Lبدت بيروت أمس تحت وطأة الصدمة. فـ «عيدية» الحكومة التي كان مقرَّراً ان تولد في «الويك اند» تحوّلت «هديةً مسمومة» بعدما أطاح التعثُّر المفاجئ و«الصاعق» بفرصة تأليفها وأَعادَها الى الدوران في حلقة تعقيداتٍ متداخلة على خلفية سقوط التسوية في شأن تمثيل النواب السنّة الستة الموالين لـ «حزب الله» وتجدُّد الصراع على بعض الحقائب، وسط إعلان الرئيس المكلف سعد الحريري «الصمت» الذي جاء وقْعه «مدوّياً»، في موازاة تلميح فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى وجود «قرارٍ بمنْع التشكيل» مع تأكيد أن كل الحركة جُمّدت من جديد، وارتيابه من انطلاق حركة «نازلين عالشارع» والتي تُرجمت أمس بتظاهرات «نقّالة» في وسط العاصمة ومحيطها ومناطق أخرى لم تخْلُ من مَظاهر شغب.
وتَرَكَ سحْبُ «لقمة التأليف» التي كادت أن تصل الى الفم للمرة الثانية في غضون نحو شهر ونصف الشهر علامات استفهام كبرى حول القطب المخْفية التي تتحكّم بملف تشكيل الحكومة برمّته والتي تراوح بين اعتبارات محلية وأخرى إقليمية.
فبعدما استردّ أعضاء «اللقاء التشاوري» (مجموعة النواب السنّة الستة الموالين لـ «حزب الله») تفويض جواد عدرا لتمثيلهم على خلفية عدم حصولهم على تعهُّد منه بأن يكون جزءاً من كتلتهم ويلتزم بتوجهاتها حصْراً في الحكومة في مقابل محاولة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل جعْله عضواً في تكتل «لبنان القوي»، بدت أوساط مطلعة أكثر ميلاً إلى الحديث عن بُعدين متشابكيْن للانتكاسة المُباغِتة في مسار التشكيل في الدقائق الخمس الأخيرة.
البُعد الاول إقليمي ويتّصل بأن «حزب الله»، الذي لا يريد حكومةً حالياً يتغطى بعقدة محلية، كان ابتكرها في طريق الولادة الوشيكة للحكومة في نوفمبر الماضي، وذلك لاعتباراتٍ إيرانية، لافتة الى أن طهران التي تترقّب مآل ملف العقوبات الأميركية وتطورات الأوضاع في العراق واليمن وسورية، وأخيراً قرار واشنطن المفاجئ بالانسحاب من سورية، يهمّها إبقاء الوضع في لبنان معلَّقاً بما يسهّل «التفاوض عليه» وهم يقولون للأميركيين انطلاقاً من أكثر من ساحة «إن أدوارنا في المنطقة خط أحمر ولسنا لقمة سائغة».
والبُعد الثاني محلي، ويعتبره باسيل هدفاً استراتيجياً ويتمثّل في السعي الى الحصول على الثلث المعطل لفريق الرئيس تحت عنوان إحداث توازُن في النظام ضمن السلطة التنفيذية والإمساك بـ «ورقة ذهبية» في استحقاقات مقبلة مثل الانتخابات الرئاسية.
وإذ ترى الأوساط المطلعة أن ما بَلَغَه الملف الحكومي وَضَعَ «حزب الله»، الذي رسم «لا كبيرة» أمام حصول اي فريق لوحده على الثلث المعطل، وجهاً لوجه مع باسيل في ظل «أزمة ثقة» متراكمة، عبّر عنها ما نقله تلفزيون «الجديد» عن مصادر «التيار الحر» من انه «إذا كان حزب الله يرفض ان يحصل التيار على الثلث المعطل، فليعترف علناً وعندها تُحل المشكلة، ولكن حتى الساعة لم يقل الحزب مرة إنه ضد تمثيل التيار بأكثر من 10 وزراء».
وتعرب مصادر سياسية عن قلقها من خطر انزلاق لبنان نحو الفوضى في ظلّ ملامح أن أفق حلّ عقدة تمثيل سنّة 8 مارس محكومة باستحالة قبول الثنائي الشيعي (حزب الله – الرئيس نبيه بري) بحصول باسيل على الثلث المعطّل المعلن، وهو ما يعبّر عنه «اللقاء التشاوري» بأن وزيرنا هو ممثّل حصري لنا من حصة رئيس الجمهورية، في مقابل اعتبار فريق عون أن هذا الوزير هو من حصة الرئيس وممثّل للقاء، وسط كلام لافت نُقل عن عون بأنه يرفض ان يُفرض عليه اسمٌ من حصته.
وتكرر المصادر في هذه النقطة أن اي حلّ لهذه العقدة ولو بعد حين لن يكون إلا على قاعدة وضعية الاصطفاف غير المعلَن لممثّل سنّة 8 مارس، متسائلة هل ان هذه القناعة ستتكوّن لدى الجميع قريباً وعلى البارد بحيث يكون أفق الحل غير بعيد، أم أنها ستحتاج الى عملية إنهاك جدية ومديدة وربما «على الحامي» تلاقي التحولات في المنطقة.
واذ تتوقّف هذه المصادر عند «تغريدة» الحريري امس عبر«تويتر»، قائلاً «لا بد أحياناً من الصمت ليَسمع الآخرون» غداة إلغائه المفاجئ لزيارته الى القصر الجمهوري (مساء السبت) حيث كان مقرَّراً أن يحضر الريسيتال الميلادي الى جانب عون مكتفياً بتوضيح أن الأمر عائد «لارتباطات أخرى» الأمر الذي اعتُبر مؤشراً الى انزعاجه من مآل مجمل الملفّ الحكومي، ترى أن تحريكَ الشارع الذي بدأ عبر تظاهراتٍ متعددة «الرؤوس الخفية» و«لا أم وأب» واضحين لها ينطوي على أكثر من «قطبة مخفية».
ورغم أن المناخ العام للتظاهرات التي جرت تحت عناوين مطلبية ومعيشية وتخللتها هتافات «ثورة» و«الشعب يريد إسقاط النظام» والتي استعارتْ «السترات الصفر» من التحرّك الاحتجاجي في فرنسا، طغى عليها حضور أبناء بيئة «حزب الله» الذين لم يتوانَ بعضهم عن توجيه رسائل مباشرة الى السيد حسن نصرالله «حول واقعنا المأسوي» و«حضور المخدرات والحشيشية بيننا» وسط صرخات «بدنا ناكل وماذا ينفعنا قتال العدو الخارجي وحده»، فإن ثمة خشية من أن يكون استحضار الشارع بمثابة «فتيل» قابل للإشعال خدة لأجندات سياسية في اتجاه أو آخر، وهو ما غمزت من قناته مصادر «التيار الحر» بقولها «إن البعض منهم يراهن على تظاهرات شعبية ضد العهد القوي ما يوحي بوجود نيات وارادة بشلّ العهد وهذا ما سنواجهه».
ولم تخْل التحركات من صدامات مع القوى الأمنية ولا سيما بعدما انفلش المتظاهرون من ساحتي الشهداء ورياض الصلح في وسط بيروت الى مناطق محيطة وقطعوا طرقاً وأحرقوا مستوعبات نفايات قبل ان يتوجهوا الى شارع الحمراء حيث وقعت أعمال شغب ويحاولوا بلوغ وزارة الداخلية.
وفي منطقة حبوش (النبطية – الجنوب)، تَبَلْوَرَ أكثر مشهدُ الاعتراض الشعبي بوجه الثنائي الشيعي (حزب الله – حركة أمل) مع صرخات مباشرة على الهواء برسْم «الزعماء والأحزاب» وغضبة لم يتوانَ من خلالها «شعب المقاومة» عن توجيه انتقاداتٍ لاذعة للحزب والحركة على خلفية «ما نعيشه من حرمان وفقر وبطالة وانعدام أبسط الحقوق»، موجّهين نداءات الى الحزبيين «للنزول معنا دفاعاً عن كرامتنا ومستقبل أطفالنا»، وصولاً الى قول أحدهم رداً على المآخذ على الحراك بأنه قطع الطريق «عم يقطعو أرزاقنا، هني بدن قطع رقاب».
(الراي)