لا يتعاطى عون مع الموازنة المنتظرة كأنها مجرد كشف حساب مالي، بل هو يعتبر انها تكتسب هذه السنة ابعادا حيوية وقيمة مضافة، كونها ستحدد مسار لبنان المستقبلي وما إذا كان سيخرج من عنق الزجاجة أم سيتدحرج الى داخلها حيث سيواجه خطر الاختناق.
هذه المرة، صارت الموازنة ممرّاً إلزامياً لاستعادة التوازن المفقود بعدما تفاقم العجز المالي الى حد بات يهدد الدولة بالانتقال من الشلل النصفي الى الشلل التام.
ومن هنا، أراد عون ان يضع كل ثقله في هذا الملف وان يترك بصمته عليه، سعياً الى تصويبه كما يفترض، حتى لو أدى ذلك الى احتكاك مع الحريري.
وتؤكد شخصية لصيقة بعون انّ كلامه في بكركي هو تحفيزي وموجَّه الى كل جهة معنية بالموازنة التي لا يجب تحويلها مجرد وعاء لتجميع الارقام، بل ينبغي ان تكون تقشفية بكل معنى الكلمة، مرفقة برؤية اقتصادية حقيقية، تحاكي تراكمات المرحلة السابقة من التجاوزات في المالية العامة للدولة، وعادلة في تركيبتها فلا تصيب قطاعات وتستثني أخرى قد تكون الاكثر دسامة.
وتشير هذه الشخصية الى «انّ جرس الإنذار الذي صدر عن رئيس الجمهورية ينطلق من التزامه القاطع بحماية الدستور والسهر على التطبيق السليم لمحتواه، لافتة الى انّ التقيّد بوضع الموازنة وفق الأصول وضمن المهل المحددة هو جزء من الواجبات الدستورية التي ينبغي احترامها، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجه لبنان في هذه المرحلة الصعبة والمفصلية».
وتلفت الى «انّ مسؤولية حماية الدستور الملقاة حصراً على رئيس الجمهورية تصبح بلا قيمة وجدوى ما لم تكن مرفقة بأدوات تطبيقية وقوة دفع عملية، وبالتالي فإنّ ما قاله في الصرح البطريركي يندرج في سياق «تسييل» المسؤولية التي يتحملها، «وإذا كان البعض لم يقتنع بعد بأنّ الممارسة تغيّرت في عهد عون، فقد آن الأوان ليصدق أن تحوّلاً حقيقياً حصل».
وتلاحظ الشخصية المنضوية في فريق عون انّ خيارات الحريري المتصلة بالموازنة والمسار الاقتصادي- المالي توحي بأن لديه أجندة مصرفيّة لاتزال تتحكم بإتجاهاته حتى الآن، مستغربة التأخير الذي حصل في عرض مشروع الموازنة على طاولة مجلس الوزراء حيث يفترض أن تحسم وجهته النهائية.
وتنبّه الشخصية اياها الى أنّ حرص عون على التسوية الكبرى مع الحريري لا يعني أنه جاهز للقبول بأيِّ شيء من أجل المحافظة عليها، مشيرة الى «انّ التسوية حققت الإستقرار الداخلي وحكم الاقوياء وهذا أمر جيد ومطلوب، لكن رئيس الجمهورية يرفض أن يأتي التمسك بها على حساب بناء الدولة ومكافحة الفساد وتحقيق الامن الاجتماعي واستبدال الاقتصاد الريعي بالانتاجي».
وتؤكد الشخصية المطلعة على حيثيات موقف عون انّ مَن يعتقد «انّ في إمكانه أن يفرض عليه موازنة الامر الواقع بعد استنزافه وتقطيع الوقت هو مخطئ، لافتة الى «انّ البعض يظن ربما أنه قادر في نهاية المطاف ان يفصّل موازنة على قياس حساباته، متذرِّعاً إما بشبح المهل الزمنية الداهمة وإما بالضغط الفرنسي المتصاعد على إيقاع روزنامة مؤتمر «سيدر»، إلّا انه سيكتشف انّ تقديراته ليست في محلها. وتشير الى انّ لدى عون القدرة على استشراف المخاطر وكشف الرهانات، وهو اراد من خلال موقفه الصريح في الصرح البطريركي أن يقول لمن يعنيهم الامر: «انا كاشفكم»..
وتشدد الشخصية نفسها على انّ عون «لن يسمح بتاتاً بالوصول الى عجز مالي كامل والتوقف عن دفع الرواتب والمستحقات، بحيث يصبح لبنان دولة فاشلة، تمهيداً لوضعه تحت الوصاية المالية وإخضاعه لإملاءات البنك الدولي صندوق النقد الدولي وصولاً الى تطبيق وصفة اليونان عليه، معتبرة انّ مثل هذه المعادلة السامة لا يمكن أن تمرّ ما دام عون في رئاسة الجمهورية.