Lebanon On Time –
ترأس رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية، المطران يوسف سويف صلاة ورتبة سجدة الصليب، لمناسبة يوم الجمعة العظيمة في كنيسة مار مارون في طرابلس، عاونه خادم الرعية المونسنيور نبيه معوض ولفيف من الكهنة، في حضور النائب إيلي خوري ونقيبة محامي طرابلس والشمال ماري تيريز القوال، ومشاركة شخصيات سياسية واجتماعية وحشد كبير من المؤمنين من مختلف رعايا الأبرشية.
تخلل الزياح حمل نعش المسيح في الشوارع المحيطة بالكنيسة، حيث طاف المؤمنون خلف النعش يتقدمهم المطران سويف والكهنة، وسط قرع الاجراس وارتفاع اصوات التراتيل الخاصة بمناسبة يوم الجمعة العظيمة.
بعد قراءة الأناجيل، القى سويف عظة قال فيها: “في يوم الجمعة العظيمة، تعالوا ندخل مع يسوع ونكون شهودا لابن الإنسان الذي حكم عليه وصلب بين لصين وسمرت يداه على الصليب واقترعوا على ثوبه. فمع ابن الله دفن في القبر الإنسان القديم، وبموت يسوع المحيي أصبحنا خليقة جديدة، محررة من الخطيئة”.
اضاف: “في يوم الجمعة العظيمة، ترتسم أمام ناظرينا مشهدية محاكمة يسوع. فضابط الكل وديان العالمين وضع أمام غباء الإنسان ومحدودية تصرفاته، فهو الجهل بذاته. إنها حكمة هذا الدهر، فلو عرفوه “لما صلبوا رب المجد” (1كور 2: 8) لقد حاكموا البريء والغني الذي افتقر ليغني الفقراء بالعدل وأغنياء هذا الدهر بالرحمة. محاكمة يسوع أكدت لحكام هذا العالم أنه هو ملك الملوك وأن مملكته ليست من هذا العالم. فهذه المحاكمة تظهر أن يسوع هو ذو سلطان وحق، يتكلم بسلطان الحقيقة التي تبني بقدر ما تتحد بالمحبة. محاكمة يسوع تدعونا ككنيسة تمارس ضمن رسالتها الحكم، بألا تقيس الأحكام إلا بمعيار المسيح، وحكمه وحكمته، هو الذي أتى لأجل الخروف الضال وشفاء المجروح. فما أبهى الكنيسة عندما تتوصل الى المصالحة مع ذاتها ومع الآخرين وتضمن حقوق المظلومين. لقد برهنت محاكمة ملك الملوك أن الممالك والدول والحكومات والقيمين، عليهم أن يتخذوا من مملكة يسوع قدوة ومثالا فيحكموا لأجل حياة الإنسان ولا لموته. فالحاكم هو من يأخذ القرار المناسب ولا يقول بعد حكمه: “أنا بريء من دم هذا الصديق”. يوم الجمعة، أصدر الحاكم حكمه بحق البريء، وما زالت حتى اليوم أحكام تصدر بحق أبرياء. فيا ليتنا نلتزم جميعا في صون كرامة الشخص البشري الذي لأجله مات يسوع على الصليب”.
وتابع:” في يوم الجمعة العظيمة، وعلى الصليب، سمرت يدا يسوع على الخشبة لتضمن أن آدم الثاني زرع بصليبه شجرة الحياة عوض الشجرة الأولى التي مات بسبب ثمرتها الإنسان الأول، بفعل إرادة شخصية خالفت ما رسمه الله، وهو شركة الحياة، تلك النعمة المتجددة على يدي الكاهن حول مائدة الإفخارستيا. يدا يسوع باركتا الجموع الجائعة والجماعة المريضة، ووضعتا على رؤوس التلاميذ فأرسلوا اثنين اثنين يلقون السلام، ويواصلون بإسم يسوع آية الشفاء في العالم. يداه مسحتا عيون العميان بالتراب فجدد قلوب البائسين والمائتين في حياة لا تشيخ. يدا يسوع، وبأمر منه هدأتا جنون العواصف وما زالتا تهدئانها من خلال إيمان الجماعة وصلاتها التي تستجاب بالقلب المتخشع والمتواضع الذي يحبه الله. هاتان اليدان سمرتا بالمسامير بهدف التعذيب من قبل الظالمين الذين لم يدروا ولم يدركوا أن هذا الألم تحول بنعمة الرب الى بركة وخير وفيض حب لا ينضب. فماذا عن يدي الإنسان الذي آمن بصليب الرب وأعلن موته واعترف بقيامته؟ كيف يستخدم المؤمن يداه؟ ألارتكاب الإثم؟ أللضرب والأذية؟ ألصنع الشر وإظهار الأنانية الظالمة والمميتة؟ أم يستعمل المؤمن يديه للبركة ورسم إشارة الصليب المنجي من الشيطان والشر؟ هاتان اليدان هما لعمل الخير ونصرة الضعيف وخدمة الملقى على قارعة الطريق، ينتظر من ينحني نحوه ويرفعه بيديه. على مثال يسوع فلتسمر يدانا على خشبة الحياة لنثبت في خدمة المحبة وزرع الخير والبر”.
واردف: “في يوم الجمعة العظيمة، نستمع الى حوار اللصين حول ما ارتكبا من جرائم وفظائع بحق الناس، وكذلك حول براءة يسوع الذي لا ذنب له فسيق الى الذبح كالخروف أمام الجزار ولم يفتح فاه. إعترف لص اليمين بقبح ذنوبه وقال لسيد الكون: “أذكرني متى أتيت في ملكوتك” (لو 23: 42) وأجابه الرب بملء الحب والحنان الذي حرك توبته: “اليوم تكون معي في الفردوس” (لو 23: 43). ما زال هذا الحوار يتواصل في داخل كل إنسان يتوب عن الشر الذي ارتكبه ليس فقط بحق نفسه، بل خاصة بحق الناس وهي الخطيئة الأكبر لأن الأذية أكبر. تعالوا نفكر بأولئك الذين يرتكبون الفظائع بحق الأبرياء. ألم يحن الوقت ليسمعوا ما قال لص اليمين؟ ألم يحن الوقت حتى يتوبوا ويعودوا الى إنسانيتهم والى الله الواحد الأحد الذي يعلن أغلبيتهم إيمانهم به؟ الى متى يتمادى هؤلاء عندنا في لبنان وفي كل مكان في هذا العالم، ويصدروا الأوامر ليقودوا الناس الى الذبح والموت والى جرح دائم لكرامتهم؟ يوم الجمعة العظيمة، هو نداء الى ضمائرهم فيوقفوا المتاجرة بالبشر وسوقها كل يوم الى القهر والذل، فالمواطن يستحق أن يحيا أفراح القيامة. ما نطلبه بمحبة ومسؤولية هو التوبة وطلب المغفرة من الشعب الذي يعيش باستمرار جمعته العظيمة. فيا أيها المسؤولون! ما أجمل أن تصحوا وتحكموا بالإنسانية والعدل على قاعدة الأخلاق والضمير.
وقال: “في يوم الجمعة العظيمة، نرى ذواتنا أمام الجنود الذين سمروا الرب الذي أحيا أبناء رؤساء المجامع والمجالس والجنود، وأعاد أذن الجندي التي قطعها بطرس الغيور. كلهم يبصقون في وجهه ويسخرون منه منفذين أوامر أسيادهم. فهؤلاء أرادوا أن يتقاسموا ثوبه ولكن من أجل أن يبقى الثوب مخيطا ليتوشح به كل من آمن بآدم الثاني، إقترعوا عليه فبقي الثوب موحدا بدل الثوب الذي مزقه آدم الأول بكبريائه وعصيانه. هذا الثوب هو ثوب الولادة الجديدة التي تحققت بالصليب حيث جرى من جنب المسيح الدم والماء؛ فكل من اعتمد بالمسيح لبس المسيح، وتوشح بثوب الإبن الذي أصبحنا به أبناء للآب السماوي مولودين بالروح القدس لحياة جديدة. أمام نعمة الثوب، تعالوا نشهد للوحدة والمحبة.
وختم سويف:” في يوم الجمعة العظيمة، نقدم آلام البشرية، وآلام لبنان والشرق والعالم بأسره أمام صليب المسيح، الذي أصبح خشبة الخلاص وعلامة الظفر والشفاء. تعالوا نعترف مع لص اليمين ونسجد للصليب فنموت عن ذواتنا لأجل المحبة التي تقتضي الموت، لأن الموت بإيمان ومحبة هو حياة جديدة في المسيح له المجد الى الأب”.