التقى مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار في مكتبه في دار الفتوى بطرابلس، المدير العام لوزارة الثقافة في الجمهورية التركية يلتشن كورت لمناسبة توقيعه ورئيس دائرة أوقاف طرابلس الشيخ عبد الرزاق إسلامبولي على ترميم بعض المعالم الدينية والمساجد في مدينة طرابلس، والتي يعود تاريخ بنائها إلى الحقبة العثمانية والتركية، وهي مسجد المعلق المعروف بجامع محمود باشا الزعيم، والمدرسة المحمودية ومبنى الخانكاه من زمن الدولة العثمانية.
وحضر اللقاء أمين الفتوى في طرابلس الشيخ محمد إمام، المدير العام للأوقاف الإسلامية في لبنان الشيخ محمد أنيس الأروادي يرافقه رئيس دائرة المساجد الشيخ مازن يحيى القوزي، القاضي الشيخ وسام السمروط، الدكتور خالد تدمري رئيس الجمعية اللبنانية-التركية ورئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس، والدكتور زاهر سلطان عضو المجلس البلدي ورئيس لجنة الثقافة والتربية في البلدية، ومؤرخ طرابلس الدكتور عمر تدمري، ونيرمين اوزون علي القائمة على رعاية مشروع الترميم، وعلماء ورجال دين.
ورحب الشعار بالوفد التركي وبالحضور، وأطلعهم على الأثر النبوي الشريف الذي أهداه السلطان عبد الحميد الثاني إلى مدينة طرابلس في الذكرى الـ25 لجلوسه على عرش السلطنة، وهو عبارة عن شعرة من شعرات النبي محمد.
وتحدث تدمري مشيرا إلى بعض الأماكن التاريخية التي تقرر أن تعيد ترميمها وزارة الثقافة التركية في طرابلس، منها محطة سكة الحديد وتحويلها إلى متحف، مشيرا إلى أن المحطة الجديدة للقطار ستعمل من داخل مرفأ طرابلس حين يتم إنشاؤها، ليصل بين المدينة والحدود الشمالية.
ثم تحدث يلتشن كورت، وقال: “أود أن أعبر عن مدى امتناني بوجودي في الجمهورية اللبنانية الشقيقة وان اكون تحت جناح دار الفتوى في طرابلس والشمال، في حضور اصحاب السماحة والفضيلة، وأحمل معي تحيات ومحبة وزير الثقافة والسياحة التركي، وإن شاء الله إن هذه الإتفاقيات من شأنها أن تقوي اواصر الأخوة والصداقة القائمة بين بلدينا ومدننا وأن تكون صلة وصل جديدة للرحم بيننا وتكون ثمرة للتعاون المستمر بيننا”.
أضاف: “امس قمنا بتوقيع إتفاقية مع مصلحة سكة الحديد في بيروت هدفها إعادة إحياء محطة سكة الحديد في طرابلس، وقد خصصت لترميمها المبالغ اللازمة لهذا العام على امل زيادتها مع إنتهاء الدراسات لتنفيذ المشروع، ثم قمنا بزيارة المحطة وعاينا المكان، وإن شاء الله هذا اليوم سيحمل الخير والبركة بخصوص البدء بترميم جامع المعلق وملحقاته، وقد زرنا الجامع المنصوري الكبير وادينا فيه الصلاة وإطلعنا على ملحقاته بالإضافة إلى زيارة الخانكاه، وسنباشر وضع الدراسات الخاصة بالترميم لوضع الميزانية اللازمة للتنفيذ، وهدفنا الحفاظ على هذا التراث الإسلامي، ونسأل الله أن يمكننا لنقوم بالمزيد من المشاريع المماثلة في هذه المدينة العزيزة علينا”.
وتلاه إسلامبولي مرحبا بالوفد ومتناولا الواقع التاريخي لجامع المعلق وملحقاته في مدينة طرابلس، ثانية المدن المملوكية بعد القاهرة، وقال: “طرابلس مدينة تزخر بالعدد الكبير جدا من الآثار المملوكية والعثمانية حيث كانت مركز ولاية في العهد العثماني، لذلك نجد تنوعا في آثار المدينة العائدة إلى حقب تاريخية عديدة من مسجد ومدارس دينية وخانات وحمامات تدل على أهمية المدينة حضاريا وتجاريا على ساحل البحر المتوسط، وإشتهرت بصناعة الحرير وتصدير الصابون والمنتوجات الزراعية بمختلف أنواعها”.
وأضاف: “دائرة اوقاف طرابلس التابعة لدائرة اوقاف لبنان تشرف على خمسة أقضية، وتضم اللآلاف من العقارات الوقفية الخيرية والذرية، لذلك تقع على هذه الدائرة مسؤوليات كبيرة جدا وهي مركز الثقل السني في طرابلس والمنية والضنية وبقية الأقضية التي يتواجد فيها مسلمون ولكن بنسب أقل، وعرض لتاريخ المساجد وملحقاتها وإلى ضياع نسبة كبيرة من الآثار العائدة إلى المرحلة الأموية من جراء حملات الفرنجة، حيث يتواجد حاليا في نطاق الدائرة حوالي 200 مسجد، منها 20 مسجدا داخل المدينة القديمة في طرابلس تعود إلى العهدين المملوكي والعثماني”.
من جهته قال الأروادي: “نحن المسلمين سنة في لبنان نعتبر انفسنا امتدادا للتاريخ العظيم الذي قامت به هذه الدولة بحماية الحدود الإسلامية على مدى قرون، وخدمت الإسلام خدمة عظيمة وندعو الله عز وجل أن يعود هذا التاريخ القديم وأن تعود تركيا إلى تألقها وأهميتها في المنطقة وان تكون نبراسا وعنوانا للإسلام ولحماية المسلمين في كل العالم الإسلامي”.
وأضاف: “نحن كمديرية عامة للأوقاف الإسلامية في لبنان معظم الأوقاف الإسلامية الموجودة بين أيدينا هي من تركة الدولة العثمانية التي تركت لنا إرثا عظيما عقاريا ومساجد وزوايا وتكايا التي كان يحفظ فيها القرآن الكريم، فوسط بيروت كان يحتوي عدة زوايا وتكايا لحفظة القرآن الكريم بأمر مباشر من السلطان العثماني، وقد زارها الوفد عند زيارته لنا في العاصمة بيروت ومهما تكلمنا لا نفي الأخوة الأتراك حقهم على المسلمين في كل العالم الإسلامي، وليس في لبنان فقط، واقول انه مهما سمع الأخوة الأتراك شيئا في لبنان فأهل السنة هم المدافعون الأول عن تركيا وعن الشعب التركي”.
وتحدث المفتي الشعار وقال: “كل ما قيل عن عمق العلاقة بيننا وبين تركيا يدل على عطش المسلمين ليعودوا إلى التبادل والتواصل والتآخي وتبادل الزيارات وإحياء مشاعر الأخوة الإسلامية، والدولة العثمانية كما الإسلام طاهر وهي عمقنا الإسلامي والديني، صحيح اننا الآن نوقع بروتوكولا لترميم بعض الآثار، لكن هذه امور رمزية، والأساس ان تعود العلاقة واللحمة والتبادل واللقاءات والزيارات حتى لا يشعر احد من إخوتنا الأتراك بغربة في لبنان، ولا يشعر أحد من اخواننا اللبنانيين بغربة في تركيا. ونحن في هذه المناسبة نريد ان نهنئكم ونهنىء تركيا بفوز الرئيس اردوغان في الإنتخابات الاخيرة”.
ورد كورت: “نحن لا نشعر ابدا بأننا في لبنان اغراب”.
ثم جرى توقيع البروتوكول بين المدير العام يلتشن ورئيس دائرة اوقاف طرابلس الشيخ إسلامبولي، وأدلى الشعار بتصريح قال فيه: “إلتقت إرادتان مؤمنتان على توقيع إتفاقية لإحياء وترميم بعض المعالم الإسلامية الأساسية في مدينة طرابلس، هذه المعالم هي جزء أساسي من حضارة بلدنا وشعبنا وحضورنا الإسلامي الديني، والدول الكبرى والعظمى هي التي تعرف أن تترك اثرا طيبا مباركا في كل البقاع التي تحفظ وجود الشعوب والتاريخ والحضارة، لذلك لا يسعني وأنا الذي أتحدث اليوم بإسم صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية العلامة الدكتور الشيخ عبد اللطيف دريان إلا أن أتوجه بعميق الشكر والامتنان لجمهورية تركيا وبشخص وزارة الثقافة فيها وبالتحديد المديرية العامة للحفاظ على ترميم الآثار في تركيا وخارجها، اتوجه إليهم بعميق الشكر والإمتنان لهذه المكرمة وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن حضارة الأمم والشعوب ومستقبل هذه الأمة إنما يرتكز حول هذه المعالم الإسلامية الدينية والتي تجمع بين أبناء المجتمع والوطن، والأماكن الآمنة التي ترتفع فيها كلمة الله وكلمة السلام وكلمة الإسلام وكلمة المحبة والاستقرار”.
وختم: “أكرر شكري لوفد جمهورية تركيا باسم صاحب السماحة مرحبا بهذا الوفد وبسعادة المدير العام للمديرية العامة للأوقاف الإسلامية في لبنان على تلطفه بالحضور ومشاركته هذا الحفل الكريم، كما أخص إخواني اصحاب الفضيلة والعلماء بشكر حار لتلطفهم بالمشاركة وعلى أمل أن تبتدىء مسيرة التعاون في بناء وترميم هذه الحضارة التي لا تموت بإذن الله”.