صلاح سلام :
يبدو أن صبر دول مؤتمر سيدر قد شارف على النفاد، بعدما أيقنوا عجز الحكومة اللبنانية عن تنفيذ تعهداتها، وتحقيق الإصلاحات الموعودة في المدى المنظور، وذهاب الوضع اللبناني إلى مراحل أكثر خطورة وتعقيداً، في حال إستمر العجز الحكومي على حاله، وبقيت المالية العامة على تدهورها الراهن.
لم يُفلح رئيس الحكومة في إقناع مضيفه في تمديد مهلة السماح والتساهل مع الحكومة اللبنانية. لعل العكس هو الذي حصل، حيث شدد الرئيس الفرنسي على ضرورة الإسراع في تنفيذ الإصلاحات المالية والإدارية اللازمة، تسهيلا لفتح الأبواب أمام مساعدات وقروض مؤتمر سيدر. كما أبلغ سيد الأليزيه ضيفه بتشكيل لجنة خبراء من عدد من الدول المشاركة في مقررات سيدر، للإشراف ومتابعة الخطوات الإصلاحية المطلوبة، وفي مهلة زمنية محددة.
إرسال لجنة من الدول المانحة للقروض إلى لبنان، يعني بشكل أو بآخر، وضع الدولة تحت الوصاية الدولية، بعدما فقدت الدول المعنية الثقة بقدرة لبنان على تحقيق الخطوات الإصلاحية والإنقاذية وحده، في ظل هذا التخبط الذي تعيشه الحكومة اللبنانية، بسبب الفساد المستشري في الطقم السياسي من جهة، وغياب الرؤية الواضحة للإصلاح والإنقاذ لدى أهل القرار، فضلاً عن التنافسات اللبنانية التقليدية على منافع المشاريع والإلتزامات.
هذه النتائج المسربة عن محادثات رئيس الحكومة في باريس، لا توحي بأن الزيارة كانت ناجحة، على النحو الذي حاول بعض الإعلام تصويره، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلباً على الرهانات المعلقة على المساعدات العربية، والتي أصبحت جزءاً من مقررات سيدر، وتخضع لنفس الشروط والمعايير التي تعتمدها دول المؤتمر الأوروبية.
لم يعد خافياً حجم الإستياء الأوروبي، لا سيما الفرنسي في مقدمته، من حالة الإهمال والعجز التي تهيمن على أداء السلطة في بيروت، والتي مازالت غارقة في وحول الفساد، وغير قادرة على التعامل مع الخطوات الإنقاذية الحقيقية بجدية وشفافية، لإقناع الدول المعنية بإطلاق ورشة الإصلاح في البلد، والعمل المدروس للخروج من الأزمة المالية والإقتصادية الراهنة!
لقد عبر الموفد الفرنسي عن هذا الإستياء، مع شيء من الغضب، بعد جولته على كبار المسؤولين والوزراء المعنيين، وخاصة وزيرة الطاقة، حيث فوجئ بأن شيئاً لم يتحقق من الخطوات الإصلاحية المطلوبة، للبدء في تخفيض عجز الكهرباء، وتحسين أوضاعها المالية، بما في ذلك عدم إنجاز أي إلتزام ببناء معامل جديدة، حسب الخطة التي تم تقديمها إلى مؤتمر سيدر.
ولكن إستياء بيار دوكان في بيروت، تحول إلى موجة من التشكيك في باريس بقدرة الحكومة اللبنانية على تنفيذ تعهداتها، مما إقتضى تشكيل لجنة الوصاية الأوروبية، لمتابعة التفاصيل اليومية على الأرض، وبشكل مباشر، تفادياً لهدر المزيد من الوقت.
خطوة وضع لبنان تحت الوصاية الأوروبية، تعني من جانب آخر أن البلد غير متروك لمواجهة مصيره بالإفلاس والإنهيار، بسبب فساد الطبقة السياسية، وأن الحفاظ على الحد الأدنى من التنفس في الجسد اللبناني، ضرورة دولية لا بد منها، تجنباً لوقوع الأسوأ في حال فشلت الإصلاحات، سواء بالنسبة للأوضاع الإجتماعية اللبنانية، أو على مستوى وجود أكثر من مليون نازح سوري في لبنان، يتحمل أعباءهم الوطن الصغير نيابة عن المجتمع الدولي، والأوروبي خاصة.
وما أعلنه وزير المالية السعودي حول إستعداد حكومته لتقديم الدعم المالي للبنان، يؤكد مرة أخرى أن المملكة العربية السعودية، ومعها الأشقاء والأصدقاء، حريصون على إنقاذ بلد الأرز أكثر من بعض السياسيين والمسؤولين فيه، الذين ما زالوا يتلهون بخلافاتهم الفئوية، ويلهثون وراء مصالحهم الشخصية، غير عابئين بمخاطر الوضع المالي الدقيق الذي وصل إليه البلد، بسبب سوء الإدارة السياسية، وهذا الفساد المستشري في شرايين الدولة اللبنانية!
وجود لجنة الوصاية الدولية يؤكد الإعتراف الأوروبي بإفلاس الطبقة السياسية اللبنانية، وفي الوقت نفسه الرفض المطلق بالسماح بإفلاس لبنان، وسقوطه في مهاوي الإنهيار!