كان ينقص حكومة الرئيس سعد الحريري ومجلس النواب، معاً، سبب اضافي للتشكيك في صدقية احترامهما احكام الدستور. اضاف قرار المجلس الدستوري البارحة الى هاتين المؤسستين ازمة جديدة تزيد في وطأة سلسلة لم يكن اولها التنصل من اجراء انتخابات نيابية فرعية، ولا آخرها وضع العراقيل في طريق الانتخابات النيابية العامة المقررة في ربيع 2018، ناهيك بملفات لم يخلُ اي منها من رائحة فضيحة. ومع ان قرار المجلس الدستوري يخاطب مجلس النواب بالذات، كونه يبت طعناً في قانون اقره البرلمان، الا ان فحواه خاطب السلطة الاجرائية ايضاً. وعلى غرار ادانته، بالاجماع ايضاً، في قرار 28 تشرين الثاني 2014 كلا من السلطتين الاشتراعية والاجرائية حيال تمديد ولاية المجلس الحالي، ودَحَضَ حجج ذلك الخيار من خلال المبادئ الخمسة التي تضمنها، بدا في قراره الجديد امس يسلك المنحى نفسه. مقدار المسؤولية الدستورية المباشرة للبرلمان في التصويت على قانون عدّه المجلس الدستوري غير دستوري، حمل مضمون قراره اشارات سلبية مماثلة الى حكومة الحريري حيال فصلها الضرائب عن موازنة لا وجود دستورياً لها بعد، بغية تبرير تمويل سلسلة الرتب والرواتب.
بالتأكيد، مجلس النواب مَن يتلقف الصدمة الجديدة. فهو المرجعية الدستورية المعنية بصدور القانون المبطل، والمرجعية الدستورية نفسها المعنية بإخراج نفسها ــ بعد الحكومة ــ من مأزق جديد حيال مصير قانون سلسلة الرتب والرواتب النافذ منذ نشره في الجريدة الرسمية في 21 آب المنصرم. وخلافاً لما اشاعه اكثر من مسؤول حكومي بازاء ربط تنفيذ قانون السلسلة بنفاذ قانون الضرائب، فان الاخير بات في حكم الملغى، عديم الوجود، بينما الاول لا يزال نافذاً.
في بعض الاوساط الرسمية والسياسية، كثر الكلام في الايام التي رافقت وضع المجلس الدستوري يده على القانون المطعون فيه، عن ان المتوقع من قراره ابطال جزئي يتصل بضريبة او اثنتين لا اكثر، تحت وطأة التهديد المسبق الذي ارسلته حكومة الحريري اليه ضمناً، وهو ان ابطال القانون يدفعها الى التنصل من تنفيذ قانون السلسلة والتصرّف سياسياً كما لو انه في حكم البطلان ايضاً، كي توحي بأن المشكلة المقبلة طرفاها الشارع والمجلس الدستوري.
اتى قرار امس كي يعيد المواجهة الى المصدر الفعلي: لم يعد في وسع البرلمان اتخاذ اي مبادرة حيال قانون لم يعد له اثر، وإن تكن الادانة المباشرة هي له اولاً واخيراً. في المقابل اضحى على حكومة الحريري العودة في تمويل سلسلة الرتب والرواتب الى النقطة الصفر، انطلاقاً من ان لا ضرائب جديدة يشرّعها القانون في متناولها لتمويلها، الا ان وجود قانون نافذ ــ هو قانون السلسلة ــ يلزمها تطبيقه الى ان يُعدّل او يلغى هو الآخر. سوى ذلك ذهابها الى مخالفة دستورية تلي اخرى، على نحو مطابق تماماً لمقاربتها الانتخابات النيابية الفرعية. تلزم المادة 41 السلطة الاجرائية ولا تخيّرها حتماً، بدءاً من وزارة الداخلية، دعوة الهيئات الناخبة اليها.
في قرار 2014 الذي ضربت السلطتان الاجرائية والاشتراعية به عرض الحائط عندما قال حينذاك، اسابيع قليلة بعد التمديد الثاني للبرلمان، بجواز اجراء الانتخابات النيابية العامة بعد فقدان الظروف الاستثنائية ذرائعها، ثم عمدتا هذه السنة الى تمديد ثالث رغم استمرار مفاعيل قرار 2014، وضع المجلس الدستوري مبادئ عامة وألحقها بأخرى متفرعة منها مخصصة.
القرار: خطة
ممنهجة منعت رئيس المجلس من احتساب الاصوات دستورياً
وجهت اصابع الاتهام المباشر الى البرلمان، ومن ورائه الحكومة، بعرقلة اجراء الاستحقاق في موعده من خلال ربط الانتخابات بالاتفاق على قانونها، فنقض المجلس الدستوري هذا الربط، وشدد على السلطات المعنية اجراء الانتخابات في موعدها كاستحقاق مستقل في ذاته.
شأن قرار 2014 حينما لمح الى تواطؤ السلطتين الاشتراعية والاجرائية، انطوى قرار 2017 على اتهام مماثل، مع ان المسؤولية في واقعها الدستوري مسؤولية مجلس النواب اولاً بأول، لمصادقته على ما يفترض انه مخالفة. في قراره الجديد اخذ المجلس الدستوري:
ــ على الحكومة عدم مراعاتها قواعد وضع الموازنة العامة وشروطها واشتمالها التمويل اللازم المفترض للسلسلة.
ــ وأخذ على مجلس النواب عدم احترامه اصول المراقبة والمحاسبة، اذ يصادق على قانون ضرائب ليس جزءاً من موازنة لا وجود لها بعد. وهو بذلك يخل بالاختصاص الرئيسي المنوط به في الاصل ويجاري الحكومة في مخالفتها، وفي الوقت نفسه لا يتقيد بالآلية الدستورية للتصويت. وهي المرة الاولى يواجه البرلمان «تأنيباً» كهذا حيال إخلاله بأحد اختصاصاته الجوهرية وليس بمادة دستورية فحسب. وجد المجلس الدستوري من الحجج ما يكفي للاسهاب في تحميل الهيئة العامة للمجلس مسؤولية مخالفة «من جراء خطة ممنهجة للضغط على رئيس مجلس النواب ومنعه من متابعة التصويت بالمناداة واحتساب الاصوات بصورة دستورية»، عملاً بالمادة 36. الواضح في حيثيات القرار ــ الى اسباب اخرى للرد ــ ان مخالفة المادة 36 ابطلت قانون الضرائب قبل ان يخرج من القاعة.
نقولا ناصيف – الاخبار