بعد إقرار قانون جديد للانتخاب منتصف الشهر الفائت، يذهب كل من مجلس النواب وحكومة الرئيس سعد الحريري في مرحلة انتظار حتى رأس السنة الجديدة، كي يتحضر أفرقاؤهما مذذاك للانتخابات النيابية العامة المقبلة.
منذ رأس السنة الجديدة عودٌ على بدء في سريان المهل القانونية لإجراء الانتخابات النيابية العامة في أيار 2018، والانخراط في لعبة بناء التحالفات وفق القانون الجديد للانتخاب. حتى ذلك الوقت، تستعيد السلطتان الاشتراعية والإجرائية استرخاءهما ومقاربة ملفات ــ على وفرة مشكلاتها ــ أقل عبئاً من قانون الانتخاب وتداعياته على توازن القوى في الداخل.
مع ذلك، لم يُطرد تماماً شيطان انتخابات 2018 من تأثيره على ملفات داخلية عالقة، بعضها مهم مقدار سهولة ربطه بما ينتظر البلاد في أيار المقبل. وهو ما سيعنيه الجدل المرتقب في الأسابيع المقبلة حيال مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب، المعلق منذ وقت طويل، سابق لانتخاب الرئيس ميشال عون وإبرام التسوية السياسية التي ترعى استقرار حكومة الرئيس سعد الحريري. ومن غير المستبعد أن يفضي الجدل المستمر من حول السلسلة، مجدداً، الى ربطها بانتخابات 2018 بغية استثمارها في الحملات الانتخابية، ما يحمل بعض واسعي الاطلاع على إظهار مسحة تشاؤم بإزاء إقرار مشروع القانون في العقد الاستثنائي الثاني الحالي.
في حسبان بعض الوزراء، أن الخلافات الناشبة على الملفات الحالية، كالكهرباء والاتصالات والنفايات والتعيينات وسواها، ليست مستعصية الحل. ما يُختلف عليه في مجلس الوزراء يؤجل أو يُعثر على مخرج له بحد أدنى من التباين، ولم تعد تنتظر الحكومة استحقاقات موازية لما خبرته كتلها الرئيسية في قانون الانتخاب سوى الذهاب الى انتخابات 2018.
برّي: أي تضخّم في السلسلة بعد فضائحهم وصفقاتهم وإهدار المشاعات؟
لم تعد تتصرّف على أنها حكومة موقتة لمهمة محددة، هي إجراء الانتخابات على نحو ما أفصحت عنه في بيانها الوزاري. وصولها الى انتخابات 2018 ونهاية البرلمان الحالي الممدد له، في 21 أيار، يجعلها تقترب من نهاية الثلث الأول من الولاية في تشرين الأول من ذلك العام، وهي بذلك تكون قد أضحت واقعاً حكومة العهد الأولى. ناهيك بأن الطريقة التي اتبعها تأليفها، في خطوة تالية لانتخاب الرئيس ثم تكليف الحريري ترؤسها، عكست طبيعة موازين القوى السياسية التي سترافق العهد الحالي، في كل حكومة مقبلة على الأرجح، وخصوصاً إذا تمكّن الحريري ــ في ضوء انتخابات 2018 ــ من ضمان عودته الى رئاسة الحكومة الثانية.
تعزّز هذه الانطباعات الاستقرار السياسي داخل الحكم كجزء لا يتجزأ من تسوية تشرين الأول 2016 مع انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
لا يبدو رئيس مجلس النواب نبيه بري بعيداً كثيراً عن ملاقاة وجهة النظر هذه، بقوله إن مرحلة ما بعد إقرار قانون جديد للانتخاب، إلى حين أوان إجراء الانتخابات النيابية ــ وهو يجزم بإجرائها في موعدها ــ «تتطلب كثيراً من بعث الروح في عمل المؤسسات الدستورية، وخصوصاً البرلمان والحكومة»، بعدما استنزف كما استنفدت مناقشات قانون الانتخاب الكثير من الوقت والجهود. يحمله ذلك على القول إنه يريد «استعادة اندفاعة مجلس النواب على نحو ما حصل على أثر انتخابات 1992، حينما سجل البرلمان أرقاماً قياسية في عدد الجلسات التي عقدها، والكمّ الكبير من القوانين التي أقرها، أضف جلسات المناقشة العامة والأسئلة والأجوبة. وهو ما نحتاج إليه في الأشهر الفاصلة عن موعد انتخابات أيار».
يستعيد بري العبارة التي قالها لرئيس الجمهورية أخيراً، على أثر إقرار قانون الانتخاب وتمديد ولاية المجلس الحالي سنة تقريباً. قال له: «الناس يظنون أنها 11 شهراً تمديداً للمجلس. في واقع الأمر هي 11 شهراً كي يستعيد مجلس النواب احترام الناس له. ما لم نفعّله سنكون أمام شرشحة».
انطلاقاً من ذلك، يرجّح موعد انعقاد البرلمان في العقد الاستثنائي الثاني بعد 15 تموز، بعد أن تكون البلاد قد خرجت نهائياً من إجازة الفطر وعاد المسؤولون والنواب من أسفارهم. في الجلسة المقبلة بند أول هو سلسلة الرتب والرواتب. كان مدرجاً في جدول أعمال جلسة 13 نيسان التي أرجأها استخدام المادة 59 من الدستور: «أرجِئَ ولم يُلغ. الآن أنجزنا قانون الانتخاب وعاد مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب الى الواجهة».
يؤكد بري أيضاً بعض المعطيات:
أولها، تمسكه بفصل السلسلة عن مشروع قانون موازنة 2017 الجاري درسه في اللجنة المختصة. ما إن يُنجز، يحيله على الهيئة العامة. في الأيام الأخيرة، الأربعاء الفائت تحديداً في لقائه الأسبوعي النواب، سمع كلاماً عن إشارات للتيار الوطني الحر تشي بإعادة ربط سلسلة الرتب والرواتب بالموازنة العامة، بالكلام أولاً عن أرقام مضخمة في السلسلة، ثم بالتلميح في اليوم التالي الى ربطها بالموازنة كي يصير إلى بتّهما معاً في مشروع قانون واحد. يرفض بري هذا الربط، ويميز بين كليهما، ويعتبر أن السلسلة هي الآن في جدول أعمال الجلسة المقبلة، ولن يعيدها مجدداً الى اللجان.
ثانيهما، من الآن الى موعد انعقاد الهيئة العامة، وقبل أن تباشر الخوض فيها، ليس أمام الحكومة سوى أن تطلب من رئاسة المجلس استرداد مشروع قانون السلسلة بمرسوم يوقعه رئيس الجمهورية، ويعني ضمناً موافقته على هذا الاسترداد. إذذاك يلزم هذا الإجراء مجلس النواب استجابته، على أن تتحمل الحكومة وزر هذا التصرّف. إلا أن بري يشير ضمناً الى ممانعته أي بحث في استرداد السلسلة ما إن تصبح قيد المناقشة في الهيئة العامة.
ثالثها، يرفض أي ذرائع جديدة تتناول أرقام السلسلة، وتحديداً الرقم الذي استقرت عليه وهو 1200 مليار ليرة، وتالياً العودة من جديد الى الجدل العقيم في هذا الجانب الذي استغرق الحديث فيه طويلاً في السنوات الأربع الأخيرة، منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وتجمّد بدوافع شتى، معظمها كان يدور على سبل تغطية الأعباء الناجمة عن تطبيقها.
يقود ذلك بري الى القول: «ليست مشكلة السلسلة أرقامها، ولن نعود الى هذا السجال. بعد كل ما نسمعه من فضائح وصفقات من هنا وهناك، وإهدار المشاعات ومساحات واسعة من البحر، هل يتحدثون الآن عن أرقام مضخمة؟ لم يعد أحد يحكي عن الفضائح كأن الناس تعوّدوا عليها».
(نقولا ناصيف – الاخبار)