لم تنته قضية السلسلة بعد، والأصح القول ان قانون التمويل من خلال فرض سلّة ضرائبية عشوائية قد لا يمر في القصر الجمهوري بالسهولة نفسها التي مرّ فيها في مجلس النواب.
والسبب ان رئيس الجمهورية الذي كان متحفظاً من الأساس على إقرار السلسلة والسلّة الضرائبية قبل الموازنة، وجاهَرَ بهذا الموقف، قد يجد أمامه لائحة من الأسباب الاضافية قد تزيد في قناعته بأن السماح باستمرار الوضع على ما هو عليه لن يكون في مصلحة أحد، لا الشريحة التي لم تستفد من السلسلة، ولا حتى الشريحة التي لحقتها الزيادات في الرواتب من خلال السلسلة.
والأهم من الشريحتين ان الاقتصاد برمته قد يتعرّض لأزمة اذا لم يتم، في أقل تقدير، تصحيح بعض الثغرات في السلسلة والضرائب.
من خلال مؤشرات التداعيات التي ظهرت قبل نشر السلسلة والضرائب في الجريدة الرسمية، وبدء تنفيذ المندرجات، تبين ما يلي:
اولا: ان شريحة ممن تشملهم السلسلة غير راضين عن مفاعيلها ولا حتى عن مضمونها. القضاة نموذج، المحامون نموذج آخر، المتقاعدون في القوى العسكرية نموذج ثالث…
ثانيا: ان شريحة الموظفين الذين لا تشملهم السلسلة يشعرون بثقل الاضرار التي لحقت بهم. وقد برزت مؤشرات خطيرة على مستوى زيادة الضغط على القدرة الشرائية لهؤلاء من خلال التقديرات التي تشير الى احتمال رفع الاقساط المدرسية بنسبة 27 في المئة أو ربما أكثر.
مع الاشارة الى ان هذه الزيادات قد تكون مبرّرة، لأن 65 في المئة من موازنات المدارس مخصّصة لرواتب الاساتذة. وامس، برز موقف لافت للبطريرك الماروني قد يشكل عاملا حاسما في عدم توقيع الرئيس للسلسلة والضرائب.
ثالثا: ان الهيئات الاقتصادية التي تمثل القطاع الخاص، رفعت الصوت اعتراضا على ما قد ينتج عن السلسلة والضرائب، ويؤدي الى اقفال مؤسسات اضافية، وربما الى خفض حجم العمالة اللبنانية، والى مزيد من الافلاسات والبطالة.
رابعا: ان خبراء الاقتصاد يحذّرون من الضغط على المالية العامة، ويعتبرون ان حجم العجز المسجّل، والذي قد يُسجّل في الاعوام المقبلة يستدعي وقف كل انواع زيادة الانفاق، والتركيز على التقشّف وتحسين الايرادات.
الى كل هذه المعطيات التي قد تحفّز رئيس الجمهورية على وقف تنفيذ السلسلة والضرائب، لاعادة النظر بالارقام والنتائج، وسد الثغرات، هناك نقطة أخرى لا تقل أهمية عن النقاط الاربع اعلاه، وتتعلق بالعدالة الضرائبية ومنع الازدواج الضريبي.
هذا الملف سيُتاح لرئيس الجمهورية الاطلاع على تفاصيله ومخاطره اليوم الاثنين من خلال الزيارة التي يقوم بها الى قصر بعبدا وفد جمعية المصارف، ويحمل معه الى الرئيس ملفا كاملا حول اللاعدالة وتجاوز القوانين في عملية فرض الضرائب على القطاع.
وسيطّلع رئيس الجمهورية على صعوبة رفع الرسوم على ارباح الفوائد لأنها وصلت الى مستوى يمكن ان يؤثر ساباً على حجم تدفّق الودائع من الخارج. بما قد يُضعف قدرة المصارف على الاستمرار في تمويل الدولة. كذلك سيُطلع الوفد الرئيس على لاعدالة زيادة الضرائب من 15 الى 17 في المئة على الارباح، لأنها ضريبة تمس المصارف دون بقية الشركات، وبالتالي تخالف مبدأ المساواة امام القانون.
لكن الأهم في لائحة الثغرات التي ستقدمها المصارف يرتبط بالازدواج الضريبي من خلال فرض ضرائب على ارباح الاكتتاب بالسندات وشهادات الايداع لدى حصول عمليات الاكتتاب مباشرة، ومن ثم فرض ضريبة ثانية على هذه الاكتتابات لدى احتساب الارباح العامة للمصرف.
هذه الخطوة الناقصة التي مرت في سلة الضرائب الجديدة غبر مقبولة ومخالفة للقوانين. واذا كان لبنان يوقّع اتفاقيات مع الدول لمنع الازدواج الضريبي، كيف يسمح بهذا الازدواج في قوانين البلد الضرائبية.
والأخطر ان بعض المصارف الصغيرة تعتمد بنسبة 70 أو 80 في المئة في أعمالها على الاكتتابات، بما يعني ان حجم الضريبة الحقيقي الذي ستدفعه هذه المصارف على ارباحها قد يصل الى 25 أو حتى 30 في المئة.
انطلاقا من هذه الوقائع، ورغم ان رد السلسلة والضرائب لاعادة الدرس من قبل رئيس الجمهورية لن تكون امرا سهلا، الا انها احتمال قائم، لأن عدم الرد، من دون تصحيح الاخطاء المرتكبة، قد يتسبب بكارثة للبلد والناس.
(الجمهورية)