تتّجه بيروت إلى اختبارٍ بالغِ الأهمية لـ«مضبطة السلوك» السياسي التي يفترض أن تكون مخْرَجاً للاضطراب الذي أصابَ التسويةَ التي تحكم الواقع اللبناني منذ أكتوبر 2016 والذي كان تجلّى في بُعْده الداخلي باهتزازِ العلاقة بين فريقيْ رئيس الجمهورية ميشال عون (التيار الوطني الحر) ورئيس الحكومة سعد الحريري (تيار المستقبل) تحت عناوين تتّصل بالصلاحيات والتوازنات واتفاق «الطائف»، فيما عبّر عن بُعده الاقليمي تَولّي «حزب الله» بلسان أمينه العام السيد حسن نصر الله نزْع صفة تمثيل لبنان عن الحريري على خلفية مواقفه أمام القمة العربية الاستثنائية في مكة المكرّمة.
وفيما كانت «البوصلة الداخلية» مشدودة إلى أيامٍ حاسمة في مسار انتقال مشروع موازنة 2019 الى الهيئة العامة في البرلمان إيذاناً بإقرارها بمواصفاتٍ تضمن استفادة لبنان من مخصصات مؤتمر «سيدر»، لم تتأخّر الجلسة التي سيعقدها مجلس الوزراء يوم غد برئاسة الحريري في التحوّل محطّ أنظارٍ لما ستشكّله من مؤشّر إلى طبيعة العلاقة بين مكوّنات الحكومة ولا سيما بين «المستقبل» و«التيار الحر»، إضافة إلى رصْد تأثيرات «الاشتباكات الجانبية» بين أكثر من طرفٍ فيها على خلفية ملفات مثل التعيينات المرتقبة والنازحين السوريين وغيرها.
فبعدما كان يتم التعاطي مع جلسة الثلاثاء على أنّها بمثابة «اجتماع عمل» من نحو مئة بند سيكرّس تطبيع العلاقة بين فريقيْ عون والحريري ترجمةً لما انتهى إليه لقاء رئيسيْ الجمهورية والحكومة منتصف الأسبوع الماضي، صارت هذه المحطة محور ترقُّب كبير بعد «الانتكاسة المبكّرة» لمناخ التهدئة التي شكّلها كلام رئيس «التيار الحر» وزير الخارجية جبران باسيل (يوم السبت) حول النازحين والموقف منه والغمز من «متآمرين» لا يريدون عودتهم مراعاةً لمصالح خارجية ودور البلديات في ضبْط العمالة السورية ودعوتها إلى «سحب التراخيص ومنْع فتح محلات لا يحق قانونياً للعامل السوري فتْحها» وتشديده على أنه «لا يحق لوزارة الداخلية التدخل ضد رئيس بلدية يطبق القانون».
وسرعان ما وَضَعَتْ اندفاعة باسيل المتجددة، رئيس الحكومة أمام تحدي الموازنة بين حرصه على التمسك بالتسوية السياسية كضمانة لاستقرار لبنان وصون مؤسساته، وبين طرْحِه في مؤتمره الصحافي الأخير ما يشبه «قواعد السلوك» الجديدة التي حدّدها لنفسه في التعاطي مع مسبّبات «الغضب» في الشارع السني نتيجة جنوح رئيس «التيار الحر» نحو مواقف وأداء مستفزّ، كما جعَلَها (قواعد السلوك) برسْم الآخَرين لتدارُك الانزلاق نحو واقعٍ أكثر تأَزُّماً.
واعتبرتْ أوساطٌ سياسية عبر «الراي»، ان تجربة ما بعد الترميم المفترض للتسوية أظهرت مدى هشاشة ركائز إخماد «الحريق السياسي» على خط فريقيْ عون والحريري، بدليل ارتسام معادلة «التيار الحر لن يلتزم بمقتضيات التهدئة، وتيار المستقبل لن يسكت عن التمادي في ممارسات تعكس شعوراً بفائض القوة».
وكان الأكثر تعبيراً عن قرار «المستقبل» بعدم السكوت على سلوك باسيل سواء لجهة ما اعتُبر تَفرُّداً في مقاربة مجمل ملف النازحين أو تدخلاً في عمل وزارة الداخلية وتحريض البلديات على مرجعيّتهم (سلطة الوصاية) المتمثلة بهذه الوزارة، 3 إشارات:
* الأولى تأكيد وزيرة الداخلية والبلديات رَيَّا الحسن في بيان لها أمس «أن مجلس الوزراء هو المكان المناسب والمرجع الصالح لمعالجة أزمة النزوح السوري لوضع استراتيجية متكاملة، تأخذ في الاعتبار القرارات التي سبق للمجلس الأعلى للدفاع ان اتخذها، والخطوات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ لاسيما لجهة تحديد دور البلديات في معالجة هذه الأزمة»، مشيرة الى أن «هناك إجماعاً وطنياً يؤكد ضرورة إقفال المحال غير الشرعية وعدم التسامح مع السوريين الذين يمارسون أي عمل على الأراضي اللبنانية قبل الاستحصال على الإجازات اللازمة، الا انه لا يجوز تناول هذا الموضوع بخلفية فئوية وشعبوية، ولأغراض حزبية وشخصية، لأن معالجة هذا الموضوع يجب أن تتم ضمن إطار المؤسسات الدستورية المختصة ولا سيما وزارة الداخلية والبلديات وهي الوزارة المعنية بانتظام عمل البلديات والحفاظ على النظام العام ضمن نطاق كل منها».
* والثانية مقدمة أخبار تلفزيون «المستقبل» مساء السبت التي اعتبرت «ان الوزير باسيل لا يمكنه أن يتحدث مع الحكومة ومع وزارة الداخلية ومع المجتمع الدولي، وأن يدلي بدلوه في أزمات النزوح السوري والفلسطيني بالطريقة الفجة التي يعبّر عنها، متكئاً على منصبه الرسمي الذي من المفترض أن يتحدث منه باسم الدولة وأن يعبّر عن مواقف الحكومة لا عن مواقف (التيار الوطني الحر)، والخلط بين موقف الدولة والحكومة وبين مواقف الأحزاب والتيارات، يجعل من الدولة (دولة كل مين إيدو إلو)، ولبنان دولة لجميع اللبنانيين، وليست لحزب وطائفة وتيار».
* والثالثة كلام مستشار رئيس الحكومة النائب السابق عمار حوري الذي انتقد كلام باسيل في موضوع النازحين والبلديات جازماً أن «باسيل كرئيس حزب لا يحق له أن يوجّه تعليمات الى البلديات»، ولافتا الى أن «باسيل لديه شعور بفائض قوة، لأن لديه 11 وزيراً بالحكومة لكنه نسي أن رئيس الحكومة هو الأساس ويمكن أن يقلب الطاولة، وطولة بال الحريري لا يمكن أن تستمرّ الى ما لا نهاية (…)».
الراي