يتصدّر العفو العام واجهة المشهد السياسي منذ اكثر من عام. موقوفون اسلاميون، بقاعيون هاربون من العدالة، تجار مخدرات، ومحكومون بجنايات التزوير والسرقة والسلب، ينتظرون مطرقة مجلس النواب الذي يبدأ عقده التشريعي العادي منتصف اذار المقبل إيذاناً بفتح ابواب السجون وإسقاط الاحكام الغيابية.
يأتي ذلك في ظل توافق ومصلحة غالبية القوى السياسية المتمثلة في البرلمان، لإصدار “قانون عفو عام” عن جرائم وجنح ومذكرات توقيف وبلاغات بحث وتحرّ صادرة عن السلطات القضائية، وبرقيات منقولة من الأجهزة العسكرية والأمنية، على ان يكون الاستثناء الوحيد من الاستفادة من القانون، ما صُنّف ضمن مصطلح “الإرهاب”. ويستفيد منه اكثر من 60 الفاً، ما بين محكوم وموقوف وفار من وجه العدالة من جنسيات لبنانية وفلسطينية وسورية.
لغاية الان لا مسودة لقانون العفو (الصيغة القانونية)، وما يُحكى في شأنه لا يعدو كَونه “جعجعة بلا طحين”، خصوصاً مع استفحال الخلاف السياسي الناشئ بين بعبدا وعين التينة حول مرسوم الاقدمية، بحسب ما علمت “المركزية”. الرئيس نبيه بري وخلال اجتماعه منذ اسبوعين في عين التينة بمعنيين (رؤساء عشائر بقاعية) بالملف ابلغهم ان العفو العام يتقدّم، وهذا ما تبلّغه ايضاً اهالي الموقوفين الاسلاميين من الرئيس سعد الحريري في لقائهم الاخير. فاين اصبحت المساعي في هذه القضية؟ وهل سيُبصر النور قريباً؟
عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب نوّار الساحلي الذي يتولّى الملف، اوضح لـ”المركزية” “ان لا شيء عملياً حتى الان. نحن نعمل على هذا الموضوع، لكن حتى الان لم يرتقِ الى مستوى اقتراح او مشروع قانون”.
وعزا ذلك الى “وجود موانع مرتبطة باستثناءات العفو. فمن جهة يُطالب البعض باستثناء الجرائم المُصنّفة في خانة الارهاب وتهديد السلم الاهلي (الكل مواقف على هذه النقطة)، بينما البعض الاخر يُطالب باستثناء تجارة المخدرات، خصوصاً ان ثلاثة ارباع الموقوفين من ابناء بعلبك-الهرمل مطلوبون بجرائم اتجار وترويج”.
واوضح الساحلي “ان لا شيء مُستبعداً في لبنان، فمجرّد توافق السياسيين يصدر العفو في 24 ساعة”، وذلك في ردّه على سؤال عمّا اذا كان القانون سيدرج على جدول اعمال اول جلسة تشريعية في العقد العادي لمجلس النواب في اذار المقبل”.
المفتي الرفاعي: التفاؤل بالنهاية السعيدة عبّر عنه مفتي بعلبك والهرمل بكر الرفاعي، موضحاً لـ”المركزية “ان العفو العام وُضع على سكّة الحل بدفع من توافق المرجعيات السياسية”، الا انه اسف في المقابل “لوجود قنابل دخانية كلامية تستغل التركيبة اللبنانية “الطائفية” لاخذ العفو في اتّجاه محدد”، وقال “هؤلاء يسوّقون لوجود اكثر من 30 الف مطلوب في منطقة بعلبك-الهرمل سيشملهم العفو وهذا غير صحيح، فمعظم “مخالفاتهم” تندرج تحت خانة وثائق الاتصال التي سيتم الغاؤها في مختلف المناطق”.
واشار الى “ان من سيشملهم العفو في جرائم محددة، كزراعة المخدرات وما شابه لا يتجاوزون الالف ومئتي مطلوب من المنطقة”. وكشف “عن وجود 5200 دعوة “اطلاق نار في الهواء” لدى المحكمة العسكرية، ومجرّد اقرار العفو فان نحو 4000 منها ستُلغى مباشرةً وهذا ما اُبلغنا به”.
وختم المفتي الرفاعي “العفو العام مناسبة لاهالي بعلبك الهرمل لاعطاء المطلوبين فرصة لممارسة حياتهم طبيعياً. دور الدولة في المحاسبة ضروري واساسي، لكن الدولة غائبة عن منطقتنا منذ عقود”.
الرفاعي: بدوره، اوضح نائب بعلبك-الهرمل كامل الرفاعي لـ”المركزية” “اننا نسعى منذ فترة لاصدار قانون العفو العام مع الحرص على ضرورة الا يؤثّر على اصحاب الحقوق”، معتبراً “ان لا بد من دراسة سجلات المطلوبين ومن صدرت بحقهم مذكرات توقيف والتدقيق في جرائم كل مُرتكب حتى نستطيع ان نُصدر عفواً عاماً على من يستحقه”.
واذ اشار الى “ان العفو العام في شكل مُطلق قد يؤدي الى مشاكل نحن في غنى عنها”، اوضح “ان الاحكام التي صدرت في حق ابناء منطقة بعلبك-الهرمل المتّصلة بالمخدرات، ظنّية وغيابية”.
وكشف عن” تبادل معلومات بين قوى سياسية وروحية ومسؤولي العشائر في البقاع تحديداً من اجل “جوجلة” أسماء من سيشملهم العفو والخروج بصيغة “توافقية” تُرضي الجميع ولا تظلم احداً قبل طرحها على الهيئة العامة لمجلس النواب في الدورة التشريعية العادية التي تبدأ في اذار المقبل”.
وذكّر الرفاعي “اننا كنواب عن بعلبك-الهرمل لطالما طالبنا بإعادة النظر في الاحكام التي صدرت في حق المطلوبين من المنطقة، وإعادة طرحنا لهذه المسألة الان ليس لأهداف انتخابية كما يروّج البعض انما لتحقيق العدالة، وليس مطالبة فاعليات طرابلسية وصيداوية بالعفو الا دليل الى انه مطلب شعبي وليس لاهداف انتخابية”.
هزيمة: اما الناشط الاجتماعي محمد هزيمة الذي يُتابع ملف العفو من الناحية القانونية فأوضح لـ”المركزية” “ان لا شيء جدّياً حتى الان، خصوصاً بعد تعثّر قطار “التوافق السياسي” حوله نتيجة الخلافات السياسية المستجدة”، معتبراً “ان لا حلّ للعفو الا بتسوية سياسية من الاطراف كافة”.
وقال “العفو يلوح في الافق، لكن لحظته لم تحن بعد، واُبلغنا في الاجتماع الاخير الذي عُقد في وزارة العدل انه اصبح امراً واقعاً، لكن حدوده وشكله وتاريخ صدوره غير معروفة”، اسفاً “لان البعض يضع العفو في خانة “الرشوة السياسية” و”التصنيف الطائفي” لصرفها في صناديق الاقتراع، في حين انه حاجة وضرورة لتقويم وضع شاذ ولاعادة النهوض بالمجتمع”.
المركزية