ستُقام وليمةٌ مثيرة للجدل، يوم الخميس 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تحت إجراءاتٍ أمنية مشدَّدة، وليمة احتفال بذكرى حدث تاريخي تسبب في تشريد شعب كامل.
سيحيي الاحتفال الذكرى المئوية للتوقيع على وعد بلفور، الذي قطعته الحكومة البريطانية بـ”تفضيل” إقامة “موطنٍ” يهوديّ في فلسطين
المفارقة أن اثنين من أحفاد ديفيد لويد جورج، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، الذي كان مؤيداً رئيسياً للوعد، يختلفان اختلافاً شديداً حول إرث هذا الوعد، حسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.
إذ سيحضُر روبرت لويد جورج، وهو ابن حفيد رئيس الوزراء الأسبق، الاحتفال وسيمثِّل عائلته بقصد الاحتفال بالذكرى. بينما تنوي غوينيث دانييل، وهي حفيدة أخرى، التظاهر في الشارع خارج مكان حفل العشاء المُقرَّر إقامته في منزل ثريّ قرب قصر باكينغهام
الفلسطينيون
ومن المتوقَّع أن يحضُر رئيسا الوزراء الحاليان لدولتيّ بريطانيا وإسرائيل، تيريزا ماي وبنيامين نتنياهو، المأدبة. كذلك قال المنظِّمون إنَّهم يتوقَّعون حضور عضوٍ من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ويجري التكتُّم على التفاصيل الخاصة بقائمة المدعوِّين. ولن يكون الزعماء الفلسطينيون من بين الحضور.
وقالت غوينيث دانييل، حفيدة لويد، وهي مُعالجةٌ نفسية تبلغ من العمر 71 عاماً: “تدين بريطانيا باعتذارٍ للشعب الفلسطيني بدلاً من الاحتفال بالوعد. أرى أنَّه من المشين أنَّ حكومتنا تتّخذ هذا الموقف”.
يعكس الخلاف بين أفراد عائلة لويد جورج العواطف المتضاربة قبيل الذكرى المئوية للوعد. ومثل عائلة لويد جورج، ينقسم السياسيون والجماعات الدينية أيضاً حول الأمر.
وقالت تيريزا ماي، وهي من حزب المحافظين، إنَّه يجب الاحتفال بالذكرى المئوية “بشعورٍ من الفخر”. ومن جانبها طالبت السلطة الفلسطينية باعتذارٍ، لكن حكومة تيريزا ماي قالت إنَّها لن تُعرِب عن أسفها تجاه الوَعد الذي مَهَّدَت كلماته الـ67 الطريق لتأسيس دولة إسرائيل، بعد انتهاء الحُكم البريطاني على الأراضي المُقدَّسة عام 1948.
ويقول نُقَّاد الوعد، إنَّ تصرُّف بلفور الاستعماري المستبد حرم الفلسطينيين من حقوقهم، وزرع بذور النزاع. ورفض جيريمي كوربين، زعيم حزب العمَّال المعارِض والمؤيِّد القديم لأحقية الدولة الفلسطينية، تلبية الدعوة لحضور الحفل.
نص إنجيلي
ويشارك جيكوب روتشيلد، وهو أحد أثرى رجال بريطانيا، في استضافة الحفل. وكان عمُّه الأكبر والتر، الذي كان زعيماً في المجتمع اليهودي آنذاك، قد تسلم الوعد عام 1917 على يد وزير خارجية ديفيد لويد جورج، آرثر بلفور. وقال اللورد روتشيلد: “وعدُ بلفور هو حجرُ أساس إسرائيل. وبرغم الصعوبات الجمَّة التي واجهتها، فإنَّ إقامة دولة إسرائيل كانت جديرة بالعناء بالنسبة للعالم أجمع”.
ويقود اللورد روتشيلد مجموعةً تحتفل بتأسيس الدولة اليهودية الحالية على أرضٍ انتزعها الجيش البريطاني من الإمبراطورية العثمانية عام 1917. وسيحتفل ائتلافٌ من المسيحيين، ممَّن يرى بعضهم أنَّ الوعد قد أوفى بتعهُّدٍ إنجيلي ينصّ على عودة اليهود لإسرائيل، بذكرى الوعد في قاعة ألبرت الملكية بلندن.
حفيد غاندي
في المعسكر المقابل، يوجد حفيد المهاتما غاندي، وائتلافٌ آخر من المسيحيين ممَّن سيقيمون فعاليةً أخرى قرب البرلمان البريطاني. يريد هؤلاء أن تعترف الحكومة البريطانية بأنَّ الوعد، على حد قولهم، قد قمع التطلُّعات الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وهُم في أغلبهم مسلمون ومسيحيون.
ويتفق أحفاد لويد جورج مع واقع أنَّ وعد بلفور غيَّر التاريخ، لكنَّهم يجادل بشأن مسؤولية بريطانيا تجاه الأمر. وقال أحدهم، وهو مدير صندوق مالي ويبلغ من العمر 65 عاماً: “كانت تلك مهمةً أسندها لنا التاريخ آنذاك. لا أعتقد أنَّه يجب لوم كاتبي الوعد على كُل ما حدث منذ ذلك الوقت”.
وفي المقابل، تقول غوينيث إنَّ الوعد أدَّى لإقامة “أمَّة لطالما تصرَّفت كما لو كانت محصَّنة. وبريطانيا من جانبها لا تفعل شيئاً لكبح جماح إسرائيل”.
حَكَمت بريطانيا فلسطين عقب الحرب العالمية الأولى. وكان اليهود آنذاك يُمثِّلون 11% من سكَّان فلسطين، وفقاً لإحصاء سُكَّانيّ عام 1922. وانهارت خطة الأمم المتحدة لتقسيم المنطقة إلى دولتين -واحدة عربية والأخرى يهودية- بعد أن غادرت بريطانيا المنطقة بالقوة، نشبت حرب 1948 بين إسرائيل وجيرانها العرب. وفرَّ مئات الآلاف من الفلسطينيين من بلادهم وأصبحوا لاجئين.
وفي عام 1967، خلال حرب الأيام الستة، احتلَّت إسرائيل الضفة الغربية وغزة، حيث يريد الفلسطينيون أن تُقام دولتهم.
وفي عام 2012 صوَّتت أكثر من 130 دولة، في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتُصبِح فلسطين عضواً بلا حقٍّ في التصويت في الكيان الدولي. وبينما صوَّتت الولايات المتحدة، وإسرائيل وكندا ضد عضوية فلسطين، امتنعت بريطانيا عن التصويت.
مسيحي متدين
وقال لويد جورج الحفيد، إنَّ نشأة جدَّه الأكبر، ذات الخلفية المسيحية كانت عنصراً مهماً في تأييده لإقامة وطنٍ لليهود. وقال الحفيد، وهو مسيحيّ متديّن أيضاً، إنَّ جده الأكبر كان “على حقٍّ” في المساعدة لإقامة دولة قومية لشعبٍ اضطُهِدَ على مدار فتراتٍ طويلة من التاريخ.
وفي المقابل، قالت غوينيث إنَّها “فخورة جداً” بجدّها الأكبر، لكنَّها وصفت قراره بتفضيل حقوق جماعةٍ على الأخرى في فلسطين بـ”الكارثة”، التي بذرت بدايات قرنٍ من النزاع.
وغوينيث هي زوجة آفي شلايم، وهو مُؤرِّخٌ بارزٌ وناقدٌ للاحتلال الإسرائيلي، وهيَ ما زالت تعمل على خططٍ للتظاهر ضد المأدبة. وقالت: “إذا ما ارتديت ملابس فاخرة وبدوت أنيقة للغاية، فإنِّي قد أصل للباب قبل أن أُطرَد”.
“تحقيق السلام”
وبالنسبة لرودريك بلفور (68 عاماً)، الذي اتخذ الوعد اسم جده الأكبر، فإنَّ مقطعاً “حاسماً” في الوعد قد جرى التغاضي عنه. قرأه بلفور الحفيد بصوتٍ عالٍ في شقَّته بلندن وهو: “على أن يُفهَم جلياً أنه لن يُؤتى بعملٍ من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتَّع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة بالفعل الآن في فلسطين”.
ويشارك اللورد بلفور في استضافة حفل العشاء مع اللورد روتشيلد، لكنَّه يفعل ذلك بمزاجٍ أقل ابتهاجاً. وقال: “يمكننا إحياء ذكرى الوعد، لكنِّي لا أشعر أنَّ بإمكاننا الاحتفال به فعلياً قبل أن نحقق السلام”.
إليكم نصّ الوعد كاملاً:
“وزارة الخارجية
في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1917
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني أن أبلِّغك بالنيابة عن حكومة جلالة الملكة، التصريح التالي، بالتعاطف مع تطلعات اليهود الصهيونية، وقد عُرِض على الوزارة وأقرَّته:
“إنَّ حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف لتأسيس وطنٍ قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جلَّ جهودها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهَم جلياً أنه لن يُؤتى بعملٍ من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتَّع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة بالفعل الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتَّع به اليهود في البلدان الأخرى”.
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتُم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.
المخلص
آرثر بلفور”.