خاص Lebanon On Time – خالد أبو شام
في لبنان حيث اللا دولة كل شيء ممكن، فبعد أن تخلّت السلطة بشكلٍ وقحٍ عن شعبها وتركته وحده يصارع الأمواج العاتية في بحر الظلمات؛ دبّت الفوضى العارمة أرجاء المجتمع، واختلط الحابل بالنابل، فبات الغريب مألوفًا، وبات المألوف غريبًا، وسطَ تكاثف المشاكل، وتراكم المصائب، وانعدام الحلول لأدنى الحوادث في بلد الفساد والفاسدين.
تتصدر حاليًا قضية إنشاء مسلخ للحوم قرب مكب النفايات في طرابلس الرأي العام في المدينة، ما أثار استياء الشارع الطرابلسي بشكل كبير إزاء هذا الموضوع الغريب وغير المنطقيّ، فبعد أن تمَّ إنجاح موضوع الحصول على قرض لإنشاء مسلخ في طرابلس، والذي وافق على تمويله “البنك الإسلامي للتنمية”، قُرّر بطريقة همجية لأناس سُذَّج العقول؛ إنشاء هذا المسلخ الذي سيورّد اللحوم لسكان المدينة، قرب مكب النفايات الملوّث، والذي تنبعث منه الروائح الكريهة، والسموم الخطيرة على صحة الإنسان، ما يجعل هذه الخطوة أقرب ما يكون للجنون، أو للعبث المقصود بصحة آلاف البشر من سكان المدينة والمناطق المجاورة، الأمر الذي أدى إلى سخطٍ كبير في الأوساط الشعبية بالمدينة، فكثرت الشكاوى لدى المواطنين من هذا التصرّف الأرعن وغير المسؤول لضرورة تبديل مكان إنشاءه حفاظًا على الصحة العامة.
وفي هذا الصدد، تحرّك نواب المدينة تجاه هذا الموضوع عبر التواصل مع مجلس الإنماء والإعمار للتريّث في أعمال البناء، والتي تم تنفيذ جزء منها بسبب وضعية القرض، ليُعلن وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين عن وقف إنشاء المسلخ قرب مكب النفايات في طرابلس نتيجة الضغط الشعبي من قبل المواطنين ونواب المدينة، على أن يتم تحديد مكان آخر مناسب لإنشاءه، يلتزم المعايير والضوابط البيئية المطلوبة، ويضمن حماية الصحة العامة.
وفي هذا السياق، يشكّل هذا الموضوع تأكيدًا صارخًا على إهمال ولا مبالاة الدولة تجاه شعبها، وبالأخص الطرابلسي، فلولا أن تحرّك الشعب وقال لا للمسلخ قرب المطمر، لكان الموضوع أُنجز، فلا أحد سائل عن المصلحة العامة، ولا أحد مهتم بقضايا المجتمع، وذلك يُثبت أنَّ الرأي العام المجتمعي في المدينة مازل حيًّا ويستطيع التأثير والتغيير، و يؤكّد مدى قصر نظر المسؤولين لدينا، ورعاة أمورنا الذين يتطلب أن يكونوا على قدرٍ رفيع من الحكمة والأناة والرؤية البعيدة والاستبصار، إلّا أنهم يُثبتون لنا في القضية تلو القضية، وفي الموقف تلو الآخر، أنهم أناس موضوعين علينا بالإكراه وفق الحسابات السياسية النتنة، وأنهم لا يملكون أدنى مستوى من الفهم، ومن مَلَكات الحِلْم، وطرق التدبير، والمعالجة بالتي هي أحسن وأقوَم، فكلّما أرادوا تبييض وجوههم بطريقة أو بأخرى سوّدتها المواقف، وكلما شرعوا إبراز أنفسهم بأنهم ساهرون على راحة الناس، وحاملون همومهم، كشفتهم الظروف وأبانت معادنهم الرخيصة واهتماماتهم الحقّة التي لا تخرج من دائرة مصالحهم.
فإلى متى سيبقى في لبنان حاميها حراميها؟ وهل سنشهد يومًا بروز أشخاص في سدة المسؤولية، يكونون على قدرها، ويحملون مشاكل الناس في نصب أعينهم؟ أم كُتِب علينا أن نبقى تحت رحمة الإقطاع السياسي الذي يورّث السلطة ربما لمن لا يملك أن يدبّر لنفسه فضلًا عن الناس؟