رغم ضراوة الصراع السياسي في بيروت حيال قانون الانتخاب العتيد، الذي يختزل تَدافُعاً خشناً بين اللاعبين الرئيسيين لرسْم توازناتٍ جديدة في السلطة، فإن ثمة عوامل تشي باستبعادِ خروج هذا المأزق السياسي – الدستوري عن السيطرة، تَجنُّباً لهزّ الاستقرار السياسي والأمني الذي يشكّل خطاً أحمر إقليمياً ودولياً يُبعِد شبح انتقال لبنان الى نادي الدول المشتعلة، وهو الذي تحوّل «خيمة هشّة» تستضيف نحو مليون ونصف مليون نازح سوري.
وتستند التوقّعات التي تبدي ميْلاً الى إمكان خروج لبنان من حفرةِ قانون الانتخاب في مهلة الأقلّ من أربعة أسابيع الفاصلة عن الخيارات المأسوية، مثل التمديد للبرلمان أو تعزيز احتمالات سقوطه في الفراغ، الى أن لا مصلحة لأيٍّ من أطراف الداخل في الذهاب الى «قلْب الطاولة» في اللحظةِ التي تندفع المنطقة في اتجاهاتٍ جديدة، ومعها العالم في ضوء ما يمكن وصْفه بملامح «عقيدة ترامب» التي أَظهرتْ حتى الآن «عصا وجزرة» في ساحات عدة.
وخارج سياق الكلام اليومي في بيروت عن صيغٍ لقوانين انتخابٍ محسومةِ النتائج سلفاً، والشهياتِ المفتوحة لتشكيل أغلبياتٍ ذات صلة بمَن يخْلف الرئيس الحالي ميشال عون وبأفولِ التحالفات السياسية لمصلحة الاصطفافاتِ الطائفية، فإن أي جرْدةٍ لحساباتِ الربح والخسارة تؤشر في حصيلتها الى أن أيّ فوضى ستصيب الجميع، وتالياً فإن المَخرج في نهاية المطاف سيكون تسوية على قاعدة الـ «لا غالب ولا مغلوب».
وأبلغتْ أوساط واسعة الاطلاع أن «حزب الله» واثقٌ من تَقدُّم خياره كمَخرجٍ من المأزق الذي يطلّ شبحه في 15 الشهر المقبل، موعد جلسة التمديد للبرلمان، وهو يرى إمكان توفير ضماناتٍ من داخل «النسبية الكاملة» للأطراف المتردّدة، كتقسيم ِالدوائر وما شابه، ما يرْفع حظوظ إمرارِ تَفاهُم عريض يتيح تحقيق اختراقٍ قبل الوصول الى الحائط المسدود.
وفي تقدير هذه الأوساط ان «حزب الله»، الذي ترَكَ اللعبة تأخذ مجراها وتذهب بالجميع الى الحائط، يضع خياره الانتخابي على الطاولة، وكأنه يريد إنزال الجميع عن الشجرة وتقديم نفسه «ضمانة»، وعيْنه على الحاجةِ الى حماية «الستاتيكو» الحالي عبر صيانةِ تَحالُفه مع عون وعدم حشْر الحريري وتَجنُّب انفراط الاستقرار السياسي والأمني.
وإذ استَبعدتْ الأوساط عيْنها سيْر «حزب الله» بـ «الورقة المستورة» التي بدأتْ التلميحات الى إمكان «رفْع الحُرم» عنها، أي قانون الستين النافذ حالياً، لتفادي التمديد أو الفراغ، فإن الحزب ربما يجد «الفرصة سانحةً» للفوز بخيارٍ انتخابي يضمن له تعزيز نفوذه داخل السلطة تَحوُّطاً لتحدياتٍ تلوح في المنطقة وعنوانها الحدّ من نفوذ إيران ومحاصرته، وكأن العدّ العكسي لانتهاء صعود الحزب كلاعبٍ إقليمي بدأ مع الاستراتيجية الأميركية الجديدة حيال اليمن والعراق وسورية.