيلها للمرة الرابعة، وهذا أمر ليس مستبعدا خصوصا أن نوابا كثر يرددون أن الحريري غير مستعد لخوض الانتخابات في ظل ما يتعرض له من ضغوط سياسية ومالية وشعبية، كما أن باسيل بدأ يشعر أنه سيتجرع السم الذي طبخه بيده، في ما يتعلق بالقانون الانتخابي الذي تخشاه كل التيارات السياسية وترغب في إجراء تعديلات عليه.
والى أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود من هذا الصراع، ومعرفة نتائج هذا القصف السياسي وما هي الأضرار التي يمكن أن يُخلفها، يُسقط كثيرون هذه المواقف السياسية النارية للوزيرين باسيل والمشنوق، والتعاون القائم بين تيارهما في الوقت ذاته، على المثل المصري الشعبي: “أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك أستعجب!”.