كرر حاكم مصرف لبنان رياض سلامه الأسبوع الماضي التأكيد على أن تثبيت سعر صرف الليرة هو مسألة لا رجوع عنها، وذلك في رده على انتشار شائعات مفادها أن الليرة ستنهار، وهو ما دفع العديد من الخبراء والاقتصاديين إلى نفيها استناداً إلى الاحتياطات المرتفعة الموجودة في مصرف لبنان.
وفي اللقاء الشهري مع وفد جمعية مصارف لبنان برئاسة جوزف طربيه الخميس الماضي والذي جاء بعيد كلمة ألقاها سلامه في منتدى الاقتصاد العربي أكد فيها أن “الليرة مستقرة وثابتة، مدعومة بموجودات مرتفعة بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان والقطاع المصرفي”، اختار سلامه عبارات منمقة ودقيقة في تشديده على سياسة التثبيت، فقال “إن الاستقرار النقدي والدفاع عن سعر صرف الليرة من ثوابت مصرف لبنان ولا عودة أو رجوع عنهما”، ووكالات التصنيف الدولية ومنها «موديز» تؤكد في تقاريرها النظرة المستقبلية المستقرة للبنان، وأن “الوضع النقدي ما زال وحده قوياً” وأن “أحداً لن يقترب منه”.
وأبلغ سلامه الحاضرين أن الحملات الرائجة في بعض الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي تؤثر لكنها لا تخلق وضعاً مختلفاً.
وفسر أيضاً أن سندات اليوروبوندز في الخارج بدأت تستعيد عافيتها بعدما شهدت أسعارها انخفاضاً، ما أدى إلى ارتفاع العائد عليها، وأن الطلب على الورقة اللبنانية في الخارج لا يزال موجوداً رغم خروج بعض المستثمرين منها. وشرح أن تكلفة تأمين الدين والمعروفة بالـCDS تراجعت بما يزيد عن الـ7 في المئة إلى 6 في المئة.
سلامه الذي توقع أن يصل نمو الناتج المحلي إلى 2 في المئة هذا العام، قال إن توسيع الطاقة الإنتاجية مرتبط بتشكيل الحكومة، وبإقرار الإصلاحات التي تعهدتها حكومة الرئيس سعد الحريري في باريس في مؤتمر “سيدر” لناحية التصحيح المالي بنسبة 1 في المئة سنوياً إلى 5 في المئة خلال خمس سنوات. بمعنى أنه على الحكومة أن تعمل على خفض العجز إلى الناتج المحلي بواقع 1 في المئة سنوياً لغاية 5 في المئة خلال خمس سنوات أو ما قيمته 2.5 ملياري دولار على خمس سنوات.
واعتبر الخبراء، بحسب صحيفة “المستقبل”، أن هذا الإجراء الإصلاحي هو المخرج الوحيد المُتاح لتصحيح المالية العامة وتحقيق معدلات نمو أعلى. ففي ظل عدم القدرة على زيادة الضرائب قبل زيادة النمو، يجب تصويب الجهد على النفقات لخفضها، على أن يطاول الخفض كلّاً من دعم الكهرباء القادر على تحقيق وفر بالنفقات، وزيادة التعرفة، مع تقليل التقنين وزيادة الإنتاجية.
وقال سلامة: “الوضع النقدي ما زال وحده قوياً، وان أحداً لن يقترب منه. وحتى مؤتمر سيدر ركز على الحفاظ على الاستقرار النقدي ورأى الحل بالإصلاح المالي المتدرج من جهة وببرنامج استثمارات طويلة الأمد في البنى التحتية من جهة ثانية”.
وذكّر كل من الجمعية ومصرف لبنان بأن “ما تقدمت به المصارف من اكتتاب طوعي في مؤتمر باريس 2 أتى في إطار منظومة دولية متكاملة من المنح والهبات. أما الوضع حالياً فمختلف والمطلوب إصلاح مالي. واستقرار الليرة يُساعد على إصلاح المالية العامة ويحافظ على القوة الشرائية للبنانيين”.
وجاء ذلك في إطار طرح يتم التسويق له لمشهد مشابه لما حصل في تشرين الثاني حين قدم القطاع المصرفي اللبناني مساهمة طوعية خلال مؤتمر “باريس 2”. حينها قدم مصرف لبنان مخرجاً مالياً استثنائياً بقيمة 4.1 مليارات دولار تضمن إلغاء لدين عام بقيمة 1.8 مليار دولار، و1.9 مليار دولار على أساس مقايضة في الدين و0.4 مليار دولار كإعادة تمويل الدين. واشترت المصارف حينها سندات خزينة من فئة السنتين بمبلغ 3.6 مليارات دولار وبمعدل فائدة صفر.
إلى ذلك، طرحت الجمعية بعض جوانب تطبيق التعميم الرقم 474 المرفق بالتعميم الأساسي 32، استيضاحاً لبعض الجوانب التطبيقية المتعلقة من جهة أولى بالمشاركات في مصارف ومؤسسات مالية في الخارج، ومن جهة ثانية بعلاوات إصدار الأسهم العادية والتفضيلية المُسجلة بالعملات الأجنبية والتي درجت المصارف على عدم تنزيلها من حدود مراكز القطع الثابتة الدائنة المسموح بتكوينها. وفهمت المصارف من النقاش حول هذه النقطة أن مصرف لبنان يهدف من التعميم إلى عدم تحويل المصارف العملات الأجنبية من لبنان في توظيفاتها في الخارج بينما تريد المصارف السماح لها التوظيف في الخارج للاستثمارات التي تأتيها من الخارج أساساً. كما تريد المصارف الاحتفاظ بعلاوات الإصدارات بالعملات المكونة لديها على مدى السنوات الماضية والموظفة في مصرف لبنان وعدم احتسابها في مراكز القطع الثابتة، وإذا كان للسلطات النقدية والرقابية توجه جديد أن يسري المفعول بدءاً من تاريخ التعميم الوسيط أي 5 تشرين الأول 2017 أي من دون مفعول رجعي.
ووعد سلامه بإعادة النظر بالتعميم الوسيط على ضوء النقطتين التي أثارتهما الجمعية لناحية التوظيفات في الخارج والتي مصدرها الخارج ولناحية بدء سريان التعميم.
عن فائدة الـ15%
رداً على طرح أحد المشاركين ضرورة توضيح موضوع معدل الفائدة بـ15 في المئة التي يدفعها أحد المصارف على ايداعات الليرة لخمس سنوات، رأى حاكم مصرف لبنان «أنها توازي مردود سندات اليوروبوندز (9 في المئة) مضافاً إليها تكلفة الـCDS للدين اللبناني (6 في المئة) بالدولار، لافتاً إلى أن “أي إيضاح يجب أن يأتي من المصارف التي تروّج لهذه المنتوجات”.
ارتفاع كبير للعجز في أول شهرين من العام
اظهرت ارقام وضعية المالية العامة التي أصدرتها وزارة المالية عن الشهرين الأولين من العام الحالي، أن العجز المالي وصل إلى 865 مليون دولار أميركي أي نحو خمسة أضعاف ونصف مما كان عليه في الفترة نفسها من العام 2017 حين بلغ 161.6 مليون دولار.
وشكل العجز ما نسبته 30.7 في المئة من نفقات الموازنة والخزينة مقابل 8.1 في المئة من الإنفاق في الفترة نفسها العام الماضي.
وبلغ الإنفاق الحكومي 2.8 ملياري دولار بارتفاع نسبته نحو 40 في المئة عما كان عليه في أول شهرين من العام الماضي. في حين نمت الواردات بنسبة 5.8 في المئة على أساس سنوي إلى ملياري دولار.
ويعكس العجز المتنامي زيادة بقيمة 811 مليون دولار في النفقات الإجمالية مقابل زيادة قيمتها 107.6 مليون دولار في الواردات الإجمالية.
أما السبب الأبرز لزيادة الإنفاق فيعود إلى الزيادة في نفقات الموازنة (التي تتضمن النفقات العامة وخدمة الدين) بقيمة 485.6 مليون دولار، وفي التحويلات إلى البلديات التي بلغت 335.8 مليون دولار في الفترة المذكورة. وقد نمت خدمة الدين العام بواقع 8.7 في المئة في أول شهرين إلى 535.5 مليون دولار. أما دعم مؤسسة كهرباء لبنان فزاد من جهته بواقع 3.4 في المئة إلى 212 مليون دولار.
المستقبل