في لبنان، أثبت التعاطي الرسمي المعطوف على الأحداث والمستجدات الطارئة وتحديداً الأمنيّة منها، أن الأمن السياسي يُشكّل العمود الفقري للاستقرار الأمني في بلد يخضع لتركيبة متعددة ومتنوعة نوعاً ما حيث يحتاج فيه الاستقرار بكافة أنواعه، إلى توحيد القرار السياسي الذي غالباً ما يُشكّل دفعاً معنويّاً للأجهزة الأمنية العاملة على الأرض ينتج عنه سقوط شبكات بيدها. ومن أبرز ما توصل اليه لبنان بفعل القرار السياسي الموحد، انهزام أهم منظومة إجرامية وإرهابية في المنطقة وطردها الى غير رجعة، من جرود بدأ زرعها يُثمر على أيدي وسواعد ضباط وعناصر الجيش، حقولاً من التضحيات وفصولاً من الانتصارات.
بعد توجيهه ضربة قاصمة للإرهاب في لبنان ودحره من الجرود بشكل لا يُمكن العودة اليها لا اليوم ولا غداً، بالإضافة إلى تثبيت عامل الاستقرار في البلد، بدأ الجيش يُعيد تمركزه في الجرود والمناطق الحدودية وحيث تتطلب الحاجة الى وجوده. وعلى الرغم من إمكانية وصف المرحلة الحالية، بمرحلة أمن وأمان كان واجه قبلها لبنان، أخطر مشروع في المنطقة وربما في العالم، وانتصر عليه في بحور أيّام معدودة بفعل التضامن والتكاتف اللبناني، إلا أنه لا يُمكن القول أن مهام الجيش قد انتهت أو أنه أدّى قسطه للعلى، خصوصاً في ظل الكثير من الاستحقاقات التي ما زالت تنتظر عمله وفي مقدمها تثبيت الأمن والاستقرار في مرحلة تُعتبر الأهم والأصعب من عمر البلد.
من الواجبات إلى الانجازات ووصولاً إلى الانتصارات، تبقى عين الجيش وحدها الساهرة عند حدود الوطن وفي داخله. ومن هذه اليقظة الدائمة يُمكن القول، أن الجيش ومن خلال ما يقوم به على أكثر من صعيد وفي أكثر من مكان، عاد ليرسم بنفسه، خطوط سير أولوياته، وذلك من خلال الدعم السياسي والشعبي الذي يتلقاه، وليقول من خلالهما للأقربين والأبعدين، إن زمن استباحة لبنان وأراضيه والاعتداء على شعبه وجعله ملاذاً آمناً للإرهابيين، لم يعد كذلك اليوم، ولا يُمكن تطبيقه على أرض يطوقها بنيران مدفعيته وثبات عناصره خصوصاً مع تفعيل أجهزته الأمنية التي لم تترك للعابثين بالامن في الداخل، المجال للتحرك بحرية، فكانت لهم بالمرصاد على مدى الأيّام التي تلت معركة «فجر الجرود»، وآخرها عثورها أمس على اسلحة وذخائر وأمتعة عسكرية مختلفة في مجمع تجاري في وادي الحصن في عرسال.
مصادر عسكرية تؤكد لـ «المستقبل» أن مهمة الجيش لا يُمكن أن تنتهي لا اليوم ولا غداً، فهو عماد الوطن وأمنه واستقراره. ومن أولوياته اليوم، بؤر الارهاب التي تُشكّل التحدي الأبرز أمام الجيش وأجهزته الأمنية بالتعاون مع بقية الأجهزة اللبنانية الرسمية ليس في منطقة محددة، بل في كل مكان يُمكن أن يُستغل أو يتحوّل منطلقاً أو حضناً لعمليات ارهابية أو محاولات لزعزعة الاستقرار في البلد». هذه التأكيدات تدل على أنه في كل يوم يمرّ من عمر هذا البلد وفي كل استحقاق يُخاض في سبيل الدفاع عنه، ثمة جيش يقف وراء كل هذه الاستعدادات والانجازات. جيش مؤتمن على أرض لا يزيده الدفاع عنها إلا كرامة ومنعة وإصراراً على مواجهة الأخطار ومواصلة المسير حتى تثبيت الاستقرار على الأرض وفي السماء وبعزيمة لا تكل ولا تهدأ تُترجم في أرض الميدان، إمّا بعمل نوعي ينتج عنه اعتقال شبكات إرهابية ومطلوبين أو كشف عن أجهزة تنصت للعدو الاسرائيلي والبقاء على أهبة الاستعداد في ظل خروقاته المتعددة.
وتلفت المصادر إلى أن لبنان قطع شوطاً كبيراً في عملية تثبيت الاستقرار بعد معركة الجرود وطرد الارهابيين منه، وهذا ما انعكس بشكل ايجابي على الداخل وأرخى حالة من الاستقرار والأمان بين اللبنانيين. لكن هذا الأمر لا يعني أننا أصبحنا بمنأىً عن الارهاب اذ أن هناك بعض البؤر التي يجب التخلص منها»، موضحة أن «الجيش خلق شبكة أمان أمنية وعسكرية منعاً لدخول إرهابيين أو تسللهم اليها وتنفيذ مخططات إجرامية أو حتّى إيجاد أرضية يُمكن أن تُشكّل عامل أمان لهم».
بالطبع، فلا يوجد في العالم كله، شيء اسمه «أمن ممسوك» مئة في المئة، لكن وعلى الرغم من هذه النظرية السائدة والتي هي حقيقة مؤكدة، يُمكن الجزم بأن ما قامت به الأجهزة الأمنية اللبنانية كافة منذ سنة تقريباً وحتى اليوم، هو إنجاز نوعي يُسجّل لبلد معروف بإمكانياته المحدودة والمتواضعة، قياساً إلى دول كبيرة تخصص جزءاً ضخماً من ميزانياتها تُقدّر بالمليارات سنوياً، في سبيل تعزيز قدرات مؤسساتها الأمنيّة. وبالعودة إلى الأمن المتعلق بلبنان، يبدو أن الأمر يرتكز بالدرجة الأولى، على التوافق السياسي وعلى توحّد أبنائه ودعمهم المؤسسات المعنية بتكريس الأمن، خصوصاً خلال الفترة الحالية التي يبدو فيها البلد أحوج من أي فترة سابقة، إلى تضافر الجهود وتوحيد الرؤية السياسية وتحديداً في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب بكل أنواعه.
وبحسب القراءات الميدانية في ما يتعلق بالإنجازات الأمنية التي تحقّقت في البلد، والتي جاءت معطوفة على أوّل تصريح لرئيس الحكومة سعد الحريري، والذي أكد فيه يومها «العمل على أولوية تثبيت الأمن مروراً بحل المشكلات المتعلّقة بملفّي الكهرباء والنفايات وصولاً إلى إنجاز قانون إنتخاب»، يُمكن الملاحظة أن التوافق بين الأجهزة المعنية بحماية البلد قد شكّل بادرة جديدة للعمل الجماعي ونقلة نوعية في العمل الأمني. وكل الإنجازات التي تحققت حتى الساعة، لا بد وأنها أرخت ارتياحاً واضحاً وتنسيقاً بين الأجهزة الأمنية وعملها، والذي شكّل إلى حد كبير، هاجساً للخلايا الإرهابية وتضييق الخناق حولها بحيث صارت ارتكاباتها محكومة ومحصورة ضمن امكانياتها المحدودة، وهو ما يُعمل اليوم على فكفكته من خلال العمليات الاستباقية والنوعية داخل أوكار هذه الجماعات.
(المستقبل)