غسان الحبال:
بقي موضوع الانتخابات النيابية التي يعد لبنان نفسه بإجرائها خلال أيار (مايو) المقبل، الموضوع التوافقي الوحيد الذي يجمع عليه أهل الحكم، وسط كثير من المواضيع الخلافية التي أقفل عليها عام 2017 الماضي، والتي لا تدعو كثيراً إلى التفاؤل مع مطلع عام 2018 الجديد.
وعلى رغم اقترابنا من موعد الانتخابات التي يجمع المسؤولون اللبنانيون على ضرورة إجرائها في موعدها المحدد، إلّا أن هناك مخاوف ما زالت تحدق بهذا الاستحقاق الديموقراطي، تشكل مؤشرات إلى الحصار على الحريات الإعلامية، والسلاح غير الشرعي أبرزها.
بهذا المعنى، يبقى السؤال الشرعي المطروح هو: أي تأثير للسلاح غير الشرعي في الانتخابات اللبنانية المرتقبة؟
يقول الوزير السابق أشرف ريفي في معرض إجابته عن هذا السؤال أن «سلاح «حزب الله» يأتي في صدارة الأسلحة غير الشرعية، حيث لم نر أي فريق آخر تعدى على السيادة اللبنانية في الشكل الذي تعدى عليها سلاح «حزب الله»، يقاتل حيث يريد في الساحات العربية ويعود كأنه فوق القانون وغير معني بتبعات هذا القتال وبالأذية الكبرى التي سببها للبنان، ودائماً تحت عنوان «سلاح المقاومة».
أما بالنسبة إلى انعكاس ذلك على مسار الانتخابات النيابية المرتقبة، وعلى رغم تأكيده ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد، يقول ريفي: «حين نقول أن قانون الانتخابات الذي يأخذ بالنسبية أم تفصيله على قياس حزب الله، فإنما نعني بذلك بأن هذا الحزب يمسك اليوم ببيئته إمساكاً حديدياً، وأحد أشكال هذا الإمساك الحديد بالبيئة يتم بتكليف شرعي، وبالخدمات والأموال، إنما هناك جانب يتم بالسلاح غير الشرعي، لذلك لدينا اليوم تحفظ على القانون الحالي على الرغم من أنه أفضل من القانون الأكثري، لأنه ضمن الوضعية الشاذة الراهنة فإن السلاح يساهم بعدم توافر الظروف المواتية لنكون متساوين كلنا كلبنانيين… فأنا لا أستطيع الإمساك حديدياً ببيئتي، بينما هو قادر على ذلك».
يلتقي النائب السابق الدكتور مصطفى علوش مع الوزير ريفي في مخاوفه من تأثير السلاح غير الشرعي في نتائج الانتخابات النيابية، لكنه يذهب إلى ما هو أبعد من الإمساك الحديد لـ «حزب الله» ببيئته، فيعتبر أن «تسوية النأي بالنفس الغامضة كانت دفناً للرأس في الرمال طالما أن خيار المواجهة غير موجود لأن عناصره غير موجودة أو ضعيفة جداً، وهي تسحب غموضها على موضوع السلاح غير الشرعي الذي لا يمكن تشريعه بأي طريقة من الطرائق لأنه ليس في يد الدولة، وهو بالتالي سلاح مرفوض سواء كان سلاحاً سنياً أو سلاحاً شيعياً أو مسيحياً».
ويربط علوش بين تأثير وجود السلاح غير الشرعي في الانتخابات وعوامل الاستقرار في لبنان، فيشير إلى أنه «لا يمكن الفصل بين استعمال هذا السلاح وتهديد المصلحة العليا للدولة، وبما يشكله من عدم استقرار سياسي واقتصادي نتيجة غياب مرجعيات الدولة وغموض معالم حضورها ودورها».
أما بالنسبة إلى تأثير السلاح الشرعي في الانتخابات مباشرة، فيقول علوش أن «عدم رفع هذا السلاح لا يلغي وجوده لأن في أذهان الناس أنه يمكن صاحبه أن يستخدمه في أي لحظة، والمبدأ الأساسي هنا أنك إن لم تشأ استعماله فلماذا حيازته، لذلك فإن وجوده يعطي انطباعاً أنه مصدر قوة واستقواء عند فئة من اللبنانيين، بمعنى أن أي انتخابات تجرى ولو في شكل ديموقراطي وحر، ستؤدي إلى اختيار المواطن الأقوى القادر على حمايته وتأمين مصالحه، بالتالي إلى شعور بالضعف لدى الطرف الآخر نتيجة تراجع ثقة قاعدته بقدرته على مواجهة الآخر بالقوة ذاتها، وهذا الواقع قائم في اللحظة الراهنة».
هل يعني هذا أن الانتخابات لن تحصل؟
يبدو وفق كل المعطيات ومواقف مختلف الأطراف المعنية وجود إصرار على إجرائها، لكن ذلك لا يشكل بالضرورة انعكاساً حقيقياً للديموقراطية حيـــث ينطلق لبنان أساساً من ديموقراطية مشوهة تستند إلى أسس طائفية تطــــاول حكماً ديموقراطية الانتخابات، ما يمكن أن يؤدي إلى انتــــخابات لا تعكس بنتيجتها ما يطرح علــــى أساس أنه ديموقراطية الانتخابات في شكلها الحديث، والتي تشكل معارضة تملك قدرة التعبير عن رأيها، وأن تكون خيار مواطن غير مرهون لضغط أمني وسياسي واقتصادي كالذي نحن عليه اليوم.
ينقلنا الحديث عن ديموقراطية الانتخابات، إلى جانب آخر من المخاوف من إجراء الانتخابات في ظل إجراءات تحاصر الإعلام والحريات الإعلامية، وهي مخاوف أثارتها ملاحقات قضائية وتشدد قانوني ضد عدد من الإعلاميين والصحافيين والمعلقين والمغردين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحول هذه المخاوف يقول علوش: «أنا لا أعتقد أن ما حصل أخيراً هو مؤشر للتضييق أو للتغيير، ليس هناك مَن هو قادر على التغيير إلا إذا أراد أن يفرض وقف وسائل التواصل الاجتماعي عبر وقف الإنترنت، ما يعني وقف حركة الاقتصاد وضربها في البلاد، والتفكير في هذا الأمر غير وارد الآن، فـ «حزب الله» القادر على تثبيت الهيمنة الإيرانية فكرياً وإعلامياً في المناطق التي يسيطر عليها، يدرك أن السيطرة على وسائل الإعلام لا يمكن أن تحقق هدف إقناع المناطق السنية والمسيحية بهيمنة ولاية الفقيه، وفي المقابل فإن التيار الوطني الحر، تيار رئيس الجمهورية، يعرف أن هيمنة إيرانية على لبنان من شأنها أن تنهي دور المسيحيين فيه، لذلك فإن المواجهة مع الإعلام اليوم، وهي ليست جديدة والرئيس السابق إميل لحود ذهب أشواطاً فيها، ما هي إلا شكل من أشكال الدفاع عن عهد الرئيس ميشال عون، والدفاع عن مصالح التيار الوطني الحر وعن وجوده السياسي وبناء قدراته السياسية».
إلا أن الوزير ريفي، ومع تشديده دائماً على ضـــرورة إجراء الانتخابات النيابية، يذهب بعيداً فـــي التعبير عن مخاوفه من إجرائها في ظل حصار يستهدف حرية الرأي والتعبير والإعلام، «إذ إن هناك بدايـــات لدولة أمنية ودولة بوليسية، ولدينا علامات استفهام كبرى على التضييق على الإعلام وعلى حرية الرأي وحرية التعبير وهي قانون مقدس، ذلك أن علة وجود لبنان هي هذه الحريات الحقيقية، وهم بكل أسف يستنسخون العقل السوري والممـارسات السورية كأنهم لم يأخذوا عبرة مما حل فــي سورية بسبب غياب الديموقراطية». يضيف: «حكماً، العملية الانتخابية هي من أرقى المحطات الديموقراطية لاختيار ممثليها، إنما في ظل السلاح غير الشرعي نعم لدي خشية من أن يشكل وجوده حظراً أو تضييقاً على الإعلام وعلى الحريات، وألا تأخذ عملية الاختيار مكانتها ومسارها السليم».
ويبقى أنه في خضم التطورات المحلية والإقليمية المفاجئة فإن عام 2018 يعدنا لبنانياً بكثير من المتغيرات على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي، لا سيما على صعيد التحالفات الانتخابية التي تحكمها عادة البراغماتية السياسية.
* صحافي لبناني