لا شك أن إقرار قانون الانتخابات الجديد وفقاً لنظام النسبية نقل البلاد والعباد من ضفة إلى أخرى، ليس فقط لأنه أراح اللبنانيين من حالة الترقب التي عاشوها على مدى الشهور الماضية حول شكل ومضمون القانون المقبل، وعالج كل هواجس القوى السياسية ولبّى جزءاً لا بأس به من متطلباتها، بل لأنه وضع مداميك جديدة للحياة السياسية في لبنان، ستظهر ملامحها بدءاً من الانتخابات المقبلة ومن المفروض أن تستمر تباعاً في الدورات الانتخابية القادمة، نتيجة الإصلاحات العديدة التي تضمنها القانون الذي لم يخلُ أيضاً من الثُغر التي كان بالامكان تلافيها، بمعنى آخر قانون «النسبية» الجديد هدّأ من الهواجس التي كان يخلّفها قانون الستين، لكنه لم يستطع أن يلبّي كل طموحات التوّاقين إلى الديمقراطية الكاملة بل ما تيسّر منها.
في ميزان التقييم القانوني والاداري، ينال القانون الجديد علامة «حسن» التي تعترف بالايجابيات وتدل على السلبيات في الوقت نفسه، وهذا ما يوافق عليه الخبراء القانونيون والضالعون في دهاليز السياسة اللبنانية و تعقيداتها، إذ يلفت رئيس لجنة الادارة والعدل النيابية النائب روبير غانم لـ «المستقبل»، إلى أن «إحدى أهم إيجابيات القانون المُقرّ، عدا عن أنه وفق النظام النسبي، هي في إعطاء صلاحية أكبر لهيئة الاشراف على الانتخابات وضمان إستقلاليتها إلى حدّ معيّن، كما أن من الايجابيات الاخرى التي تحسب للقانون هي في إعتماد البطاقة الممغنطة وهذا ما يمنع الرشوات عبر عمليات النقل للمقترعين وإحتساب المصاريف، كما أن إصدار لوائح المرشحين وتوزيعها من قبل وزارة الداخلية يعطي الفرصة للتساوي بين كل المرشحين وتمنع الضغوط على المقترعين».
ويبدي غانم رضاه «عن توزيع الدوائر إلى 15 دائرة، ويرى انها أمر مقبول طالما ان جميع الاطراف أبدت موافقتها عليه مبدئياً، وهي راضية عن إقراره، كما أن مكننة النتائج ستمنع الكثير من الاخطاء والمخالفات التي تحصل في المحاضر والطعون النيابية، وبالمحصلة يفتح القانون النسبي المجال للمرشحين من خارج الكتل النيابية الكبرى والاحزاب للترشح، ويعطي الفرصة للعديد منهم بالنجاح من خارج نطاق الاحزاب إذا إستطاعوا التكتل في تحالفات معينة، وهذا ما لم يكن ممكناً في النظام الاكثري».
ويضيف: «صحيح أن القانون ليس على قدر طموحات العديد من القوى اللبنانية، لكنه خطوة حسنة لأنه يتيح للمغتربين أن يصوّتوا ويشاركوا في الحياة السياسية ويبقى على علّاته أفضل من قانون الستين».
ينظر عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب غسان مخيبر للقانون الجديد نظرة مزدوجة تجتمع فيها الحسنات و السيئات، ويقول لـ «المستقبل» إنه «لا شك أن القانون حمل تحسينات إلى العملية الانتخابية التي ستجري، لكنه لا يعني أنه خالٍ من الثُغر، من دون إغفال حقيقة ساطعة بأن إقرار القانون هو بحد ذاته إنجاز بعد الازمة السياسية – الدستورية التي عاشتها البلاد مؤخراً، وبالتالي فضيلته الاولى أنه وُلد بالتوافق بين القوى السياسية على الرغم من علاّته،كما أن إعتماد النظام النسبي أمر مهم ومطلب كنت أنادي به منذ العام 1996 لأنه يحد من مساوئ النظام الاكثري ويفتح المجال امام التعددية السياسية وإلغاء الطائفية السياسية ويساعد في إنشاء مجلس الشيوخ، والاهم أنه يدخل مفهوم النسبية في الوعي و الثقافة اللبنانية».
ويُبدي مخيبر رضاه عن تقسيم الدوائر إلى دوائر متوسطة ( 8 و 10 دوائر ) وإن كان يبدي ملاحظات على عدم إعتماد وحدة المعايير في الدوائر، ويقول: «تقسيم الدوائر إلى هذا الحجم يترجم الضوابط التي يطالب بها اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً، بالاضافة إلى إعطاء صلاحيات أكبر لهيئة مراقبة الانتخابات وإستقلالية أوسع وهذا أمر إيجابي، علماً أن الطموح لدينا هو في أن تعطى الهيئة الصلاحيات بإجراء الانتخابات من دون وصاية وزارة الداخلية، من دون ان ننسى الإصلاحات الأخرى التي تضمنها القانون لجهة ضبط التمويل والتغطية الاعلامية وسد ثُغر القانون السابق، وإقرار تمثيل المغتربين وإن بدورات لاحقة وإقرار البطاقة الانتخابية التي ستوضع موضع التنفيذ في مرسوم لاحق، وكل هذه الاصلاحات سوف تؤثر إيجاباً على وقف الممارسات المعهودة التي كانت تخرق سرية الانتخابات النيابية».
إلى جانب هذه الايجابيات، يُعدّد مخيبر سلبيات عديدة يتضمنها القانون، لأن «الاطراف السياسية لم تتوصل إلى قرار جامع حولها، وأولها غياب تخفيض سن الاقتراع إلى 18 عاماً، خصوصاً أن تأجيل الانتخابات تم لفترة طويلة نسبياً، وعدم إعتماد الكوتا النسائية وعدم إنشاء مجلس للشيوخ، كما أنه اثناء المناقشات الدائرة لم يلتفت أحد إلى عمل اللجنة الفرعية في المجلس النيابي التي لم تتمكن من القيام بمراجعة كاملة لكل أحكام القانون بكل ثغراته، وبالتالي تساهم في تطوير النظام الانتخابي بشكل تراكمي ومستمر».
التدقيق في بنود القانون يسمح بتسجيل ملاحظات عدة أبرزها أنه منح المرشحين الجدد مهلة كافية للإعداد للانتخابات، وسمح لرؤساء البلديات بالترشح شرط الاستقالة في مهلة شهر من صدور القانون في الجريدة الرسمية، واستثنائياً،كما سيحسم في المرحلة المقبلة كيفية إجراء التصويت (إلكتروني أو عادي) والفرز (من مكان السكن أو الدائرة الانتخابية)، علماً ان فرز الأصوات سيكون إلكترونياً، وستتولّى وزارة الداخلية أيضاً وضع النظام الخاص به ليصدر مرسوم بشأنه. أما آلية احتساب الأصوات فستجري عبر برامج حسابية سيعمل على وضعها وتجربتها خلال الاشهر المقبلة، ناهيك عن تفعيل دور هيئة الإشراف على الانتخابات عبر جعلها دائمة وإعطائها صفة المستقلّة، على ان تتألف من 11 عضواً.
(المستقبل)