وعلى عكس القلق الذي يسود مختلف الاوساط المراقبة، فإنّ العارفين بخفايا الكواليس السياسية يرغبون في أن تكون مرحلة التصعيد هذه هي المحطة الاخيرة في مسار القانون الذي ستحصل الانتخابات النيابية وفقه.
وفي كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ما يُعبّر عن ذلك، فعدا أنه أبدى التمسّك بالمحافظة على الاستقرار، وجَّه رسالته الواضحة والقائمة على ركيزتين: تطمين وتحذير. تطمين المسيحيين بأن لا قوانين ضدّ إرادتهم، وكذلك الدروز، وبالتالي وجوب حصول إجماع على أيّ قانون جديد يشمل موافقة النائب وليد جنبلاط ايضاً.
وتحذير من أنّ الوقت لم يعد يسمح بترف الجدل البيزنطي القائم خصوصاً على أنّ كل الاوراق قد وضعت على الطاولة، ما يستوجب التفاهم على آفاق المرحلة المقبلة من دون التوغل أكثر في لعبة الرقص على حافة الهاوية.
وفي المعلومات أن باسيل تحدث أخيراً مع نصرالله مطولاً عبر الهاتف من خط آمن وتبلغ منه أن «حزب الله» يوافق على المشروع التأهيلي لكنه في الوقت نفسه متمسك بالحصول على إجماع كل الفرقاء.
وخلال الايام المقبلة، سيستمر التراشق بين الأفرقاء وصولاً الى موعد 15 أيار، وهو التاريخ الذي دعا اليه الرئيس نبيه برّي لانعقاد مجلس النواب. لكنّ هذه الجلسة آيلة إلى التأجيل على ما يبدو حتى الآن، نظراً لموقف الرئيس سعد الحريري الأخير ومعارضته التمديد.
الكواليس السياسية تتحدث عن تواصل يُجريه بري وجنبلاط مع الحريري، وعن تحذير من تجاوز مهلة 15 أيار من دون ضمان ورقة استمرار المجلس النيابي من خلال التمديد له، وهو ما لا يتعارض مع الذهاب لاحقاً لإجراء الانتخابات، من هنا فإنّ الحريري القلق لم يستقر بعد على قرار نهائي رغم موقفه المعلن.
فهو سمع أنّ التخلي عن هذه الورقة وترك الامور في يد رئيس الجمهورية وفق المادة 25 من الدستور فيه شيء من المجازفة: «فماذا لو فضّل الفراغ على إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ في حال لم يحصل التوافق؟ ألا يعني ذلك انزلاق البلاد دفعة واحدة في اتجاه انهيار المؤسسات والذهاب الى «المؤتمر التأسيسي» ولكن من دون وجود جهة خارجية قادرة على رعاية هذا الخيار الآن؟».
وفي الضغوط التي تمارس على الحريري ايضاً أنّ هذا المسار كان قد لوّح به الرئيس ميشال عون سابقاً حين فضّل الفراغ على التمديد رغم أنه تراجع عنه لاحقاً. لكنّ «المؤتمر التأسيسي» سيعني دفن «اتفاق الطائف»، وهو ما يناقض الالتزام الذي أعطاه للمسؤولين السعوديين خلال مرحلة تسويق وصول عون الى قصر بعبدا.
الحريري الذي لم يستقر على رأي حاسم بعد، ينتظر مسار جلسة مجلس الوزراء اليوم ويَتّكل في المقابل على تطمينات عون بأن لا فراغ سيحصل وأنّ المادة 25 من الدستور ستكون الحل ولكن في الوقت المناسب وبعد استنفاد الوقت، أضف الى ذلك جملة تفاهمات أجراها مع باسيل حول الحكومة المقبلة، وتفاهمات انتخابية لمقاعد محددة مع «التيار الوطني الحر» تطاول دوائر زحلة وعكار وطرابلس وبيروت.
في 15 أيار ستكون المواجهات قد بلغت ذروتها، عندها يتوقع البعض أن يجري استعادة مشروع بري وطرحه للتفاوض كمخرج تمهيداً للتفاهم حوله على وقع العد العكسي الذي سيكون قد بدأ منتصف هذا الشهر، وسيكون عنوان النقاش الجديد: بين «الستين» والنسبية لا بد من اعتماد الخيار الثاني.
وستتركز المفاوضات الضاغطة على جملة نقاط أبرزها:
– هل التقسيمات التي اعتمدها مشروع برّي هي الافضل؟ ام التسميات التي وردت في مشروع مروان شربل والتي أقرّتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي يومها؟
– ما هي الضوابط التي ستوضع؟
– كيف سيجري اعتماد الصوت التفضيلي والذي يعتبر المفتاح السحري والاساسي لمشروع الاقتراع وفق النسبية؟
– مجلس الشيوخ وصلاحياته ودوره ورئاسته، ولو أنّ إقراره سيحصل مبدئياً على ان تترك تفاصيله العملية للمجلس النيابي المقبل.
وبالتالي، في حال نجحت هذه المفاوضات، التي ستكون صعبة وشاقة وضاغطة ومحكومة بوقت قصير، قد يتصاعد الدخان الابيض، وتجري دعوة مجلس النواب لإقرار القانون الجديد على أن يمدّد لمجلس النواب حتى نهاية شهر تشرين الثاني موعد حصول الانتخابات، ولإعطاء الوقت المطلوب لإتمام الترتيبات الادارية التي تتوافق والقانون الجديد.
اما في حال الفشل، وهو احتمال موجود، فإنّ رئيس الجمهورية سيستنفد الوقت الكامل قبل ان يصل الى 19 حزيران ليعلن عندها تعذّر الوصول الى قانون جديد، وانسجاماً مع قسمه الدستوري سيدعو الى تطبيق المادة 25 من الدستور التي تقول: «اذا حُلّ مجلس النواب وجب ان يشتمل قرار الحلّ على دعوة لإجراء انتخابات جديدة وهذه الانتخابات تجري وفقاً للمادة 25 وتنتهي في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر».
وبالتالي، فإنّ مجلس النواب سيجتمع عندها لإجراء تمديد له لمدة ثلاثة أشهر وإجراء المستوجبات القانونية للدعوة لانتخابات وفق القانون المعمول به حالياً في أواخر ايلول المقبل.
لكن يبدو أن تفسير هذه المادة لا يوافق عليه دستوريون كثر، حيث يشيرون الى أن الوضع الراهن لا علاقة له بحلّ مجلس النواب وبالتالي فإنّ هذه المادة لا تنطبق عليه، وهو التفسير الذي يَميل اليه الرئيس بري، ما يعني أن هذا الوضع يدفع الى الفراغ في مجلس النواب ومن بعده فوراً الى تعطل الحكومة.
هذه هي السيناريوهات المتداوَل بها في الكواليس السياسية، وهو ما منح الاطراف تَرف رفع السقف والرقص على حافة الهاوية لاقتناعها ربما بأن لا وجود للهاوية، لكننا في لبنان، والمفاجآت واردة كما شهدنا عقد أكثر من محطة تاريخية، عندها قد ينقلب المشهد وتتبدّل اللعبة وتصبح الامور في مسار آخر، وهذا ما يُقلق الحريري، خصوصاً أنّ المنطقة تشتعل والعمل جار لتركيب خرائط وأوطان جديدة.