على وقع القانون النسبي، انطلقت الانتخابات النيابية امس على مساحة 15 دائرة انتخابية لاختيار 128 عضواً في البرلمان، بحيث خاض المرشحون أعنف الحملات الانتخابية وفق القانون الانتخابي الجديد الذي سيحدد شكل المجلس النيابي الجديد.
ومن بين الدوائر التي اعتبرت فيها المعركة من أعنف المعارك المسيحية – المسيحية وأشرسها، دائرة بيروت الأولى التي تضم: الأشرفية، الرميل، الصيفي والمدور، اذ يشكل الناخبون المسيحيون النسبة الأكبر أي نحو 90 في المئة من عدد الناخبين. ويقترع فيها 133802 ناخباً، ويتنافس 33 مرشحاً على 8 مقاعد موزعة كالآتي: 3 أرمن أرثوذكس، 1روم أرثوذكس، 1موارنة، 1 كاثوليك، 1 أرمن كاثوليك، 1 أقليات. ويتوزع الناخبون حسب النسب المئوية: أرمن ارثوذكس 28%، روم أرثوذكس 19%، موارنة 13%، روم كاثوليك 10%، سنّة 9%، أرمن كاثوليك 6%، سريان كاثوليك 4%، لاتينيون 3%، إنجيليون 2%، شيعة 3%، دروز علويون وكلدانيون 3%، مختلف 2%. وجرت المعركة الانتخابية في بيروت الأولى بين خمس لوائح: «لائحة بيروت الأولى»، المدعومة من «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» وأنطون الصحناوي وميشال فرعون، «لائحة بيروت الأولى القوية» المدعومة من التيار «الوطني الحر» وتيار «المستقبل» و«الطاشناق»، لائحة «الوفاء لبيروت»، وتنتمي الى المجتمع المدني، لائحة «نحنا بيروت»، وتضم مجموعة من المستقلين، لائحة «كلنا وطني»، وتنضوي فيها مجموعات من المجتمع المدني.
جولة ميدانية لـ «المستقبل» على مناطق بيروت الأولى ذات الغالبية المسيحية والثقل الأرمني، تؤكد أن هذه الدائرة واحدة من أكثر الدوائر صعوبة وتعقيداً نظراً الى وجود تعددية مذهبية توازيها تعددية سياسية، اذ هناك: «الطاشناق»، «الهنشاك»، «الرامغفار»، «القوات»، «الكتائب»، التيار «الوطني الحر»، تيار «المستقبل»، حزب «الوطنيين الأحرار»، مسعود الأشقر، أنطون الصحناوي والقوى المستقلة. هذه التعددية ظهرت جلياً من خلال المكاتب والماكينات الانتخابية التي تنوعت فيها الأعلام والألوان ولباس المناصرين بقدر التنوع المذهبي والسياسي في هذه الدائرة. وأجمع عدد من المراقبين والمواكبين لعملية الاقتراع على أن المعركة في بيروت الأولى مسيحية – أرمنية بامتياز خصوصاً بعد ضم المدور الى الرميل والصيفي والأشرفية والمرفأ، والذي يعتبر خزان الأرمن، وبالتالي، أصبح الصوت الأرمني القوة الأساسية في هذه الدائرة خصوصاً أن هناك 45 ألف ناخب أرمني من أصل 133 ألف ناخب أي ما يعادل ثلث الأصوات. ومع تقدم ساعات النهار، بدا التنافس قوياً بين 3 لوائح: «بيروت الأولى القوية»، و«بيروت الأولى»، و«كلنا وطني».
من الأشرفية مروراً بالصيفي والرميل وصولاً الى المدور، المشهد يتكرر: ناخبون يمارسون حقهم الديموقراطي، يصوّتون للائحة التي يعتبرونها تجسد طموحاتهم بحيث أن نسب الاقتراع تفاوتت بين قلم وآخر، في أجواء هادئة، وسط اجراءات أمنية مشددة وتحت أنظار مراقبي ديموقراطية الانتخابات، لكن الهدوء في الداخل رافقته حركة شبابية لافتة في محيط المراكز الانتخابية حيث عمل المندوبون الجوالون والماكينات الانتخابية كخلية نحل، اذ نصبوا الخيم بالقرب من المراكز، لمواكبة العملية الانتخابية والاطلاع على نسب الاقتراع، يتسابقون لمساعدة مسنّة من هنا أو مريض من هناك، يرشدون الناخبين على أقلام الاقتراع، لكن ما كان لافتاً تواصل الشباب مع بعضهم وتعاونهم بكل روح رياضية رغم انتماءاتهم السياسية المتعددة، لأنهم كما يقولون: «نحن جيل الشباب، نريد أن تكون الانتخابات عملية ديموقراطية حقيقية، بعيداً من التعصب والشحن الطائفي والسياسي لأن لكل شخص حرية في اختيار المرشح الذي يريد. كما كانوا يتبادلون الطعام وقوارير المياه، ويتحدثون عن أجواء الاقتراع»، ليخلصوا الى القول: «الشعب مصدر السلطة، والصناديق تكشف أسماء النواب الجدد».
وفي موازاة التسابق بين اللوائح لتأمين الحاصل الانتخابي، كان الشبان يتسابقون في سياراتهم المزينة بالأعلام الحزبية وبصور المرشحين، يتجولون في الأحياء، واضعين مكبرات الصوت على بعض السيارات التي ارتفعت منها الأغاني الوطنية والحزبية، مع العلم أن هذه المواكب كانت تختلط مع بعضها البعض، لكن لم يكن هناك أي تلاسن بين المناصرين ولم يسجل أي اشكال.
وفي العرس الديموقراطي الذي انتظره اللبنانيون 9 سنوات، يبقى «قرص» الحالات الانسانية مترافقاً مع كل عملية انتخابية بحيث أن ذوي الحاجات الخاصة يشعرون أن هذا اليوم يبقى غصة في قلوبهم بسبب عدم تسهيل اقتراعهم، وزينة التي وصلت باكراً الى قلم الاقتراع للادلاء بصوتها قبل الزحمة، يحملها شابان على كرسيها المتحرك، خرجت من المركز، وهي تمسح الدموع عن عينيها، قائلة: «صوتي متل كل الأصوات، بس أنا وضعي غير عن الكل وما بيسمحلي انو اطلع ع الطابق الثالث لانتخب. الشباب حملوني بس أنا مزعوجة من هالموقف. على أمل انو ياخذ النواب الجدد قضيتنا على محمل الجد». وفي قلم اقتراع آخر، في الرميل، بدت احدى المسنات التي يساعدها ابنها وابنتها على السير، فرحة ومتحمسة للادلاء بصوتها، مشيرة الى أن عمرها 84 عاماً، وهي تحب الرئيس سعد الحريري و«لعيونو رح انتخب اللائحة اللي بيدعما»، لكنها عاتبة على الدولة «اللي ما بتخصصلنا غرفة بالطابق الارضي لأنو نحنا بعمرنا ما بقى فينا نطلع دراج».
وفي اليوم الانتخابي الطويل، أدلى المرشحون بأصواتهم التي توزعت بين الأشرفية، الرميل، الصيفي والمدور. وجال وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون على مراكز الاقتراع، معتبراً في تصريح، أمام مركز سلمى الصايغ في الاشرفية، أن «هذا اليوم عرس للديموقراطية بعد 9 سنوات من التعطيل، فبيروت هي بيروت الحضارة، بيروت الحرية والديموقراطية، ونحن ننتظر أصوات الناس لأنهم سمعوا الكثير من الحوار السياسي الديموقراطي واليوم الصوت لهم».
وقال: «ليس لنا بالاتهامات التي حصلت خلال المعركة الانتخابية وكل ما قمنا به هو الاضاءة على بعض الامور التي يتلطى وراءها الاعلام والناس وكانت جزءاً من الحوار الديموقراطي الذي يحصل في الانتخابات ونتطلع الى الامام دائماً. والنقاش يقتضي أن يجيب من يتناوله الاعلام عن كل الاسئلة التي تطرح، فهذا دليل صحة وشفافية».
(المستقبل)