نشرت بعض وسائل الإعلام الغربية تقارير تحذّر من انفجار أزمة مالية واقتصادية في لبنان، بالاستناد إلى مؤشرات متصلة بعجز المالية العامة وتدهور أسعار سندات اليوروبوندز في السوق الدولية.
واشارت صحيفة “الاخبار” في مقال للكاتب محمد وهبة الى ان هذا التركيز على لبنان، يفتح الباب أمام سيل من الأسئلة عن الهدف من استنتاجات كهذه تتناغم مع الضغوط الدولية على لبنان.
وتابع الكاتب ان تدهور أحوال سندات اليوروبوندز (اللبنانية) المتداولة في الأسواق الدولية شكل محور حديث وسائل إعلام أجنبية متخصصّة بالشؤون الاقتصادية، وبحسب الصحيفة فانه خلال بضعة أسابيع ظهرت خمسة تقارير من “ايكونوميست” إلى “فاينانشيال تايمز”، “بلومبرغ” و”رويترز”. وقد عززت مضامين التقارير مخاوف سائدة بين اللبنانيين عن قرب حدوث أزمة مالية بدأت معالمها بالظهور بعد تخلّي المستثمرين عن سندات اليوروبوندز ما يثير القلق من أن يدخل لبنان في دوامة التخلّف عن سداد الديون، على رغم أنه لم يفعلها يوماً.
وتابعت الكاتب ان تركيز الصحافة الأجنبية على الوضع المالي والاقتصادي في لبنان في هذا الوقت يثير القلق أيضاً. وسأل: “ما الذي وضع لبنان ضمن أولوياتها، على رغم أن الأزمة ليست مستجدّة وبوادرها ظهرت قبل سنتين، على الأقل، مع لجوء مصرف لبنان إلى هندسات مالية غير تقليدية وغير محبّذة لتمويل الديون واستقطاب الدولارات من الخارج؟”، أما أزمة سندات اليوروبوندز فقد اندلعت بعيد احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري في السعودية في تشرين الثاني 2017. مذّاك، تظهر عوارض الأزمة على هذه السندات كل بضعة أسابيع: انخفاض في السعر وارتفاع في العائد. هل بلغت هذه الأزمة حدّ الانفجار؟ أم أن التقارير الأجنبية تتماهى مع الضغوط الدولية على لبنان؟
ولفت الكاتب الى ان باكورة التقارير بدأت مع “إيكونوميست” (وهي الوحيدة من بين المؤسسات الإعلامية الأجنبية الأخرى التي لم تعتد الحديث عن الوضع الاقتصادي اللبناني، إلا في حالات نادرة ومحددة)، بعنوان “أزمة تلوح في الأفق”. يومها حذرت المجلة من أن السياسات النقدية المُتبعة “غير قابلة للاستدامة”، مشيرة إلى أن “أي انهيار في قيمة سعر صرف (الليرة) سيكون مؤلماً” فيما لا يزال “أصحاب القرار يغضون الطرف عنها”.
اما “فاينانشيال تايمز” فنشرت تقريراً عنوانه “سوق التأمين على السندات اللبنانية ينذر بأزمة نقدية تلوح في أفق لبنان”. وقد استندت المجلة على مجموعة مؤشرات من أبرزها ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج ليبلغ 150% وهو من أعلى المعدلات في العالم. كذلك أوضحت أن ارتفاع معدلات الفوائد العالمية يؤدي إلى تورّم كلفة الاستدانة من الخارج.
«ولفت الكاتب في مقاله الى ان “فاينانشيال تايمز” لم تكتفِ بتقرير وحيد، بل نشرت أيضاً تقريراً موسعاً في 3 تشرين الأول بعنوان “ارتفاع العائد على السندات اللبنانية يثير الخوف من امتناع الحكومة عن تسديد ديونها”. تحدثّت عن كلفة خدمة الدين العام الذي سيمتص أكثر من 44% من إيرادات الخزينة في السنة الجارية. وتقرّ المجلة بأنه لا معلومات جديدة كثيرة عن لبنان، لا سيما أن أوضاعه المالية تتخطى المنطق فيما لم يتخلف لبنان عن سداد ديونه أبداً”. لكن المجلة تتبنّى رأي مسؤول الأسواق الناشئة في “كابيتال إيكونوميكس” جايسن توفاي الذي ربط أوضاع سندات اليوروبوندز في السوق الدولية بما يحصل بين إيران وأميركا والدور الخليجي، مشيراً إلى انه “بات واضحاً أن هناك خطراً من أنه كلما زادت وتيرة العقوبات على إيران ارتفعت احتمالات التوتير الإيراني في المنطقة. التجارب السابقة تشي بأن لبنان قد يكون من بين الأماكن التي تقع ضمن هذا المرمى”. ويضيف توفاي: “إذا أعلنت دول الخليج طرد اللبنانيين من أراضيها، فإن هذا الأمر سيضرب تحويلات المغتربين. أي أزمة جديدة ستؤدي إلى تخلف لبنان عن سداد ديونه بالعملات الأجنبية”.
في السياق نفسه اعتمدت “رويترز”، بحسب الكاتب في صحيفة “الاخبار” على رواية مشابهة جايمس تورفي التقنية. الرجل استنتج بأن “استمرار خروج رأس المال قد يجفف سريعاً الاحتياطات الأجنبية ويجبر السلطات في نهاية المطاف على خفض قيمة الليرة”.
ولفت الكاتب الى ان عنوان “رويترز” يشي بأن الأزمة مقبلة أيضاً: “تراجع سندات لبنان يعزز مخاوف في شأن العملة وضغوط لتنفيذ إصلاحات مالية”.
اما تقرير “بلومبرغ” جاء بعنوان “الدين اللبناني على مسار غير مستدام: البنك الدولي يخفض توقعاته”، لا يختلف كثيراً في المضمون لجهة سوق سندات اليوروبوندز وسواها من المؤشرات، لكنه يشير أيضاً إلى صعوبة تأليف الحكومة وتغيير البنك الدولي توقعاته عن نمو لبنان الاقتصادي من 2% إلى أقل من 1% وجاء بعنوان “الدين اللبناني على مسار غير مستقر”.
لا شكّ بأن غالبية المعطيات الواردة في تقارير الصحافة الأجنبية كان صحيحاً، إلا أن المشكلة تكمن في كون الجزء الكبير من هذه المعلومات قديماً أو غير مستجد بالمعنى الخبري. مسار الأزمة في لبنان لم يبدأ مع تدهور أسعار سندات اليوروبوندز، لا بل إن هذا التدهور ليس مؤشراً أبداً على قدرة الحكومة على السداد. في الواقع، إن تخلّي المستثمرين الأجانب عن سندات اليوروبوندز شكّل ظاهرة لافتة في الفترة الأخيرة، خصوصاً أن التراجع أصاب السندات ذات الأجل القريب، أي تلك التي تستحق بين 2018 و2024. ..