وتكتسب «مشاورات القصر» التي يجريها عون عشية توجّهه إلى روما والتي ستشمل ثنائياً الكتل المُشارِكة في الحكومة، إضافة الى بعض الأحزاب غير الممثَّلة فيها، أهميةَ كبرى باعتبارها أول خطوة عملية على طريق محاولة «تفكيك» عناصر الأزمة عبر «وضْع الإصبع» على مسبّباتها التي تختزلها 3 عناوين رئيسية جعلها الرئيس الحريري مدخلاً إما لعودته عن التريث وإما العودة الى الاستقالة وهي: تطبيق النأي بالنفس فعلياً، والتزام اتفاق الطائف، وصون علاقات لبنان مع الدول العربية ورفْض مواقف «حزب الله» وممارساته التي تمس بأمنها واستقرارها.
وفي حين سيضع رئيس الجمهورية كلاً من رئيس البرلمان نبيه بري والحريري في خلاصة ما أفضتْ إليه المشاورات، فإن منتصف الأسبوع يفترض أن يكون بلْور اتجاهاً أولياً للمسار الذي ستسلكه الأزمة بعدما حملتْ الأيام الماضية على المستوى الداخلي تثبيتاً لعناوين «الاشتباك» و«دفتر الشروط» لفكّه على وقع انتهاء مفاعيل محاولة «حزب الله» وحلفائه استثمار الإشكاليات التي رافقتْ إعلان الاستقالة لحرْف الأنظار عن جوهرها السياسي، فيما اكتمل على المستوى الخارجي رسْم السقوف للمَخارج الممكنة سواء بوضْع إيران خطاً أحمر أمام أي بحث في نزْع سلاح «حزب الله» وصولاً الى تهديد أوروبا بأنها ستكون في مرمى الصواريخ البعيدة المدى، أو باختصار الرياض بلسان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان «العقدة والحلّ» بأن «الحريري لن يستمر في توفير غطاء سياسي لحكومة لبنانية تخضع لسيطرة«حزب الله» الذي تسيطر عليه طهران أساساً».
وقبل ساعاتٍ من بدء عون مشاوراته، لاحظتْ أوساط سياسية مطلعة ان «حزب الله» وفريقه يحاول تصوير مجمل مرحلة ما بعد 4 نوفمبر (تاريخ إعلان الحريري استقالته) على أنّها تصبّ في خانة المحور الإيراني، وهو ما يتجلّى في الخطاب الممنْهج حول«انتصار المقاومة الديبلوماسية والسياسية» ومواصلة الإيحاءات والرهان على أن الحريري خرج من«العباءة السعودية»أو أن الرياض «خرجتْ من لبنان»، وصولاً إلى محاولة«عزْل» رئيس الحكومة عن حلفائه «الطبيعيين» في«14 آذار» عبر«ضخٍّ مركّز» عن«خيانات» تعرّض لها الحريري، ولا سيما من حزب«القوات اللبنانية»، وهو المناخ الذي لا يمكن قراءته إلا على انه بسياق الرغبة باستفراد الحريري وإفراغ الاستقالة من أي مضمون عملي لها.
وفي رأي هذه الاوساط ان الاستقالة ثم التريث وما رافقهما من دخول عربي وغربي قوي على خط احتواء الأزمة ومعالجة أسبابها أرسيا نوعاً من«التوازن» الخارجي بإزاء المسار الذي كان ينزلق لبنان معه بالكامل نحو«الحضن الإيراني»، لافتة الى أن«حزب الله»يسعى الى مناقشة المخارج من الأزمة وفق«موازين ما قبل 4 نوفمبر» بما يوفّر له«تَفوّقاً» في التفاوض، وهو ما يفسّر كلامه على ان الأمور في لبنان عادت«الى وضعها الطبيعي» وان الأمور تُناقش«تحت السقف الداخلي»، وصولاً الى سعيه المستجدّ لفك الارتباط بين العمل الحكومي ومرحلة التريث ومقتضياتها عبر الدعوة الى استئناف جلسات الحكومة في موازاة البحث عن حلول لمسببات التريث، وهو ما عبّر عنه كلام النائب حسن فضل الله عن أن«الحكومة معنية بأن تجتمع وتعود إلى العمل، ولا سيما أنه لا توجد لدينا أي مشكلة في الصيغة التي يريدون أن يجدونها للخروج من هذه الأزمة، ولكن هناك أولويات لبنانية ووطنية علينا أن نعود جميعاً إليها، وكان لدينا مسار يتقدم على مستوى مالي واقتصادي وإنمائي، والتحضير للانتخابات النيابية، وبالتالي علينا جميعاً أن نعود إلى مسارنا الداخلي، لا سيما وأن هذه الغيمة قد رحلت عن بلدنا».
وإذا كان هذا المناخ يشي بأن عملية التشاور لن تكون سهلة وأن البلاد لم تَخرج بعد من«عنق الاستقالة» وان شبح الأزمة لم ينكفىء بعد، فإن لبنان«الخاضع للمعاينة» مرّ على خلفية الاجتماع الأول لمجلس وزراء دفاع التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي استضافته الرياض أمس بامتحانٍ غير سهل، ظهر معه بدايةً في موقعٍ مرتبك ومحرج بعدما كان الرئيس عون كلّف وزير الدفاع يعقوب الصراف حضور الاجتماع موجهاً رسالة شكر الى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز على دعوته لبنان الى المؤتمر، قبل أن يوعز الى الصراف بالعدول عن المشاركة.
وفيما كان قرار العدول عن الحضور يتفاعل منذ ليل السبت ويُفسّر على أنه يلاقي في جانب منه اعتراض«حزب الله»على انضواء لبنان في هذا التحالف الذي يضم 41 دولة وينطوي في جانب آخر على رغبة في تفادي إحراج إمكان تصنيف«حزب الله» إرهابياً وفق ما كان خلص اليه وزراء الخارجية العرب قبل 8 أيام، كانت المفاجأة بأن لبنان شارك في اجتماع الرياض عبر سفيره لدى المملكة عبد الستار عيسى.
(الراي)