وليد شقير:
كان من الطبيعي أن تثور ثائرة طهران وحلفائها إزاء القمة العربية الإسلامية- الأميركية في الرياض مطلع الأسبوع. فالقمة تشكل تحولاً في السياسة الأميركية التي كان يركن إليها القادة الإيرانيون في عهد الإدارة الأميركية السابقة التي هادنت سياسة هؤلاء بحجج مختلفة، العلني منها أن باراك أوباما أراد قيام توازن بين اندفاعة إيران الشيعية وتمددها الإقليمي، وبين دول الخليج العربي السنية. لكن الفاضح في هذه الحجج أن واشنطن باراك أوباما كانت تلوم دول الخليج على نشوء التطرف في المنطقة وتنسب إليها دعم الإرهاب، على رغم تعرضها بوضوح إلى أفعاله وعملياته الإجرامية في عقر دارها، لا سيما في السعودية.
تناغمت طهران مع أوباما ورجاله في الترويج لأولوية محاربة الإرهاب، على مواجهة النظام الاستبدادي في سورية، متجاوزة اتهاماتها السابقة لواشنطن بالسعي إلى إقامة «الشرق الأوسط الجديد»، تحت نفوذها، وفاخرت بدلاً من هذه التهمة، بشعار «الشرق الأوسط الإسلامي»، بعدما جاهرت بسيطرتها على بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت وصولاً إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط، عبر نجاحها في تهديد استقرار هذه الدول عبر التشكيلات العسكرية التي أنشأتها فيها وتمدد نشاطاتها العسكرية والأمنية إلى دول خليجية عدة، خلال السنوات الثلاث الماضية.
ومرة أخرى يفرض السؤال نفسه: إذا كانت ذريعة بعض مؤيدي التمدد الإيراني أنه جاء نتيجة الانكفاء العربي عن ميادين الصراع على النفوذ، فلماذا لوم الدول العربية التي قررت العودة إلى ملء الفراغ الذي سعت طهران إلى تعبئته، واتهامها بالسعي إلى «الشرق الأوسط الجديد»؟ وهل اتهام العرب بالعمل من أجل «الشرق الأوسط الجديد» بالتعاون مع إدارة دونالد ترامب، يستقيم فيما السعي إلى «الشرق الأوسط الإسلامي» (الإيراني) بالتعاون مع إدارة أوباما مباح ومشروع؟ وهل أن تحديد إيران لصورة الشرق الأوسط، غصباً عن شعوب دوله، باستخدام الوسائل كافة لتفكيك الدولة في عدد من الأوطان، لإعادة تركيبها وفق المصالح والعقيدة الإيرانية، شرعي؟
لا طائل من السجال على هذا المستوى مع حاملي لواء الدفاع عن المنطق الإيراني، على رغم احتفالية هؤلاء بالانتصار الذي تمخض عنه الاتفاق على النووي العام الماضي، وبالتهافت الغربي على طهران من أجل الاستثمارات بعده…
لا جديد في موقف الدول العربية والخليجية من إيران في ما نص عليه «إعلان الرياض» بـ «التزام القادة تكثيف جهودهم للحفاظ على أمن المنطقة والعالم، ومواجهة نشاطات إيران التخريبية والهدامة بكل حزم وصرامة داخل دولهم وعبر التنسيق المشترك». الجديد هو التوقيع الأميركي عليه، بالاشتراك مع أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية، علماً أن ترامب ومعاونيه كانوا صرحوا بهذه المواقف سابقاً. والجديد هو دعوة الرئيس الأميركي إلى عزل إيران نتيجة سياساتها، من منصة القمة.
قد لا تنجح قمة الرياض في تنفيذ بعض قراراتها الطموحة من نوع تشكيل القوة الإسلامية المشتركة من 34 ألف جندي من أجل محاربة الإرهاب بعد تصنيف «داعش» و «النصرة» و «حزب الله» على قدم المساواة… وقد تراهن طهران على عدم التنفيذ. ويفترض انتظار التطبيق العملي لهذه القرارات. وهي قد تراهن أيضاً على ما يروج بأن ترامب لن يبقى رئيساً… في وقت جدد حسن روحاني رئاسته لدورة ثانية وسط ميله لمهادنة واشنطن والتشدد مع دول الخليج. لكن ما يقلق قادة ايران، هو أن إجراءات محاصرة تمددها قد تكون أكثر سرعة وعملية من خطوات كبرى من هذا النوع.
فعين قادة «الحرس الثوري» على المسعى الأميركي لقطع طريق مقاتليه وميليشياته نحو سورية انطلاقاً من بغداد، عبر معبر التنف الواقع على المثلث العراقي- الأردني- السوري، والذي تتواجد فيه «قوات سورية الجديدة» المدربة من الأميركيين والنروجيين، الذي يتواجدون فيه كـ «خبراء»، تعزز عددهم أخيراً. فهذا المعبر شريان حياة لـ «الحشد الشعبي» العراقي الذي يقاتل بعض ميليشياته في سورية. وهو بديل الجسر الجوي المكلف مالياً والصعب عسكرياً (في ظل هيمنة الطيران الروسي والأميركي على الأجواء) لنقل العتاد والعديد الإيراني. وهو حيوي لمواجهة القوات الإيرانية والنظامية السورية أي تقدم لقوات المعارضة السورية بدعم أميركي- أردني على الجبهة الجنوبية نحو محافظة درعا… والذي يحكى عنه منذ مدة. وهو ما يفسر حشد جيش الأسد ودفع «حزب الله» مزيداً من المقاتلين نحو الطريق المؤدية إلى هذا المعبر.
وعين قادة «الحرس الثوري» على تهيؤ قوات التحالف العربي للسيطرة على مرفأ الحديدة في اليمن، للحد من تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، تمهيداً لحصرهم في مناطق جبلية بعيدة، وعلى العقوبات التي يروج لها ضد «حزب الله» في لبنان، بسبب استمرار تدخله في سورية عبر الحدود.