جورج سولاج :
يحتاج المجتمعون في أستانا إلى معجزة للاتفاق على مرحلة ما بعد المعركة الكبرى التي يجري الإعداد لها في شرق سوريا.
والمعركة الكبرى والأخيرة ضد “داعش” لن تكون في الرقة، وإنّما في دير الزور، المنطقة الغنّية بالنفط، والاستراتيجية في موقعها الجغرافي الذي يربط بين سوريا والعراق والأردن، ويمرّ فيها الطريق السريع بين دمشق وبغداد، والذي تعمل إيران للسيطرة عليه تحقيقاً لمشروعها ربطِ البحر المتوسط بطهران.
وهذه المعركة تُعتبر نقطة تحوُّلٍ كبرى في النزاع في الشرق الأوسط، لأنّها لن تحدّد مصير “داعش” فقط، حيث يتحصّن فيها قادتُه المنسحبون من الموصل والرقة، وإنّما ستحدّد مصير سوريا ومستقبلها، ودينامية النزاع في المنطقة.
خلافاً لعهد أوباما، لن تسمح إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للإيرانيين وحلفائهم بتحقيق نصرٍ على حساب واشنطن، وفي المقابل لن تتراجع إيران أمام الترهيب الأميركي، وهذا ما ظهر من خلال عدة اختبارات لردّ الفعل الأميركي، أجرَتها طهران في الآونة الأخيرة، وردّت القوات الأميركية عليها بحزم.
والمفارقة هنا، أنّ الأميركيين يَعملون مع الميليشيات الموالية لإيران في العراق، ويطلِقون عليها النار في سوريا.
يقود الأميركيون عملياتهم من محورين أساسيين:
1 – شمالاً من مدينة الطبقة التي تمّ تحريرها، في اتّجاه الرقة، قبل المعركة الكبرى في دير الزور، من خلال نشر مستشارين أميركيين، ومدفعية وصواريخ موجّهة بالأقمار الاصطناعية، وطائرات “أباتشي”، وعددٍ من العسكريين إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية ميدانياً.
2 – من الجنوب من قاعدة التنف على الحدود الأردنية حيث يدرّب خبراء بريطانيون ونروجيون وأميركيون قوات مختلطة كردية وعربية، للقضاء على “داعش”.
كذلك، يدرّب الأميركيون القوات المعارضة الحليفة لهم على كيفية إدارة مناطق الطبقة والرقة والحفاظ عليها بعد تحريرها، وحفظِ النظام فيها وعدم الانجرار إلى عمليات انتقامية، ومطاردة خلايا “داعشية” محتملة.
وفي الوقت ذاته، تسعى قوات النظام، مدعومةً من إيران وحلفائها، إلى التقدّم من ثلاثة محاور، في الشمال من حلب، والوسط من تدمر، والجنوب للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي التي ستُحرَّر من “داعش”.
وفيما تُعزّز روسيا قوّاتها قرب عفرين شمالاً، تُحاول إقناع الإيرانيين بعدم الاقتراب من القاعدة الأميركية في التنف، خصوصاً أنّ هناك تفاهماً بين الأميركيين والروس على إنشاء هذه القاعدة منذ دخول القوات الروسية إلى ساحة الحرب في سوريا نهاية أيلول 2015.
ويبقى هناك سؤالان أساسيان:
الأوّل، لِمن ستكون الغلبة في البادية السورية؟ هل سيتحقّق الهلال الشيعي أم أنّ ترامب سيكون له حسابٌ آخر؟
الثاني، هل يمكن أن ينتهي الإرهاب بضرب “داعش” وتحرير المدن والقرى التي يحتلّها منذ سنوات، أم أنّه سيتّخذ أشكالاً أخرى أكثر رعباً وتفشّياً؟
إنسحبَ الإرهابيون من الموصل في العراق إلى دير الزور، ومن الطبقة في سوريا إلى الرقة وبعدها إلى الدير. ولكن ماذا بعد المعركة الكبرى، إلى أين سيفرّون وأين سيتخفّون؟
من هنا، وعلى رغم كلّ النجاحات الأمنية والعمليات الاستباقية للجيش والأجهزة اللبنانية، تزداد المخاطر مع اقتراب ساعة الحسم (تقدَّر بأشهر عدة)، مِن تسَلّل وتدفّقِ إرهابيين إلى دول عدة، منها لبنان، ويزداد الخطر خصوصاً إذا بقيَت السلطة عاجزةً عن المبادرة واتّخاذ قرار سياسي بتفكيك البيئاتِ الحاضنة والنزوحِ المفخّخ.
والمشكلة الأخطر أنّ أيديولوجية «داعش» زُرعت في عقول الأطفال في المناطق التي احتلّها الإرهابيون.