ورغم أن أوساطاً سياسية تتعاطى مع ما يشبه “شحْذ السكاكين” في ملاقاة الأربعين يوماً الفاصلة عن 20 حزيران على أنها “من عُدة” لعبة “عرض القوّة” التي تُسابِق “المهل القاتلة” وتحسين شروط تفاوُض “حافة الهاوية”، إلا أن هذه الأوساط لا تُسقِط الخشية من انفلات “المكابح” التي تفرْمل انفجار أزمة قانون الانتخاب وتَطايُر شظاياها في أكثر من اتّجاهٍ بحال استفحلتْ حال المعاندة والتمتْرس خلف نياتٍ يُشتمّ منها تصفية حساباتٍ إما “بمفعول رجعي” يتّصل بالانتخابات الرئاسية الأخيرة وإما في سياق “ربْط نزاع” مع الاستحقاق الرئاسي المقبل.
ومن هنا اكتسب الكلام الذي أَطلقه رئيس الحكومة سعد الحريري الثلثاء بعد زيارته رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أهميةً استثنائية عكستْ ما وصفَه بـ“الأجواء السلبية” التي تسود البلاد واستياءه من المناخ الذي أشاعه الثنائي الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري و”حزب الله” عن أن الفراغ بعد 20 حزيران ممنوعٌ ولو ليوم وأن أيّ فراغٍ في البرلمان سيعني فراغاً شاملاً مع تلميح بإمكان استقالة وزرائهما من الحكومة.
وفي رأي أوساطٍ مطّلعة أن الحريري، الذي كانت كلّ المؤشرات تدلّ على أنه يعتزم إطلاق طرْحٍ انتخابي تسْووي يشكل نقاط التقاء بين مختلف القوى ويقوم على النسبية الكاملة على أساس دوائر متوسطة (أكثر من الدوائر 13 التي نصّ عليها مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي) مع إعلان نيات في شأن مجلس الشيوخ، لا يمكنه إطلاق مثل هذه المبادرة في غمرة اشتداد “العاصفة” على خط العلاقة بين عون وحزبه (التيار الوطني الحر) من جهة وبين بري ومن ورائه شريكه في الثنائية الشيعية “حزب الله” من جهة ثانية، لا سيما ان رئيس الحكومة يعتبر ان ما سيقدّمه هو بمثابة “الفرصة الأخيرة” بعدما تَهاوتْ كل الصيغ التي طُرحت سابقاً.
وفي حين شكّلت “تغريدة” بري قبل ظهر الثلثاء التي شنّ فيها هجوماً لاذعاً على عون و”التيار الحر” ضمناً من بوابة ملف الكهرباء وخطة استئجار بواخر لتوليد الطاقة صيفاً إشارة إضافية الى “سوء الأحوال” بين رئيسيْ الجمهورية والبرلمان، فإن الأوساط المطلعة تعتبر أن “خط الدفاع الهجومي” الذي رسمه الثنائي الشيعي تحت عنوان “الفراغ الشامل” بعد 20 حزيران يَستهدف في شكل رئيسي عون الذي ذهب قريبون منه إلى اعتبار أن لا فراغ عند انقضاء ولاية البرلمان على قاعدة ان بإمكان الحكومة الدعوة الى انتخابات نيابية خلال ثلاثة أشهر (وفق قانون الستين النافذ) كما لو أن البرلمان بات منحلاً، وذلك في معرض احتدام عملية “عض الأصابع” حول قانون الانتخاب والضغط لمنْع اي تمديد بلا قانونٍ يحسّن التمثيل المسيحي ويوفّر كتل مسيحية وازنة (ثلث البرلمان وأكثر) يقودها “التيار الحر” تسمح بالتحكم بمسار الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ورغم أن الأوساط عيْنها لم تستبعد أن تكون معادلة “الفراغ في البرلمان أوّله نهاية الحكومة وآخره مؤتمر تأسيسي (وليس قانون الستين)” تحمل في طياتها أيضاً انزعاجاً من “تغطية” الحريري الثنائي المسيحي (التيار الحر والقوات اللبنانية) و”حماية” رفْضهما أي تمديد بلا قانون جديد ما أطاح عملياً جلسة 15 الجاري التشريعية لمجلس النواب، إلا أنها اعتبرتْ أن هذا “التطاحن” وكلام الحريري لا يعني سقوط المساعي لإنضاج مَخرج بقدر ما هو حضّ على إطفاء محركات التصعيد ووقف “عرْض العضلات” المتبادل.
ولفتت الأوسط في هذا السياق الى ما نُقل عن بري من انه “مش قاطع الأمل” بالتوصل الى توافق حول القانون والى استمرار المشاورات المكوكية في الكواليس لبلورة طرْح الحريري التسْووي بانتظار توافر المناخ الملائم لكشْفه بعد تدوير كل زواياه مع مختلف الأفرقاء المعنيين وحسْم موقف “التيار الحر” منه، لا سيما ان الأخير لم يسلّم بعد علناً بسقوط آخر صيغة طرحها رئيسه الوزير جبران باسيل والمعروفة باسم “التأهيلي”.
وكان الحريري قال بعد زيارة عون التي سبقت ترؤسه (عصراً) اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة بحث قانون الانتخاب ان “هناك أجواء سلبية في البلد ولكن هذه الاجواء لا تبني قانون الانتخاب”، لافتاً الى “ان أجواء عرض العضلات ومحاولة حشْر فريق سياسي لا تفيد”، ومشيراً إلى “أننا نعرف اننا واصلون في مكان ما إلى أمور قريبة من بعضها ولا أحد يريد الفراغ لا الرئيس عون ولا الرئيس بري ولا أنا، ومَن لا يريد الفراغ عليه ان يبني على الإيجابيات للوصول إلى القانون الجديد”.
واذ أكد “أننا لم نصل إلى طريق مسدودة”، دعا الى “عدم وضع أنفسنا في مواقف مسبقة”، مشيراً في هذا السياق الى التهديد بالفراغ او بالاستقالة، ومضيفاً: “أنصح كل الأفرقاء بأن علينا وضع كل جهودنا للانتهاء من قانون الانتخاب الذي من الضروري ان يحسن التمثيل، وهناك تسويات كبيرة وتضحيات كبيرة جداً يقوم بها الرئيس بري في ما خص مجلس الشيوخ والمناصفة في البرلمان، وفخامة الرئيس عون يتحدث عن هيئة إلغاء الطائفية السياسية، وهناك شيء كبير جداً في البلد يمكن أن يحصل”.
وقال “نعرف أننا متجهون الى مكان إيجابي، ورئيس الجمهورية يريد حلولاً في البلد ونحن ان شاء الله سنعمل خلال الايام المقبلة ليلاً نهاراً كي نصل الى المكان الذي نريده”.
وكرر أنه سيعتبر حكومته “فشلت إذا لم نستطع الوصول لقانون جديد للانتخاب”، مذكراً بما سبق للرئيس الشهيد رفيق الحريري ان اعلنه قبيل انتخابات العام 2005 (قبل اغتياله) “ضعوا القانون الذي تريدونه وأنا أمشي به”.
وفي موقفٍ لافت لاقى فيه مجدداً الثنائي المسيحي، أكد الحريري ان “مبدأ التصويت في مجلس الوزراء موجود وهذا الامر من المفترض أن يحصل، لكن بموضوع كهذا (قانون الانتخاب) نحن نعمل حتى آخر دقيقة كي نصل إلى توافق ما”، منتقداً في هذا السياق “المعايير المختلفة” ومذكّراً بأنه “في حكومة سابقة (الرئيس نجيب ميقاتي) تم إقرار مشروع قانون (الانتخاب) بالتصويت رغم تحفظ أحد الأفرقاء المشارِكين في الحكومة التي لم نكن ممثَّلين فيها ولم يسأل أحد عن رأينا”. واضاف: “لا نريد الذهاب الى التصويت من باب التحدي، لأننا نرى أن التوافق ينسحب اليوم على 95 في المئة من الامور، لذا فإن الجو السلبي الذي حاول البعض أن ينقله لا يفترض أن يكون كذلك”.
(الراي الكويتية)