ما زالت التحقيقات الألمانية حول معتقلات النظام في سوريا مستمرة حتى اليوم، سواء باستجابات مع ضباط من جيش النظام السوري غادروا بلادهم لاجئين أو من شهود آخرين.
وبعد فتح ملفات عديدة حول أقبية المخابرات وما يجري فيها من انتهاكات، تصل إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، سلّط قانون قيصر الأميركي وما تضمنه من صور مسربة الضوء أكثر على هذه القضية العالقة منذ سنوات طويلة.
بدوره، حمل المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ممثلاً بالناشط الحقوقي مازن درويش المعتقل السابق في سجون الأسد، مهمة متابعة هذا الملف.
وقبل أشهر، بدأت محكمة كوبلنز الألمانية تحقيقاتها مع ضباط من نظام الأسد فروا من سوريا إلى ألمانية لاجئين، إلى أن قدم درويش نفسه شهادته وقام بتسليم المحكمة وثائق مترجمة إلى اللغة الألمانية.
ولم تعرض المحكمة تلك الوثائق في القاعة لأن أطراف الدعوى كانوا بحاجة للاطلاع عليها أولاً، إنما طلب من الشاهد شرح فكرة عامة عن محتواها وكيفية حصوله عليها.
تضمّنت تلك الوثائق التي حصلت عليها محكمة كوبلنز الألمانية، بحسب تقرير مفصل نشرته شبكة “ليفانت”، معلومات وتفاصيل عما كان يحدث في أقبية النظام وماهية الأماكن نفسها، وجاءت المستندات على عدة فصول أبرزها:
الهيكلية:
وهي وثائق تبين هيكلية الفرع 251 التابع لنظام الأسد من جهتين، الأولى عبارة عن الأقسام الداخلية، وهي أقسام السجن الداخلية كاملةً، بالإضافة لمخطط سجنين تابعين لقسم التحقيق في فرع الخطيب القابع في دمشق وهما:
* السجن الداخلي: وهو غرف السجن داخل بناء الفرع 251.
* السجن السري: بعد بداية المظاهرات في سوريا، وازدياد أعداد المعتقلين، أخذ الفرع 251 غرفاً داخل مقر الفرقة الرابعة، وحوَّلها إلى سجن سري، يتبع مباشرة لقسم التحقيق، في فرع الخطيب وهو المسؤول عن إدارته.
وكذلك هناك أقسام المناطق: وهي تابعة للفرع، وتتضمن خمس مناطق: الزبداني، الضمير، النبك، دوما، وفرع المدينة (الفرع 40)،
وكان الهدف الرئيسي من شرح الهيكلية الإدارية لفرع الخطيب، والتراتبية القيادية، هي الوصول للجاني وتوسيع دائرة المشتبه بهم، لتتضمن: المسؤول عن القرار أولاً، والآمر بالتنفيذ ثانياً، وأخيراً منفذ القرار.
وأيضاً ربط المهام والأسماء، وهم: “93 اسماً، بينهم 29 ضابطاً، 45 صف ضابط، و19 موظفاً مدنياً”، مع بعضها، بالتسلسل الحقيقي لها، لتشمل الفترة بين آذار 2011 حتى تشرين الثاني 2012.
معتقلون ماتوا قبل وصول المستشفى من الفرع
وهناك أيضاً ثلاث وثائق مسربة من مشفى حرستا العسكري ومشفى الهلال الأحمر، وهي برقيات صادرة منهما إلى الفرع 251، تتضمّن حالة 3 أشخاص، وصلوا هذه المشافي من الفرع، بعضهم فارق الحياة قبل وصوله، وبعضهم بعد وصوله بمدة وجيزة.
فيما لا تظهر الوثائق المذكورة الأسباب الحقيقية للوفاة، وهي التعذيب حتى الموت، وإنما تتضمن سبباً واحداً فقط وهو كما ورد في التقارير “توقف عضلة القلب”، وتكمن أهميتها في إثبات وصول جثث الضحايا من الفرع.
فقد وجّه شقيق أحد هؤلاء الضحايا رسالة مصورة مترجمة للألمانية للمحكمة، على قرص مضغوط (CD)، يشرح فيها طريقة تأكّدهم من قتل أخيه ومسؤولية فرع الخطيب عن ذلك، وقام الشاهد بتسليم هذه الرسالة.
أوامر من “رئاسة الجمهورية”
وهناك أيضاً وثائق لمراسلات بين فرع أمني وإدارته من جهة، وبين إدارة الفرع ومكتب الأمن الوطني من جهة ثانية، حول أحد ضحايا القتل تحت التعذيب في هذا الفرع، والذي كان موظفاً بوزارة النفط، وهو سبب قيامهم بهذه المراسلة، من أجل إثبات تواطؤ مكتب الأمن الوطني، المتصل مباشرة برئاسة الجمهورية، بأوامر دفن جثة المعتقل دون تسليمه لأهله بل للشرطة العسكرية، لتقوم بهذه المهمة.
وظهرت صورة هذا المعتقل المذكور ضمن صور قيصر، حيث تم تسليمها للمحكمة مع قرابة 100 صورة أخرى من صور قيصر التي تخص الفرع الأمني والمدة الزمنية المعنيين في هذه القضية.
كما يوجد أيضا مذكرة إطلاع مسرَّبة، تم تقديمها لرئيس الفرع 251، تتضمّن شكوى مرفوعة من مشفى حرستا العسكري/ قسم الطبابة الشرعي، بخصوص اعتراضهم على عدم تعاون عناصر الفرع المذكور بتغليف وإعداد ونقل الجثث القادمة من الفرع، مع توضيحهم أن عدد الجثث كبير، وأنهم لا يستطيعون كقسم طبابة القيام بذلك وحدهم.
وتثبت هذه الوثيقة، العدد الضخم من الضحايا الذي يصل بشكل مستمر ومتواصل لمشفى حرستا العسكري، من فرع الخطيب وحده.
4 مواقع لمقابر جماعية
في الوثائق أيضاً، كشفت أربع مواقع جغرافية لمقابر جماعية، وزعت في محيط دمشق وريفها ضمن المناطق التالية: نجها، القطيفة، الفرقة الرابعة، ومنطقة الضمير التي تظهر للمرة الأولى كمنطقة مقابر جماعية.
كما تتضمن المخططات تحديداً مؤكداً لمناطق المقابر، بطريقة حساب خطوط الطول والعرض، والتي قام بها الفرع الذي سُرِّبت منه هذه الوثائق، ويبدو أن تحديد الفرع للمقبرة بطريقة خطوط الطول والعرض هو لتحديد حجمها بحسب المدة الزمنية لتسريب تلك الوثيقة.
معلومات تقدم لأول مرة
وهناك ثيقتان مسربتان من داخل أحد الأفرع الأمنية، تتضمنّان جداول بأسماء معتقلين، قضوا داخل هذا الفرع، وتمّ نقلهم لأحد المشافي العسكرية، الوثيقتان تتضمّنان أيضاً أرقام برادات هؤلاء الضحايا، ضمن المشفى العسكري.
كما تظهر شهادة منشق عن السجن السرّي، في الفرقة الرابعة التابع مباشرة لفرع الخطيب ومعلومات تُقدم لأول مرة عن المكان بتفاصيله وإدارته.
الهدف.. محاكمة بشار الأسد
وعن سبب تقديم الوثائق في هذا الوقت وليس مع بداية المحاكمة، فأجاب الشاهد للصحيفة نفسها، قائلاً: “المركز السوري لا يعتبر المحاكمة لشخص فقط. كما أن الزج بالوثائق في هذه المرحلة هو جزء من استراتيجية المركز من اليوم الأول للمحاكمة، والتي تسعى لتحصيل حكم فيها يشمل قائمة أكبر من المشتبه بهم، حتى لو لم يكونوا في ألمانيا، وأن نثبت من خلال المحكمة قانونياً المسؤولية الجنائية لرئيس الجمهورية، بحيث تفتح محكمة كوبلنز الباب أمام إنشاء محكمة دولية خاصة، نستطيع من خلالها محاكمة بشار الأسد وكبار الضباط المسؤولين عن الجرائم”، بحسب تعبيره.
وفي جلسة المحكمة الثانية، أجاب الشاهد عن أسئلة المدعين والادعاء العام والدفاع بخصوص الأوضاع في سوريا بعد الحراك، ومنهجية التعذيب وتطور العنف المستخدم ضد المتظاهرين، وأيضاً تمّ التطرق للحديث عن العنف والتهديد الجنسي، وتأكيد حالات الاغتصاب في الأفرع الأمنية للمعتقلين والمعتقلات، على حد سواء بعد بداية الثورة، وقام الشاهد بسرد أمثلة على ذلك عايشها بنفسه أثناء اعتقاله.
الشاهد الثاني
انتهت شهادة مازن درويش، بعد يوم ونصف قام فيهما بتقديم شهادة مفصلة.
بعد ذلك، استدعي الشاهد الثاني وهو ضابط منشق عن النظام، وطلبت المحكمة الشهادة معه بناءً على سجلّات هاتفية، قامت الشرطة الجنائية برصدها وتسجيلها بينه وبين المتهم رسلان، في الفترة السابقة لاعتقال رسلان، حينما كان تحت المراقبة السرَّية.
وأوضح الشاهد أن صداقته ترتبط بشقيق زوجة رسلان، وليس برسلان نفسه، وأن هذه الصداقة هي سبب الاتصالات التي لم تتعدّ الاطمئنان والسلام دائماً، وبأنها كانت اتصالات متباعدة، مشدداً على عدم معرفته أي شيء خاص عن رسلان، ولا حتى عن طبيعة عمله، ولا حتى عن انشقاقه الذي قرأه كخبر عاجل على إحدى القنوات التلفزيونية آنذاك، ولم يعرفه بشكل شخصي من رسلان أو من عائلته.
إلى أن انتهت شهادة الضابط المنشق بعد ساعة ونصف فقط، دون أن تضيف أي معلومة جديدة عن رسلان.
فيما ستتابع المحكمة جلساتها، بداية أكتوبر/تشرين الأول القادم، في جلستين تتضمنان ولأول مرة شهادة سيدة سورية.