شدد وزير العدل السابق النائب أشرف ريفي على ان المستفيد من الشلل الذي تعانيه السلطة القضائية اليوم هو “الخائف من العدالة”، على قاعدة “كاد المريب أن يقول خذوني”، مؤكداً ان من “حقنا كلبنانيين أن نعرف من استقدم نيترات الأمونيوم إلى لبنان، دون أن يعني ذلك اتهامه بالتفجير، فالملفان في هذه الجريمة منفصلان : ولكن من استقدم النيترات وضعه في مكان لا ينبغي أن تكون فيه”.
وقال ريفي خلال حواره مع “حدث أونلاين “: في هذا الصدد، كنت قد أجريت مقارنة سابقة بين ما حصل في ملف النيترات، وما حصل العام 2005، عندما كانت التحقيقات تسير على وقع الاغتيالات والتفجيرات والأحداث الأمنية، وهذا ما تكرر الآن، حيث تتالت الأحداث من الطيونة إلى تقديم 40 طلب رد بحق القاضي البيطار، وهو أمر غير مسبوق، وهذا ما يؤشر إلى وجود طرف يؤشر لنفسه. في الخلاصة، من يخشى العدالة، فهو إما مشارك أو مجرم”.
أضاف: “كنت قد أعطيت أفادة للمحقق العدلي الأول القاضي فادي صوان، بأنه من واقع خبرتي، أن لا أحد قادر على استقدام هذه الكمية من المواد المتفجرة التي لها قواعد معينة في التعامل معها، ويضعها لمدة سنوات داخل المرفأ، إلا حزب الله”.
وأردف ريفي: “يبدو مشروعاً الربط بين ما يحصل اليوم وما حصل إبان حرب تموز 2006، عندما أبلغنا “حزب الله” أنه من خلال المعطيات يبدو أنه مرتكب الجريمة، وما لبثت أن اندلعت حرب تموز رغم أنهم كانوا وعدوا اللبنانيين بـ”صيف هادئ” في حينه.
وإذا ثبت تورط “حزب الله”، والحرس الثوري الإيراني، في التفجير من خلال حكم قضائي في جريمة أدت إلى سقوط 230 شهيداً، فإنه سيدان تجاه اللبنانيين”.
تطيير تحقيق المرفأ
ورداً على سؤال حول امكانية تطيير التحقيق قال ريفي : “لا يمكن تطيير التحقيق ! فجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي سقط خلالها 22 شهيد، دفع ثمن حقيقتها ثمانية شهداء، ووصلنا إلى المحكمة بأدلة كاملة وواضحة. في المقابل، فإن جريمة المرفأ كلفت 230 شهيداً، لن يسكت أهاليهم وبيئتهم عن كشف الحقيقة. بل حتى أن الوزير جبران ياسيل يزايد مسيحياً في هذا الملف رغم كونه حليفاً للحزب”.
تحقيق دولي
وأكد ريفي أنه “واهم من يعتقد أنه قادر على طمس حقيقة 230 شهيداً. وأنا قلت للأهالي أنني أضع خبرتي ومعرفتي وتجربتي معكم، ولكن اذهبوا باتجاه التحقيق الدولي، لأن المسار القضائي اللبناني قد لا يؤدي إلى الحقيقة المنشودة، وهذا ما أظن أنه قد بوشر به، خاصة وأن بين الضحايا اثنين من حملة الجنسية الفرنسية، وهذا ما أدى إلى أن يتحرك القضاء الفرنسي تلقائياً.
في المحصلة، فإن وجود 41 نائباً متكاتفين حول القضية، من شأنه أن يحافظ على استمرارية المسار القضائي”.
“صحوة ” القاضي البيطار
وعن “صحوة” القاضي البيطار، أكد ريفي أن لا دليل مباشراً على صلتها بزيارة الوفد الأوروبي إلى لبنان، ولكن لا أحد يعرف مضمون التتحقيقات، حتى صدور القرار الاتهامي الذي يفترض أن يتضمن أدلة على اتهام أي جهة. وأي كلام في هذا الاتجاه هو كلام سياسي بالدرجة الأولى.
تحرك القاضي عويدات
ورداً على سؤال عن صوابية تحرك القاضي عويدات، لفت ريفي إلى أن المدعي العام التمييزي يملك صلاحية التوقيف والإفراج طالما أن القضية لم تحل إلى المحكمة، إلا في القضايا المحالة إلى المحقق العدلي الذي يحل محل قاضي التحقيق والمدعي العام معاً. من هنا، فإن البيطار هو من يملك الصلاحية في هذه القضية، ويعلوه مباشرة المجلس العدلي.
فوضى قضائية
وفيما يتعلق بالفوضى القضائية الحاصلة، قال ريفي: “لا شك أن ما حصل في الجسم القضائي غير مسبوق نهائياً في لبنان أو غيره، إلا في الدول المتحللة. من هنا، فقد قلت في كلمتي في ذكرى الشهيد وسام عيد أنه وكأننا أصبحنا نعاني من لعنة 25 كانون الثاني، حيث في هذا التاريخ : استشهد وسام عيد، وسقطت الطائرة الإثيوبية، وتم ” تفجير” العدلية”.
أضاف: “ما حدث في الجسم القضائي إذا لم يستدرك سريعاً فإن أضراره ستكون كارثية على القضاء، وربما كانت إحدى تجلياتها، الإشكال الأمني الذي حصل مع مجموعة من النواب لاحقاً لدى لقائهم وزير العدل”.
صلاحيات وزير العدل
أما عن صلاحيات وقدرة وزير العدل على التخفيف من الاحتقان وتصويب الأمور، فقد أشار ريفي إلى أن السلطة القضائية هي سلطة مستقلة ولا تخضع للسلطة التنفيذية، وهذا ما يعني ان وزير العدل لا يمكنه التعاطي سوى مع النيابات العامة، الا من موقعه المعنوي السياسي ليس أكثر، كمعني بحسن سير العدالة.
الانهيار الكبير؟
ورداً على سؤال : هل وصلنا الى الانهيار الكبير ومرحلة “اللاعودة”، قال: “لم نصل بعد إلى الانهيار الكبير بل ما زلنا “بين منزلتين” إن صح التعبير: فقد “ثبت بالوجه الشرعي” أننا دولة فاشلة، وربما تحولنا إلى دولة “مارقة” تشكل خطراً على نفسها وعلى السلم الدولي، ولا أستبعد عندها أن نوضع تحت تصرف الأمم المتحدة، في مرحلة انتقالية للخروج من جهنم إلى بر الأمان”.
رئاسة الجمهورية
وفيما يتعلق بضرورة طرح اسم لرئاسة الجمهورية بديل لميشال معوض، قال : “لقد أعلن النائب ميشال معوض أن المعركة سياسية وليست شخصية، وبالتالي إذا اقتضت المصلحة “الانتقال” منه إلى شخص آخر، فإنه سيكون جزءاً من معركته الانتخابية”.
الوضع المعيشي
وعن الوضع المعيشي، أكد ريفي أن “الخروج من جهنم” أكبر من قدرة الحكومة والنواب الذين لم يمض على وجودهم في سدة المسؤولية سوى أشهر قليلة، معتبراً أن مجلس النواب الحالي يمكن أن لا يكمل ولايته : فتركيبته الحالية قائمة على “التعادل السلبي” الذي لا يمكن أن ينتج. والخروج من هذه الأزمة يبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية الذي، بحسب قراءته الشخصية، سيكون خلال الربيع المقبل.
ورأى ريفي “إن أي شخصية محسوبة على حزب الله، ستبقي البلد في “جهنم”، وذلك بسبب غياب الثقة به عربياً ودولياً، وبالتالي فلا أحد سيساعد لبنان. واذا فرض “حزب الله” خياره على اللبنانيين، فإن الرئيس عندها سيكون امتداداً لميشال عون.
المشروع الإيراني
وشدد ريفي على أن المشروع الإيراني الذي “يشكل حزب الله جزءاً منه، يقوم على فكر ديني يعتبر نفسه خليفة لله في الأرض، رغم كونه أقرب إلى الشيطان منه إلى الله، وهو الذي ارتكب المجازر في العراق وسوريا ولبنان واليمن… ورغم كون مشروع أسياده هو الحفاظ على السلطة، إلا أن الزمن تجاوز إمكانية أن يبقوا في السلطة، لأنهم أصبحوا خارج الزمن وخارج العصر. من هنا يمكن القول أن لبنان يتناقض مع مشروع الحزب، كون المجتمع تعددياً. قمة الغباء بأن يتصور أي مكون لبناني بأنه قادر على أخذ المكونات الأخرى إلى حيث يريد، بمعزل عن رؤيتهم وطموحاتهم وقناعاتهم”.
ورأى ريفي أن بيئة “الحزب” أصبحت غير قادرة على احتماله: “فمن المؤكد أن أهالي 3000 شاب سقطوا في سوريا، سيسألونه عنهم يوماً ما: هل لحماية المقدسات الشيعية؟ فهذه المقدسات موجودة منذ مئات السنين ولم يتعرض لها أحد؟ هل لحماية النظام السوري؟ وماذا بقي منه؟
كيف سيبرر حزب الله للأهالي تدخله في سوريا، لا شك أنه سقط.! كما أنني أتصور أن البيئة اللبنانية تمردت على الحزب: فصحيح ان معارضيه ليسوا أغلبية في مجلس النواب، إلا أنهم قادرون على تعطيل خياراته ولن نتساهل في وصول أحد المحسوببين عليه إلى موقع الرئاسة لأننا سنكون شهود زور على بقاء أهلنا في جهنم”.
حل مجلس النواب
ولفت ريفي الى أنه “عندما ينتخب رئيس للجمهورية، أنا مع حل مجلس النواب الحالي لنفسه، ليصار إلى انتخاب مجلس نواب جديد بتركيبة مختلفة تساهم في الخروج من جهنم. حزب الله وأمل بإمساكهما بكل المقاعد الشيعية، و”توازن الشلل” الذي تعاني منه البلاد، كل ذلك، يقتضي أن يحل مجلس النواب نفسه عبر استقالة أغلبيته المطلقة (65 نائباً) في ظل غياب آلية لحل مجلس النواب في الدستور الحالي، وعندها يبدأ مسار الإنقاذ”.
تحول في المجلس النيابي
وحول التحوّل الذي حصل في المجل النيابي قال ريفي: لا شك أننا استطعنا إحداث تحوّل في المجلس النيابي الحالي: في المجلس السابق كان هناك 74 نائباً محسوبون على الحزب وحلفائه، وقد انخفض العدد إلى 59 في المجلس الحالي. ولكن بعد سنتين، سيكون الناخب اللبناني مدركاً أن هذا الشكل من المجلس النيابي لم ينقذ الوطن، خاصة وأن هناك خيبة أمل من بعض النواب في المجلس الحالي. ما يعني أن هناك نصف تحول مطلوب استكماله مستقبلاً، وإلا فإن لم يكن وعي الناس كافياً، فليتحملوا عندها مسؤولية خياراتهم”.
وأردف:” ما حصل في لبنان منذ 2019 حتى اليوم نتيجة طبيعية لحكم المافيات لا رجال الدولة. فتعاون السلاح مع الفساد نتج عنه تغطية أحدهما على الآخر: من نهب أموال المودعين ؟ أليست الطبقة السياسية؟ من الذي صرف 46 مليار دولار على الكهرباء التي لا تأتي سوى ساعة أو اثنتين يومياً؟
إعدام الطبقة السياسية
وأكد ريفي أنه “لا شك أن على الشعب اللبناني أن يقدم على إعدام هذه الطبقة السياسية لا محاسبتها فحسب. ولكن تركيبة القوى المذهبية في لبنان، أدت إلى الحمايات المتبادلة للسرقات، وإذا لم يطبق مبدأ المساءلة والمحاسبة، لا يبنى وطن. أموال الناس أمانة مقدسة، وإذا لم تتم إعادتها كاملة فلا يمكن بناء قطاع مصرفي ولا تقوم دولة بدون قطاع مصرفي.
ولتكن الإعادة على نموذج “مادوف” في نيويورك، حيث تمت إعادة مبلغ 60 مليار دولار بموجب محكمة أميركية قضت بأن الأموال الأساسية مقدسة. وما سحب زيادة على الفوائد الشرعية يجب أن يشطب، وتصادر أملاك الناهبين ويوضعوا خلف القضبان، لإجبارهم على إعادة أموال الناس”.
وختم النائب ريفي بالقول: “إذا لم تتم إعادة الودائع فلن تستعاد الثقة بالقطاع المصرفي في السنوات المقبلة. ولو كان حزب الله فعالاً أو إيجابياً، لبادر إلى حماية أموال مودعيه على الأقل، سواء كانوا من المقيمين أو المغتربين: فتحت سلاح حزب الله وبمشاركته، سرقت أموال المودعين من كافة الطوائف، لأن عقل المافيا هو المسيطر، وهذا العقل لا يمكنه بناء دولة”.